الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            والمنفعة الثانية : قوله : ( وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس إن ربكم لرءوف رحيم ) وفيه مسألتان :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : الأثقال جمع ثقل وهو متاع المسافر لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس . قال ابن عباس : يريد من مكة إلى المدينة ، أو إلى اليمن ، أو إلى الشام ، أو إلى مصر . قال الواحدي : هذا قوله والمراد كل بلد لو تكلفتم بلوغه على غير إبل لشق عليكم وخص ابن عباس هذه البلاد ، لأن متاجر أهل مكة كانت إلى هذه البلاد ، وقرئ : " بشق الأنفس " بكسر الشين وفتحها ، وأكثر القراء على كسر الشين . والشق المشقة والشق نصف الشيء ، وحمل اللفظ ههنا على كلا المعنيين جائز ، فإن حملناه على المشقة كان المعنى : لم يكونوا بالغيه إلا بالمشقة ، وإن حملناه على نصف الشيء كان المعنى : لم يكونوا بالغيه إلا عند ذهاب النصف من قوتكم أو من بدنكم ويرجع عند التحقيق إلى المشقة ، ومن الناس من قال : المراد من قوله : ( والأنعام خلقها ) الإبل فقط بدليل أنه وصفها في آخر الآية بقوله : ( وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه ) وهذا الوصف لا يليق إلا بالإبل .

                                                                                                                                                                                                                                            قلنا : المقصود من هذه الآيات تعديد منافع الأنعام فبعض تلك المنافع حاصلة في الكل ، وبعضها مختص بالبعض ، والدليل عليه أن قوله : ( ولكم فيها جمال ) حاصل في البقر والغنم مثل حصوله في الإبل . والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : احتج منكرو كرامات الأولياء بهذه الآية فقالوا : هذه الآية تدل على أن الإنسان لا [ ص: 183 ] يمكنه الانتقال من بلد إلى بلد إلا بشق الأنفس ; وحمل الأثقال على الجمال ، ومثبتو الكرامات يقولون : إن الأولياء قد ينتقلون من بلد إلى بلد آخر بعيد في ليلة واحدة من غير تعب وتحمل مشقة ، فكان ذلك على خلاف هذه الآية فيكون باطلا ، ولما بطل القول بالكرامات في هذه الصورة بطل القول بها في سائر الصور ; لأنه لا قائل بالفرق .

                                                                                                                                                                                                                                            وجوابه : أنا نخصص عموم هذه الآية بالأدلة الدالة على وقوع الكرامات . والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية