الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( الفصل الثالث ) إن أداء القيمة مكان المنصوص عليه في الزكاة والصدقات والعشور والكفارات جائز عندنا خلافا للشافعي رحمه الله تعالى فظن بعض أصحابنا أن القيمة بدل عن الواجب حتى لقبوا هذه المسألة بالإبدال ، وليس كذلك ، فإن المصير إلى البدل لا يجوز إلا عند عدم الأصل ، وأداء القيمة مع قيام عين المنصوص عليه في ملكه جائز عندنا ( حجته ) في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم { في أربعين شاة شاة } ، وهذا بيان لما هو مجمل في كتاب الله تعالى ; لأن الإيتاء منصوص عليه والمؤتى غير مذكور فالتحق بيانه بمجمل الكتاب فصار كأن الله تعالى قال وآتوا الزكاة من كل أربعين شاة شاة فتكون الشاة حقا للفقير بهذا النص فلا يجوز الاشتغال بالتعليل لإبطال حقه من العين . والمعنى فيه أن هذا حق مالي مقدر بأسنان معلومة شرعا فلا يتأدى بالقيمة كالهدايا والضحايا أو يقال قربة تعلقت بمحل عين فلا يتأدى بغيره كالسجود لما تعلق بالجبهة والأنف لم يتأد بالخد والذقن ، وجواز أداء البعير عن خمس من الإبل عندي باعتبار النص لا باعتبار القيمة ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال { خذ من الإبل الإبل } إلا أنه عند قلة الإبل أوجب من خلاف الجنس للتيسير على أرباب الأموال ، فإذا سمحت نفسه بأداء البعير فقد ترك هذا التيسير فجاز باعتبار النص لا باعتبار القيمة .

( ولنا ) قوله تعالى { خذ من أموالهم صدقة } فهو تنصيص على أن المأخوذ مال ، وبيان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ذكر للتيسير على أرباب المواشي لا لتقييد الواجب به ، فإن أرباب المواشي تعز فيهم النقود والأداء مما عندهم أيسر عليهم ، ألا ترى أنه قال { في خمس من الإبل شاة } ، وكلمة " في " حقيقة للظرف وعين الشاة لا توجد في الإبل فعرفنا أن المراد قدرها [ ص: 157 ] من المال { ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في إبل الصدقة ناقة كوماء فغضب على المصدق ، وقال : ألم أنهكم عن أخذ كرائم أموال الناس ، فقال الساعي أخذتها ببعيرين من إبل الصدقة } . وفي رواية قال { ارتجعتها ببعيرين فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذ البعير ببعيرين } إنما يكون باعتبار القيمة ، وقال معاذ رضي الله عنه في خطبته باليمن ائتوني بخميس آخذ منكم مكان الصدقة أو قال مكان الذرة والشعير ، وذلك لا يكون إلا باعتبار القيمة ، والمعنى فيه أنه ملك الفقير مالا متقوما بنية الزكاة فيجوز كما لو أدى بعيرا عن خمس من الإبل ، وهذا لأن المقصود إغناء الفقير كما قال النبي صلى الله عليه وسلم { اغنوهم عن المسألة } في مثل هذا اليوم ، والإغناء يحصل بأداء القيمة كما يحصل بأداء الشاة وربما يكون سد الخلة بأداء القيمة أظهر ولا نقول بأن الواجب حق الفقير . ولكن الواجب حق الله تعالى خالصا ولكنه مصروف إلى الفقير ليكون كفاية له من الله تعالى عما وعد له من الرزق فكان المعتبر في حق الفقير أنه محل صالح لكفايته له فكان هذا نظير الجزية ، فإنها وجبت لكفاية المقاتلة فكان المعتبر في حقهم أنه محل صالح لكفايتهم حتى تتأدى بالقيمة بخلاف الهدايا والضحايا ، فإن المستحق فيها إراقة الدم حتى لو هلك بعد الذبح قبل التصدق به لم يلزمه شيء ، وإراقة الدم ليس بمتقوم ولا معقول المعنى ، والسجود على الخد والذقن ليس بقربة أصلا حتى لا يتنفل به ولا يصار إليه عند العجز وما ليس بقربة لا يقام مقام القربة ، فأما التصدق بالقيمة فقربة وفيه سد خلة الفقير فيحصل به ما هو المقصود .

التالي السابق


الخدمات العلمية