الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        6407 حدثنا عمران بن ميسرة حدثنا عبد الوارث حدثنا الحسين عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن عبد الرحمن الأنصاري عن عمرة بنت عبد الرحمن حدثته أن عائشة رضي الله عنها حدثتهم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال تقطع اليد في ربع دينار

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حدثنا الحسين ) هو ابن ذكوان المعلم وهو بصري ثقة ، وفي طبقة حسين بن واقد قاضي مرو ، وهو دونه في الإتقان .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عن محمد بن عبد الرحمن الأنصاري ) في رواية الإسماعيلي من طريق عبد الصمد بن عبد الوارث [ ص: 104 ] سمعت أبي يقول : حدثنا الحسين المعلم عن يحيى حدثني محمد بن عبد الرحمن الأنصاري ، قال الإسماعيلي : رواه حرب بن شداد عن يحيى بن أبي كثير كذلك ، وقال همام بن يحيى عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن عبد الرحمن بن زرارة ، قلت : نسب عبد الرحمن إلى جده وهو عبد الرحمن بن سعد بن زرارة ، قال الإسماعيلي : ورواه إبراهيم القناد عن يحيى عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان ، كذا حدثناه ابن صاعد عن لوين عن القناد ، والذي قبله أصح وبه جزم البيهقي وأن من قال فيه ابن ثوبان فقد غلط .

                                                                                                                                                                                                        قلت : وأخرجه النسائي من رواية عبد الرحمن بن أبي الرجال عن محمد بن عبد الرحمن عن أبيه عن عمرة عن عائشة مرفوعا ولفظه : تقطع يد السارق في ثمن المجن وثمن المجن ربع دينار ، وأخرجه من طريق سليمان بن يسار عن عمرة بلفظ : لا تقطع يد السارق فيما دون ثمن المجن ، قيل لعائشة : ما ثمن المجن؟ قالت ربع دينار وقد توبع حسين المعلم عن يحيى ، أخرجه أبو نعيم في " المستخرج " من طريق هقل بن زياد عنه بلفظه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عن عمرة بنت عبد الرحمن حدثته ) أي أنها حدثته ، وكذا في قوله عن عائشة حدثتهم ، وقد جرت عادتهم بحذفها في مثل هذا كما أكثروا من حذف قال في مثل حدثنا عثمان حدثنا عبدة وفي مثل سمعت أبي حدثنا فلان ، وذكر ابن الصلاح أنه لا بد من النطق بقال وفيه بحث ، ولم ينبه على حذف أن التي أشرت إليها . وفي رواية عبد الصمد المذكورة أن عمرة حدثته أن عائشة أم المؤمنين حدثتها .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( تقطع اليد في ربع دينار ) هكذا في هذه الرواية مختصرا ، وكذا في رواية مسلم وأخرجه أبو داود عن أحمد بن صالح عن ابن وهب بلفظ : " القطع في ربع دينار فصاعدا " .

                                                                                                                                                                                                        وعن وهب بن بيان عن ابن وهب بلفظ : تقطع يد السارق في ربع دينار فصاعدا ، وأخرجه النسائي من طريق عبد الله بن المبارك عن يونس بلفظ : تقطع يد السارق في ربع دينار فصاعدا ورواه مالك في الموطإ عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة : ما طال علي ولا نسيت ، القطع في ربع دينار فصاعدا وهو إن لم يكن رفعه صريحا لكنه في معنى المرفوع ، وأخرجه الطحاوي من رواية ابن عيينة عن يحيى كذلك ، ومن رواية جماعة عن عمرة موقوفا على عائشة ، قال ابن عيينة : ورواية يحيى مشعرة بالرفع ورواية الزهري صريحة فيه وهو أحفظهم .

                                                                                                                                                                                                        وقد أخرجه مسلم من طريق أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة مثل رواية سليمان بن يسار عنها التي أشرت إليها آنفا . وكذا أخرجه النسائي من طريق ابن الهاد بلفظ : لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعدا وأخرجه من طريق مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة عن عائشة موقوفا ، وحاول الطحاوي تعليل رواية أبي بكر المرفوعة برواية ولده الموقوفة وأبو بكر أتقن وأعلم من ولده ، على أن الموقوف في مثل هذا لا يخالف المرفوع ؛ لأن الموقوف محمول على طريق الفتوى ، والعجب أن الطحاوي ضعف عبد الله بن أبي بكر في موضع آخر ورام هنا تضعيف الطريق القويمة بروايته ، وكأن البخاري أراد الاستظهار لرواية الزهري عن عمرة بموافقة محمد بن عبد الرحمن الأنصاري عنها لما وقع في رواية ابن عيينة عن الزهري من الاختلاف في لفظ المتن هل هو من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - أو من فعله .

                                                                                                                                                                                                        وكذا رواه ابن عيينة عن غير الزهري فيما أخرجه النسائي عن قتيبة عنه عن يحيى بن سعيد وعبد ربه بن سعيد وزريق صاحب أيلة أنهم سمعوا عمرة عن عائشة قالت : " القطع في ربع دينار فصاعدا " ، ثم أخرجه النسائي من طرق عن يحيى بن سعيد به مرفوعا وموقوفا وقال : الصواب ما وقع في رواية مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة : ما طال علي العهد ولا نسيت ؛ القطع في ربع دينار فصاعدا ، وفي هذا إشارة إلى الرفع والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                        وقد تعلق [ ص: 105 ] بذلك بعض من لم يأخذ بهذا الحديث ، فذكره يحيى بن يحيى وجماعة عن ابن عيينة بلفظ : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقطع السارق في ربع دينار فصاعدا أورده الشافعي والحميدي وجماعة عن ابن عيينة بلفظ : " قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : تقطع اليد " الحديث ، وعلى هذا التعليل عول الطحاوي فأخرج الحديث عن يونس بن عبد الأعلى عن ابن عيينة بلفظ : " كان يقطع " وقال : هذا الحديث لا حجة فيه لأن عائشة إنما أخبرت عما قطع فيه فيحتمل أن يكون ذلك لكونها قومت ما وقع القطع فيه إذ ذاك فكان عندها ربع دينار فقالت : " كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقطع في ربع دينار " مع احتمال أن تكون القيمة يومئذ أكثر .

                                                                                                                                                                                                        وتعقب باستبعاد أن تجزم عائشة بذلك مستندة إلى ظنها المجرد ، وأيضا فاختلاف التقويم وإن كان ممكنا لكن محال في العادة أن يتفاوت هذا التفاوت الفاحش بحيث يكون عند قوم أربعة أضعاف قيمته عند آخرين ، وإنما يتفاوت بزيادة قليلة أو نقص قليل ولا يبلغ المثل غالبا ، وادعى الطحاوي اضطراب الزهري في هذا الحديث لاختلاف الرواة عنه في لفظه ، ورد بأن من شرط الاضطراب أن تتساوى وجوهه فأما إذا رجح بعضها فلا ، ويتعين الأخذ بالراجح ، وهو هنا كذلك لأن جل الرواة عن الزهري ذكروه عن لفظ النبي - صلى الله عليه وسلم - على تقرير قاعدة شرعية في النصاب وخالفهم ابن عيينة تارة ووافقهم تارة فالأخذ بروايته الموافقة للجماعة أولى ، وعلى تقدير أن يكون ابن عيينة اضطرب فيه فلا يقدح ذلك في رواية من ضبطه .

                                                                                                                                                                                                        وأما نقل الطحاوي عن المحدثين أنهم يقدمون ابن عيينة في الزهري على يونس فليس متفقا عليه عندهم بل أكثرهم على العكس ، وممن جزم بتقديم يونس على سفيان في الزهري يحيى بن معين وأحمد بن صالح المصري وذكر أن يونس صحب الزهري أربع عشرة سنة وكان يزامله في السفر وينزل عليه الزهري إذا قدم أيلة وكان يذكر أنه كان يسمع الحديث الواحد من الزهري مرارا .

                                                                                                                                                                                                        وأما ابن عيينة فإنما سمع منه سنة ثلاث وعشرين ومائة ، ورجع الزهري فمات في التي بعدها ، ولو سلم أن ابن عيينة أرجح في الزهري من يونس فلا معارضة بين روايتيهما فتكون عائشة أخبرت بالفعل والقول معا ، وقد وافق الزهري في الرواية عن عمرة جماعة كما سبق ، وقد وقع الطحاوي فيما عابه على من احتج بحديث الزهري مع اضطرابه على رأيه فاحتج بحديث محمد بن إسحاق عن أيوب بن موسى عن عطاء عن ابن عباس قال : قطع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلا في مجن قيمته دينار أو عشرة دراهم أخرجه أبو داود واللفظ له وأحمد والنسائي والحاكم ، ولفظ الطحاوي كان قيمة المجن الذي قطع فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشرة دراهم وهو أشد في الاضطراب من حديث الزهري فقيل عنه هكذا .

                                                                                                                                                                                                        وقيل عنه عن عمرو بن شعيب عن عطاء عن ابن عباس ، وقيل عنه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ولفظه كانت قيمة المجن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشرة دراهم وقيل عنه عن عمرو عن عطاء مرسلا وقيل عن عطاء عن أيمن أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قطع في مجن قيمته دينار كذا قال منصور والحكم بن عتيبة عن عطاء .

                                                                                                                                                                                                        وقيل عن منصور عن مجاهد وعطاء جميعا عن أيمن ، وقيل عن مجاهد عن أيمن بن أم أيمن عن أم أيمن قالت : لم يقطع في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا في ثمن المجن وثمنه يومئذ دينار أخرجه النسائي ، ولفظ الطحاوي : " لا تقطع يد السارق إلا في حجفة وقومت يومئذ على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دينارا أو عشرة دراهم " وفي لفظ له : " أدنى ما يقطع فيه السارق ثمن المجن ، وكان يقوم يومئذ بدينار " .

                                                                                                                                                                                                        واختلف في لفظه أيضا على عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده فقال حجاج بن أرطاة عنه بلفظ : لا قطع فيما دون عشرة دراهم وهذه الرواية لو ثبتت لكانت نصا في تحديد النصاب ، إلا أن حجاج بن أرطاة ضعيف ومدلس حتى ولو ثبتت روايته لم تكن مخالفة لرواية الزهري ، بل يجمع بينهما [ ص: 106 ] بأنه كان أولا لا قطع فيما دون العشرة ثم شرع القطع في الثلاثة فما فوقها فزيد في تغليظ الحد كما زيد في تغليظ حد الخمر كما تقدم ، وأما سائر الروايات فليس فيها إلا إخبار عن فعل وقع في عهده - صلى الله عليه وسلم - وليس فيه تحديد النصاب فلا ينافي رواية ابن عمر الآتية أنه " قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم " ، وهو مع كونه حكاية فعل فلا يخالف حديث عائشة من رواية الزهري ؛ فإن ربع دينار صرفه ثلاثة دراهم .

                                                                                                                                                                                                        وقد أخرج البيهقي من طريق ابن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن سليمان بن يسار عن عمرة قالت : " قيل لعائشة : ما ثمن المجن؟ قالت : ربع دينار " ، وأخرج أيضا من طريق ابن إسحاق عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال : " أتيت بنبطي قد سرق ، فبعثت إلى عمرة فقالت : أي بني إن لم يكن بلغ ما سرق ربع دينار فلا تقطعه فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حدثتني عائشة أنه قال : " لا قطع إلا في ربع دينار فصاعدا " ، فهذا يعارض حديث ابن إسحاق الذي اعتمده الطحاوي وهو من رواية ابن إسحاق أيضا ، وجمع البيهقي بين ما اختلف في ذلك عن عائشة بأنها كانت تحدث به تارة وتارة تستفتى فتفتي ، واستند إلى ما أخرجه من طريق عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة " أن جارية سرقت ، فسئلت عائشة فقالت : القطع في ربع دينار فصاعدا " .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية