الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

من فقه الأقليات المسلمة

خالد محمد عبد القادر

الفرع الثاني: حكم إلقاء السلام على الكافرين والرد عليهم

أولا : حكم إلقاء السلام

ذهب جمع من السلف إلى جواز إلقاء السلام على المخالفين من أهل الكتاب والمشركين، وقد فعله ابن مسعود وقال : إنه حق الصحبة. وكان أبو أمامة لا يمر بمسلم ولا كافر إلا سلم عليه، فقيل له في ذلك، فقال: أمـرنا أن نفشي السـلام [1] . وبمثلـه كـان يفعـل أبـو الـدرداء.

" وكتب ابن عباس لرجل من أهـل الكتاب: السـلام عليك. " [2] ، " وكـان عمر بن عبد العزيز يقول : لا بأس أن نبدأهم بالسلام. "

وذهب جمع آخر إلى المنع من إلقاء السلام على الكافرين، مستدلين ( بقول النبي صلى الله عليه وسلم : لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام ) [3] وقالوا : في الحديث دليل على تحريم ابتداء المسلم لليهود والنصارى بالسلام، لأن ذلك أصل النهي، وهو قول جمهور أهل العلم [4] [ ص: 148 ] ‎‎

قال ابن حجر : والأرجح من هـذه الأقوال كلها ما دل عليه الحديث، ولكنه مختص بأهل الكتاب. [5] قلت : لكن النهي عن مبادرة أهل الكتاب بالسلام، معلل بكونهم يردون بـ (وعليكم السام) يعني الموت.

يؤخذ هـذا التعليل مما رواه البخاري ( عن عائشة رضي الله عنها ، أن رهطا (جماعة) من اليهود دخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : السام عليك، ومن هـنا قال عليه الصلاة والسلام : إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا : وعليكم. وفي رواية أخرى : فإن أحدهم يقول : السام عليك. ) [6] وعليه فإذا غير أهل الكتاب من أسلوب ردهم وألفاظهـم الخبيثـة، فلا مانع من السلام عليهم، لأن الحكم يدور مع علته وجودا وعدما.

فقد نهانا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك حتى لا يكون هـناك مقابل (إلقاء السلام) دعاء علينا بالموت، فإذا انتفى ذلك فلا أرى وجها للمنع.

وهذا ما فهمه جمع من الأئمة، فقد سئل الأوزاعي عن مسلم مر بكافر فسلم عليه، فقال : إن سلمت فقد سلم الصالحون، وإن تركت فقد ترك الصالحون قبلك. [ ص: 149 ] ‎‎

كل ما تقدم من خلاف فإنه إذا كانت تحيتنا لهم (بالسلام عليكم) ، أما إذا كانت بعبارة أخرى (كصباح الخير، أو مسـاء الخيـر، أو مرحبا) ، وما شابه ذلك، فلا أرى أن النهي يتناوله، وقد قال بذلك السدي، ومقاتل، وأحمد وغيرهم [7]

ثانيا : حكم رد السلام

‎‎ اتفق أهل العلم على أنه يرد على أهل الكتاب بـ : (وعليكم) [8] ، ( لقول النبي صلى الله عليه وسلم : إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا : وعليكم. ) [9] ولكن هـل يزاد على ذلك؟

ذهب جماعة من السلف إلى أنه يجوز الرد على الكفار بـ (وعليكم السلام) ، كما يرد على المسلم، وهو قول ابن عباس ، والأشعري ، والشعبي ، وقتادة ، وحكاه الماوردي وجها للشافعية، ولكن لا يقول : (ورحمة الله) ، وقيل يجوز مطلقا وتكون الرحمة بمعنى الهداية.

وذهب الجمهور إلى المنع من الرد بـ (وعليكم السلام) . ولم يأتوا بدليل على ما ذهبوا إليه إلا بالحديث السابق.

قلت : ولكنه مقيد بسبب، فإذا زال فلا مانع من الرد بـ (وعليكم السلام) . [ ص: 150 ] ‎‎

فيترجح قـول القائلين بفرضيـة الـرد كامـلا بالصيغـة التي تصلـح ردا لتحيته.

قال ابن القيم : فإذا تحقق السامع أن الكافر قال له : (السلام عليكم) ، فالذي تقتضيه الأدلة الشرعية وقواعد الشريعة أن يقال له : (وعليكم السلام) ، فإن هـذا من باب العدل والإحسان،

وقد قال تعالى : ( وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها ) . (النساء:86) .



التالي السابق


الخدمات العلمية