الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              [ ص: 41 ] المسألة الثانية

              إنما تحصل درجة الاجتهاد لمن اتصف بوصفين :

              أحدهما : فهم مقاصد الشريعة على كمالها .

              [ ص: 42 ] والثاني : التمكن من الاستنباط بناء على فهمه فيها .

              أما الأول : فقد مر في كتاب المقاصد أن الشريعة مبنية على اعتبار المصالح ، وأن المصالح إنما اعتبرت من حيث وضعها الشارع كذلك ، لا من حيث إدراك المكلف; إذ المصالح تختلف عند ذلك بالنسب والإضافات .

              [ ص: 43 ] واستقر بالاستقراء التام أن المصالح على ثلاث مراتب ، فإذا بلغ الإنسان مبلغا فهم عن الشارع فيه قصده في كل مسألة من مسائل الشريعة ، وفي كل باب من أبوابها; فقد حصل له وصف هو السبب في تنزله منزلة الخليفة للنبي صلى الله عليه وسلم في التعليم والفتيا والحكم بما أراه الله .

              وأما الثاني : فهو كالخادم للأول ، فإن التمكن من ذلك إنما هو بواسطة معارف محتاج إليها في فهم الشريعة أولا ، ومن هنا كان خادما للأول وفي [ ص: 44 ] استنباط الأحكام ثانيا ، لكن لا تظهر ثمرة الفهم إلا في الاستنباط; فلذلك جعل شرطا ثانيا ، وإنما كان الأول هو السبب في بلوغ هذه المرتبة; لأنه المقصود ، والثاني وسيلة .

              لكن هذه المعارف تارة يكون الإنسان عالما بها مجتهدا فيها ، وتارة يكون حافظا لها متمكنا من الاطلاع على مقاصدها غير بالغ رتبة الاجتهاد فيها ، وتارة يكون غير حافظ ولا عارف; إلا أنه عالم بغايتها ، وأن له افتقارا إليها في مسألته التي يجتهد فيها; فهو بحيث إذا عنت له مسألة ينظر فيها زاول أهل المعرفة بتلك المعارف المتعلقة بمسألته ، فلا يقضي فيها إلا بمشورتهم ، وليس بعد هذه المراتب الثلاث مرتبة يعتد بها في نيل المعارف المذكورة .

              فإن كان مجتهدا فيها كما كان مالك في علم الحديث ، والشافعي في علم الأصول ، فلا إشكال ، وإن كان متمكنا من الاطلاع على مقاصدها كما قالوا في الشافعي وأبي حنيفة في علم الحديث فكذلك أيضا لا إشكال في صحة اجتهاده ، وإن كان القسم الثالث; فإن تهيأ له الاجتهاد في استنباط الأحكام مع [ ص: 45 ] كون المجتهد في تلك المعارف كذلك; فكالثاني ، وإلا فكالعدم .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية