الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            القيد السادس : قوله تعالى : ( والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم ) فيدخل فيه الصبر على فعل العبادات والصبر على ثقل الأمراض والمضار والغموم والأحزان ، والصبر على ترك المشتهيات وبالجملة الصبر على ترك المعاصي وعلى أداء الطاعات ، ثم إن الإنسان قد يقدم على الصبر لوجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدها : أن يصبر ليقال ما أكمل صبره وأشد قوته على تحمل النوازل.

                                                                                                                                                                                                                                            وثانيها : أن يصبر لئلا يعاب بسبب الجزع.

                                                                                                                                                                                                                                            وثالثها : أن يصبر لئلا تحصل شماتة الأعداء.

                                                                                                                                                                                                                                            ورابعها : أن يصبر لعلمه بأن لا فائدة في الجزع ، فالإنسان إذا أتى بالصبر لأحد هذه الوجوه لم يكن ذلك داخلا في كمال النفس وسعادة القلب ، أما إذا صبر على البلاء لعلمه بأن ذلك البلاء قسمة حكم بها القسام العلام المنزه عن العيب والباطل والسفه ، بل لا بد أن تكون تلك القسمة مشتملة على حكمة بالغة ومصلحة راجحة ، ورضي بذلك لأنه تصرف المالك في ملكه ولا اعتراض على المالك في أن يتصرف في ملكه , أو يصبر لأنه صار مستغرقا في مشاهدة المبلي ، فكان استغراقه في تجلي نور المبلي أذهله عن التألم بالبلاء ، وهذا أعلى مقامات الصديقين ، فهذه الوجوه الثلاثة هي التي يصدق عليها أنه صبر ابتغاء وجه ربه ، ومعناه أنه صبر لمجرد ثوابه وطلب رضا الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                            واعلم أن قوله : ( ابتغاء وجه ربهم ) فيه دقيقة ، وهي أن العاشق إذا ضربه معشوقه ، فربما نظر العاشق لذلك الضارب وفرح به ، فقوله : ( ابتغاء وجه ربهم ) محمول على هذا المجاز ، يعني كما أن العاشق يرضى بذلك الضرب لالتذاذه بالنظر إلى وجه معشوقه ، فكذلك العبد يصبر على البلاء والمحنة ، ويرضى به [ ص: 35 ] لاستغراقه في معرفة نور الحق وهذه دقيقة لطيفة.

                                                                                                                                                                                                                                            القيد السابع : قوله : ( وأقاموا الصلاة ) .

                                                                                                                                                                                                                                            واعلم أن الصلاة والزكاة ، وإن كانتا داخلتين في الجملة الأولى ، إلا أنه تعالى أفردها بالذكر تنبيها على كونها أشرف من سائر العبادات ، وقد سبق في هذا الكتاب تفسير إقامة الصلاة ، ولا يمتنع إدخال النوافل فيه أيضا.

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية