الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              1869 1970 - حدثنا معاذ بن فضالة، حدثنا هشام، عن يحيى، عن أبي سلمة، أن عائشة رضي الله عنها حدثته قالت: لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - يصوم شهرا أكثر من شعبان، فإنه كان يصوم شعبان كله، وكان يقول: " خذوا من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا" وأحب الصلاة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ما دووم عليه، وإن قلت وكان إذا صلى صلاة داوم عليها. [1969، 1970، 5861، 6464، 6465 - مسلم: 782، 1156 - فتح: 4 \ 213]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث أبي سلمة، عن عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم حتى نقول: لا يفطر. ويفطر حتى نقول: لا يصوم. فما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استكمل صيام شهر إلا رمضان، وما رأيته أكثر صياما منه في شعبان .

                                                                                                                                                                                                                              وفي رواية يحيى، عن أبي سلمة : لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - يصوم شهرا أكثر من شعبان، فإنه كان يصوم شعبان كله، وكان يقول: "خذوا من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا" وأحب الصلاة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ما دووم عليه وإن قلت، وكان إذا صلى صلاة داوم عليها .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 441 ] هذا الحديث أخرجه مسلم أيضا ، وفي رواية له: وما صام شهرا كاملا منذ قدم المدينة إلا رمضان ، وللترمذي من حديث أبي سلمة، عن أم سلمة محسنا: ما رأيته يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان ، وصححه في "شمائله"، وقال: رواه غير واحد عن أبي سلمة، عن عائشة ، ويحتمل أن يكون أبو سلمة رواه عنهما، (أخرجه) أبو داود من حديث أبي سلمة، عن أم سلمة : لم يكن يصوم من السنة شهرا تاما إلا شعبان يصله برمضان ، وحمله ابن المبارك على الأكثر، وأنه جائز في كلام العرب.

                                                                                                                                                                                                                              قال الترمذي : كأنه رأى كلا الحديثين متفقين، يقول: إنما معناه أنه كان يصوم أكثر الشهر، وقوله: (كان يصومه كله) أي: أكثره وقد جاء عنها مفسرا: كان يصوم شعبان أو عامة شعبان ، وفي لفظ: كان يصومه كله إلا قليلا . وهي أولى من رواية يحيى عن أبي سلمة .

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن التين : إما أن يكون في أحدهما وهم، أو يكون فعل هذا [ ص: 442 ] وهذا، أو أطلق الكل على الأكثر مجازا. وقيل: كان يصومه كله في سنة وبعضه في أخرى، وقيل: كان يصوم تارة من أوله، وتارة من آخره، وتارة بينهما لا يخلي منه شيئا بلا صيام، وخصصه بكثرة الصوم; لكونه ترفع فيه أعمال العباد. ففي النسائي من حديث أسامة قلت: يا رسول الله، [لا] أراك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان. قال: "ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم " .

                                                                                                                                                                                                                              وللترمذي من حديث صدقة بن موسى، عن ثابت، عن أنس : سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أي الصوم أفضل بعد رمضان؟ قال: "شعبان; لتعظيم رمضان ". قيل: فأي الصدقة أفضل؟ قال: "صدقة في رمضان " ثم قال: حديث غريب، وصدقة ليس عندهم بذاك القوي . وقد روي أن هذا الصيام كان; لأنه كان يلتزم صوم ثلاثة أيام من كل شهر كما [ ص: 443 ] قال لابن عمرو، فربما شغل عن صيامها أشهرا فيجتمع كل ذلك في شعبان فيتداركه قبل رمضان ، حكاه ابن بطال ، وورد كما قال ابن الجوزي في حديث أنه - عليه السلام - سئل عن صومه فيه فقال: " إن الآجال تكتب فيه فأحب أن يكتب أجلي وأنا في عبادة ربي " .

                                                                                                                                                                                                                              وقال الداودي : أرى الإكثار فيه; لأنه ينقطع عنه التطوع برمضان.

                                                                                                                                                                                                                              قلت: ويجوز أنه كان يصوم صوم داود فيبقى عليه بقية فيكملها في هذا الشهر، والحكمة في كونه لم يستكمل غير رمضان; لئلا يظن وجوبه، فإن قلت: صح في مسلم : " أفضل الصوم بعد رمضان شهر الله المحرم" فكيف أكثر منه في شعبان دونه؟ قلت: لعله كان يعرض له فيه أعذار من سفر أو مرض أو غير ذلك، أو لعله لم يعلم بفضل المحرم إلا في آخر عمره قبل التمكن منه.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 444 ] وفيه: أن أعمال التطوع ليست منوطة بأوقات معلومة، وإنما هي على قدر الإرادة لها والنشاط فيها.

                                                                                                                                                                                                                              فائدة:

                                                                                                                                                                                                                              معنى: " خذوا من العمل ما تطيقون" أي: تطيقون الدوام عليه بلا ضرر، واجتناب التعمق عام في جميع أنواع العبادات، والملل والسآمة بالمعنى المتعارف في حقنا محال في حق الله تعالى فيجب تأويله، وأوله المحققون على أن المعنى: لا يعاملكم بمعاملة الملل فيقطع عنكم ثوابه ورحمته وفضله حتى تقطعوا أعمالكم. وقيل: معناه: لا يمل إذا مللتم، وقد سلف في الإيمان في باب: أحب الدين إلى الله أدومه ، وفي آخر كتاب الصلاة في باب: ما يكره من التشديد في العبادة ، و (حتى) بمعنى: حين. وقيل بمعنى: إذ. وقال الهروي : لا يمل أبدا مللتم أم لم تملوا. وقيل: سمي مللا على معنى الازدواج كقوله تعالى: فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه [البقرة: 194] فكأنه قال: لا يقطع عنكم فضله حتى تملوا سؤاله.

                                                                                                                                                                                                                              وقولها: ( وأحب الصلاة )، وفي لفظ: أحب الأعمال ما دووم عليه ، وفي رواية: ديم عليه ، كذا ضبطناه: دووم بواوين، وفي [ ص: 445 ] بعض النسخ بواو. والصواب الأول كما قال النووي . والديمة: المطر الدائم في سكون، شبهت عمله في دوامه مع الاقتصاد بديمة المطر، وأصله الواو فانقلبت بالكسرة قبلها.

                                                                                                                                                                                                                              فائدة:

                                                                                                                                                                                                                              فيه أيضا: الحث على المداومة على العمل، وأن قليله الدائم خير من كثير منقطع; لأن بدوام القليل تدوم الطاعة.

                                                                                                                                                                                                                              فائدة:

                                                                                                                                                                                                                              شعبان سمي بذلك كما قال ابن دريد : لتشعبهم فيه، أي: تفرقهم في طلب المياه. قال: والشعب الاجتماع والافتراق، وليس من الأضداد وإنما هو لغة القوم ، وقال ابن سيده : لتشعبهم في الغارات. وقيل; لأنه شعب، أي: ظهر بين رمضان ورجب ، وعن ثعلب فيما حكاه أبو عمر الزاهد: لتشعب القبائل، أي: تفرقها لقصد الملوك والتماس الغبطة.

                                                                                                                                                                                                                              فائدة:

                                                                                                                                                                                                                              لم يصح في الصلاة في النصف منه حديث، كما نبه عليه ابن في حية أنها موضوعة، وفي الترمذي منها حديث مقطوع . نعم، قيل: إنها [ ص: 446 ] الليلة المباركة في الآية، والأصح أنها ليلة القدر.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 447 ] وذكر الطرطوشي في "بدعه" عن أبي محمد المقدسي قال: لم يكن عندنا ببيت المقدس قط صلاة الرغائب هذه التي تصلى في رجب وشعبان، وأول ما حدثت عندنا في سنة ثمان وأربعين وأربعمائة، وقد [ ص: 448 ] بين ابن الصلاح أولا والشيخ عز الدين إنكار ذلك، وقد حكم بينهما أبو شامة . والوقود في تلك الليلة أوله زمن يحيى بن خالد بن برمك ; لأنهم كانوا مجوسا فأدخلوا في الدين ما يموهون به على الطغام ، وقد أبطلها الملك الكامل ولله الحمد.

                                                                                                                                                                                                                              أخرى: استدل به القاضي أبو محمد على أصحاب داود حين قالوا: لا يصح صوم يوم الشك ونحن نقول: يصح صومه على وجه .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية