الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  10 1 - حدثنا آدم بن أبي إياس، قال: حدثنا شعبة، عن عبد الله بن أبي السفر، وإسماعيل، عن الشعبي، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  أوصل بهذا ما علقه أولا، وإنما علقه لأجل التبويب. فإن قلت: لم لم يبوب على الجملة الأخيرة من الحديث. قلت: لأن في صدر الحديث لفظة المسلم، والكتاب الذي يحوي هذه الأبواب كلها من أمور الإيمان، والإسلام. فإن قلت: هجر المنهيات أيضا من أمور الإسلام؟ قلت: بلى، ولكنه في تبويبه بصدر الحديث اعتناء بذكر لفظ فيه مادة من الإسلام.

                                                                                                                                                                                  (بيان رجاله)، وهم ستة:

                                                                                                                                                                                  الأول: أبو الحسن آدم بن أبي إياس بكسر الهمزة، وتخفيف الياء آخر الحروف، في آخره سين مهملة، واسم أبي إياس عبد الرحمن، وقيل: ناهية بالنون، وبين الهاءين ياء آخر الحروف خفيفة، أصله من خراسان، نشأ ببغداد، وكتب عن شيوخها، ثم رحل إلى الكوفة، والبصرة، والحجاز، ومصر، والشام، واستوطن عسقلان، وتوفي بها سنة عشرين ومائتين.

                                                                                                                                                                                  قال أبو حاتم: هو ثقة مأمون، متعبد من خيار عباد الله تعالى، وكان وراقا، وكان عمره حين مات ثماني وثمانين سنة، وقيل: نيفا وتسعين سنة، وليس في كتب الحديث آدم بن أبي إياس غير هذا، وفي مسلم، والترمذي، والنسائي: آدم بن سليمان الكوفي. وفي البخاري، والنسائي: آدم بن علي العجلي الكوفي أيضا فحسب. وفي الرواة: آدم بن عيينة أخو سفيان، لا يحتج به، وآدم بن فايد، عن عمرو بن شعيب مجهول.

                                                                                                                                                                                  الثاني: شعبة غير منصرف، ابن الحجاج بن الورد، أبو بسطام الأزدي مولاهم الواسطي، ثم انتقل إلى البصرة، وأجمعوا على إمامته، وجلالة قدره.

                                                                                                                                                                                  قال سفيان الثوري: شعبة أمير المؤمنين في الحديث، وقال أحمد كان أمة وحده في هذا الشأن، مات بالبصرة أول سنة ستين ومائة، وكان ألثغ، وليس في الكتب الستة شعبة بن الحجاج غيره، وفي النسائي شعبة بن دينار الكوفي صدوق، وفي أبي داود شعبة بن دينار عن مولاه ابن عباس ليس بالقوي، وفي الضعفاء شعبة بن عمرو، ويروي عن أنس. قال البخاري: أحاديثه مناكير، وفي الصحابة شعبة بن التوأم، وهو من الأفراد، والظاهر أنه تابعي.

                                                                                                                                                                                  الثالث: عبد الله بن أبي السفر، بفتح الفاء، وحكى إسكانها، واسم أبي السفر سعيد بن يحمد بضم الياء، وفتح الميم كذا ضبطه النووي، وقال الغساني: بضم الياء، وكسر الميم، ويقال أحمد الثوري الهمداني الكوفي، مات في خلافة مروان بن محمد، روى له الجماعة. واعلم أن السفر كله بإسكان الفاء في الاسم، وتحريكها في الكنية، ومنهم من سكن الفاء في عبد الله المذكور كما مضى.

                                                                                                                                                                                  الرابع: إسماعيل بن أبي خالد هرمز، وقيل: سعد، وقيل: كثير البجلي الأحمسي مولاهم الكوفي سمع خلقا من الصحابة، منهم: أنس بن مالك، وجماعة من التابعين، وعنه الثوري، وغيره من الأعلام، وكان عالما متقنا صالحا ثقة، وكان يسمى الميزان، وكان طحانا، توفي بالكوفة سنة خمس وأربعين ومائة.

                                                                                                                                                                                  الخامس: الشعبي، بفتح الشين المعجمة، وسكون العين المهملة، بعدها الباء الموحدة، هو أبو عمرو عامر بن شراحيل، وقيل: ابن عبد الله بن شراحيل الكوفي التابعي الجليل الثقة، روى عن خلق من الصحابة، منهم: ابن عمر، وسعد، وسعيد. روي عنه أنه قال: أدركت خمسمائة صحابي.

                                                                                                                                                                                  قال أحمد بن عبد الله: ومرسله صحيح، روى عنه قتادة، وخلق من التابعين، ولي قضاء الكوفة، وولد لست سنين مضت من خلافة عثمان، ومات بعد المائة، إما سنة ثلاث أو أربع أو خمس أو ست، وهو ابن نيف وثمانين سنة، وكان مزاحا، وأمه من [ ص: 131 ] سبي جلولا، وهي قريبة بناحية فارس.

                                                                                                                                                                                  السادس: عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل بن هشام بن سعيد، بضم السين، وفتح العين ابن سهم بن عمرو بن هصيص، بضم الهاء، وبصادين مهملتين ابن كعب بن لؤي بن غالب أبو محمد أو عبد الرحمن أو أبو نصير، بضم النون القرشي السهمي، الزاهد العابد، الصحابي ابن الصحابي، وأمه ريطة بنت منيه بن الحجاج، أسلم قبل أبيه، وكان بينه وبين أبيه في السن اثنتي عشرة سنة، وقيل: إحدى عشرة، وكان غزير العلم مجتهدا في العبادة، وكان أكثر حديثا من أبي هريرة; لأنه كان يكتب، وأبو هريرة لا يكتب، ومع ذلك فالذي روي له قليل بالنسبة إلى ما روي لأبي هريرة، روي له سبعمائة حديث اتفقا منها على سبعة عشر، وانفرد البخاري بثمانية، ومسلم بعشرين، مات بمكة أو بالطائف أو بمصر في ذي الحجة من سنة خمس أو ثلاث أو سبع وستين، أو اثنتين أو ثلاث وسبعين عن اثنتين وسبعين سنة، وفي الصحابة عبد الله بن عمرو جماعات أخر، عدتهم ثمانية عشر نفسا، وعمرو يكتب بالواو; ليتميز عن عمر، وهذا في غير النصب، وأما في النصب فيتميز بالألف.

                                                                                                                                                                                  (بيان الأنساب) الأزدي في كهلان ينسب إلى الأزد بن الغوث بن نبت ملكان بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، يقال له: الأزد بالزاي، والأسد بالسين، والواسطي نسبة إلى واسط، مدينة اختطها الحجاج بن يوسف بين الكوفة والبصرة في أرض، كسكر، وهي نصفان على شاطئ دجلة، وبينهما جسر من سفن، وسميت واسط; لأن منها إلى البصرة خمسين فرسخا، ومنها إلى الكوفة خمسين فرسخا، وإلى الأهواز خمسين فرسخا، وإلى بغداد خمسين فرسخا، والبجلي، بضم الباء والجيم في كهلان ينسب إلى بجيلة بنت صعب بن سعد العشيرة بن مالك، وهو مذحج، والشعبي نسبة إلى شعب بطن من همدان بسكون الميم، وبالدال المهملة، ويقال، هو من حمير، وعداده في همدان، ونسب إلى جبل باليمن نزله حسان بن عمر، والحميري هو ولده، ودفن به، وقال الهمداني الشعب الأصغر بطن منهم: عامر بن شراحيل.

                                                                                                                                                                                  قال: والشعب الأصفر بن شراحيل بن حسان بن الشعب الأكبر بن عمرو بن شعبان، وقال الجوهري: شعب جبل باليمن، وهو ذو شعبتين، نزله حسان بن عمرو الحميري وولده، فنسبوا إليه، وأن من نزل من أولاده بالكوفة يقال لهم: شعبيون، منهم: عامر الشعبي، ومن كان منهم بالشام قيل لهم: شعبيون، ومن كان منهم باليمن يقال لهم: آل ذي شعبين، ومن كان منهم بمصر والمغرب يقال لهم: الأشعوب.

                                                                                                                                                                                  (بيان لطائف إسناده) منها أن هذا الإسناد كله على شرط الستة إلا آدم فإنه ليس من شرط مسلم، وأبي داود.

                                                                                                                                                                                  ومنها أن شعبة فيه يروي عن اثنين: أحدهما: عبد الله بن أبي السفر، والآخر: إسماعيل بن أبي خالد، وكلاهما يرويانه عن الشعبي، ولهذا إسماعيل، بفتح اللام عطفا على عبد الله، وهو مجرور، وإسماعيل أيضا مجرور جر ما لا ينصرف بالفتحة كما عرف في موضعه، ومنها أن فيه التحديث والعنعنة.

                                                                                                                                                                                  (بيان من أخرجه غيره) هذا الحديث انفرد البخاري بجملته عن مسلم، وأخرجه أيضا في الرقاق عن أبي نعيم، عن زكريا عن عامر، وأخرج مسلم بعضه في صحيحه عن جابر مرفوعا: المسلم من سلم المسلمون من لسانه، ويده مقتصرا عليه، وخرج أيضا من حديث عبد الله بن عمر أيضا أن رجلا سأل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: أي المسلمين خير؟ قال: من سلم المسلمون من لسانه ويده. وزاد ابن حبان، والحاكم في (المستدرك) من حديث أنس صحيحا: والمؤمن من أمنه الناس . وأخرج أبو داود، والنسائي أيضا مثل البخاري من حديث عبد الله بن عمرو، إلا أن لفظ النسائي: من هجر ما حرم الله عليه.

                                                                                                                                                                                  (بيان اللغات) قوله: " من يده " . اليد هي اسم للجارحة، ولكن المراد منها أعم من أن تكون يدا حقيقية أو يدا معنوية كالاستيلاء على حق الغير بغير حق; فإنه أيضا إيذاء لكن لا باليد الحقيقية.

                                                                                                                                                                                  قوله: " المهاجر " هو الذي فارق عشيرته، ووطنه.

                                                                                                                                                                                  قوله: " من هجر " ، أي: ترك من هجره يهجره بالضم هجرا وهجرانا، والاسم الهجرة، وفي (العباب) الهجرة ضد الوصل، والتركيب يدل على قطع، وقطيعة، والمهاجر مفاعل منه. قيل: لأنه لما انقطعت الهجرة، وفضلها حزن على فواتها من لم يدركها، فأعلمهم النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أن المهاجر على الحقيقة من هجر ما نهى الله عنه، وقيل: بل أعلم المهاجرين لئلا يتكلوا على الهجرة. فإن قلت: المهاجر من باب المفاعلة، وهي تقتضي الاشتراك بين الاثنين. قلت: المهاجر بمعنى الهاجر [ ص: 132 ] كالمسافر بمعنى السافر، والمنازع بمعنى النازع; لأن باب فاعل قد يأتي بمعنى فعل.

                                                                                                                                                                                  (بيان الإعراب). قوله: " المسلم " مبتدأ، وخبره قوله: " من سلم المسلمون " ، ويجوز أن يكون من سلم خبر مبتدأ محذوف، فالجملة خبر المبتدأ الأول، والتقدير: المسلم هو من سلم، فمن موصولة، وسلم المسلمون صلتها، وقوله: " من لسانه " متعلق بقوله " سلم ".

                                                                                                                                                                                  قوله: " والمهاجر " عطف على قوله: " المسلم، ومن أيضا في من هجر موصولة، وما نهى الله عنه جملة في محل النصب; لأنها مفعول هجر، وكلمة ما موصولة، ونهى الله عنها صلتها.

                                                                                                                                                                                  (بيان المعاني). قوله: " المسلم من سلم... إلى آخره " ظاهره يدل على الحصر لوقوع جزئي الجملة معرفتين، ولكن هذا من قبيل قولهم: زيد الرجل، أي: زيد الكامل في الرجولية، فيكون التقدير: المسلم الكامل من سلم... إلى آخره "، وقال القاضي عياض وغيره: المراد الكامل الإسلام، والجامع لخصاله ما لم يؤذ مسلما بقول، ولا فعل، وهذا من جامع كلامه عليه الصلاة والسلام، وفصيحه كما يقال: المال الإبل، والناس العرب على التفضيل لا على الحصر، وقد بين البخاري ما يبين هذا التأويل، وهو قول السائل: أي الإسلام خير؟ قال: من سلم المسلمون من لسانه ويده.

                                                                                                                                                                                  وقال الخطابي: معناه أن المسلم الممدوح من كان هذا وصفه، وليس ذلك على معنى أن من لم يسلم الناس منه ممن دخل في عقد الإسلام فليس ذلك بمسلم، وكان ذلك خارجا عن الملة أيضا إنما هو كقولك الناس العرب تريد أن أفضل الناس العرب، فهاهنا المراد أفضل المسلمين من جمع إلى أداء حقوق الله أداء حقوق المسلمين، والكف عن أعراضهم، وكذلك المهاجر الممدوح، هو الذي جمع إلى هجران وطنه ما حرم الله تعالى عليه، ونفي اسم الشيء على معنى نفي الكمال عنه مستفيض في كلامهم. قلت: وكذا إثبات اسم الشيء على الشيء على معنى إثبات الكمال مستفيض في كلامهم.

                                                                                                                                                                                  فإن قلت: إذا كان التقدير: المسلم الكامل من سلم، يلزم من ذلك أن يكون من اتصف بهذا خاصة كاملا.

                                                                                                                                                                                  قلت: الملازمة ممنوعة; لأن المراد، هو الكامل مع مراعاة باقي الصفات أو يكون هذا، واردا على سبيل المبالغة تعظيما لترك الإيذاء كما كان ترك الإيذاء، هو نفس الإسلام الكامل، وهو محصور فيه على سبيل الادعاء، وأمثاله كثيرة فافهم، وقال بعضهم: يحتمل أن يكون المراد بذلك الإشارة إلى حسن معاملة العبد مع ربه; لأنه إذا أحسن معاملة إخوانه فأولى أن يحسن معاملة ربه من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى. قلت: فيه نظر، وخدش من وجهين:

                                                                                                                                                                                  أحدهما: أن قوله: " يحتمل أن يكون المراد بذلك الإشارة إلى حسن معاملة العبد مع ربه ممنوع; لأن الإشارة ما ثبت بنظم الكلام.

                                                                                                                                                                                  وتركيبه مثل العبارة غير أن الثابت من الإشارة غير مقصود من الكلام، ولا سيق الكلام له; فانظر هل تجد فيه هذا المعنى.

                                                                                                                                                                                  والثاني: أن قوله: " فأولى أن يحسن معاملة ربه: ممنوع أيضا، ومن أين الأولوية في ذلك، والأولوية موقوفة على تحقق المدعي، والدعوى غير صحيحة; لأنا نجد كثيرا من الناس يسلم الناس من لسانهم وأيديهم، ومع هذا لا يحسنون المعاملة مع الله تعالى، وفيه العطف بين الجملتين تنبيها على التشريك في المعنى المذكور، وفيه من أنواع البديع تجنيس الاشتقاق، وهو أن يرجع اللفظان في الاشتقاق إلى أصل واحد، نحو قوله تعالى: فأقم وجهك للدين القيم فإن أقم والقيم يرجعان في الاشتقاق إلى القيام.

                                                                                                                                                                                  (بيان استنباط الفوائد):

                                                                                                                                                                                  الأولى: فيه الحث على ترك أذى المسلمين بكل ما يؤذي، وسر الأمر في ذلك حسن التخلق مع العالم كما قال الحسن البصري في تفسير الأبرار هم الذين لا يؤذون الذر، ولا يرضون الشر.

                                                                                                                                                                                  الثانية: فيه الرد على المرجئة فإنه ليس عندهم إسلام ناقص.

                                                                                                                                                                                  الثالثة: فيه الحث على ترك المعاصي، واجتناب المناهي.

                                                                                                                                                                                  (الأسئلة والأجوبة) منها ما قيل: لم خص اليد مع أن الفعل قد يحصل بغيرها. أجيب بأن سلطنة الأفعال إنما تظهر في اليد إذ بها البطش، والقطع، والوصل، والأخذ، والمنع، والإعطاء، ونحوه. وقال الزمخشري: لما كانت أكثر الأعمال تباشر بالأيدي غلبت، فقيل: في كل عمل هذا مما عملت أيديهم، وإن كان عملا لا يأتي فيه المباشرة بالأيدي، ومنها ما قيل: لم قرن اللسان باليد؟ أجيب بأن الإيذاء باللسان، واليد أكثر من غيرهما فاعتبر الغالب. ومنها ما قيل: لم قدم اللسان على اليد؟ أجيب بأن إيذاء اللسان أكثر وقوعا وأسهل; ولأنه أشد نكاية، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول لحسان: اهج المشركين فإنه أشق عليهم من رشق النبل. وقال الشاعر:

                                                                                                                                                                                  جراحات السنان لها التئام ولا يلتام ما جرح اللسان

                                                                                                                                                                                  [ ص: 133 ] ومنها ما قيل: المفهوم منه أنه إذا لم يسلم المسلمون منه لا يكون مسلما، لكن الاتفاق على أنه إذا أتى بالأركان الخمسة فهو مسلم بالنص، والإجماع، وأجيب بأن المراد منه المسلم الكامل كما ذكرنا، وإذا لم يسلم منه المسلمون فلا يكون مسلما كاملا، وذلك لأن الجنس إذا أطلق يكون محمولا على الكامل، نص عليه سيبويه في نحو: الرجل زيد. وقال ابن جني: من عادتهم أن يوقعوا على الشيء الذي يخصونه بالمدح اسم الجنس، ألا ترى كيف سموا الكعبة بالبيت، وقد يقال سلامة المسلمين خاصة المسلم، ولا يلزم من انتفاء الخاصة انتفاء ما له الخاصة.

                                                                                                                                                                                  ومنها ما قيل: ما يقال في إقامة الحدود، وإجراء التعازير، والتأديبات إلى آخره، وأجيب بأن ذلك مستثنى من هذا العموم بالإجماع، أو أنه ليس إيذاء بل هو عند التحقيق استصلاح، وطلب للسلامة لهم، ولو في المآل، ومنها ما قيل: إذا آذى ذميا ما يكون حاله; لأن الحديث مقيد بالمسلمين أجيب بأنه قد ذكر المسلمون هنا بطريق الغالب، ولأن كف الأذى عن المسلم أشد تأكيدا لأصل الإسلام، ولأن الكفار بصدد أن يقاتلوا، وإن كان فيهم من يجب الكف عنه.

                                                                                                                                                                                  ومنها ما قيل: ما حكم المسلمات في ذلك; لأنه ذكر بجمع التذكير، وأجيب بأن هذا من باب التغليب، فإن المسلمات يدخلن فيه كما في سائر النصوص والمخاطبات.

                                                                                                                                                                                  ومنها ما قيل: لم عبر باللسان دون القول; فإنه لا يكون إلا باللسان: أجيب بأنه إنما عبر به دون القول حتى يدخل فيه من أخرج لسانه على سبيل الاستهزاء.

                                                                                                                                                                                  ومنها ما قيل: ما الفرق بين الأذى باللسان، وبين الأذى باليد. أجيب بأن إيذاء اللسان عام; لأنه يكون في الماضين والموجودين والحادثين بعد، بخلاف اليد; لأن إيذاءها مخصوص بالموجودين، اللهم إلا إذا كتب باليد فإنه حينئذ تشارك اللسان، فحينئذ يكون الحديث عاما بالنسبة إليهما، وأما في الصورة الأولى فإنه عام بالنسبة إلى اللسان دون اليد فافهم.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية