الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وللضرورة ما يسد ، [ ص: 456 - 457 ] غير آدمي وخمر ، إلا لغصة .

التالي السابق


( و ) المباح أي المأذون فيه فلا ينافي أنه واجب ( للضرورة ) أي خوف هلاك النفس علما أو ظنا ( ما ) أي كل شيء ( يسد ) أي يحفظ الحياة ولا يشترط وصوله إلى حال يشرف معه على الموت ، فإن الأكل فيه لا يفيد ومقتضى قوله يسد أنه لا يجوز له الشبع ، وهي رواية عبد الوهاب عن مالك رضي الله تعالى عنه ، وعزاه ابن زرقون لابن الماجشون وابن حبيب ، ونقله ابن ناجي عن ابن المواز والمعتمد جواز الشبع والتزود إلى أن يجد غيرها ونص الموطإ قال مالك رضي الله تعالى عنه من أحسن ما سمعت في الرجل يضطر إلى الميتة أنه يأكل منها حتى يشبع ويتزود منها ، فإن وجد عنها غنى طرحها . وفي الرسالة ولا بأس للمضطر أن يأكل الميتة ويشبع ويتزود ، فإن استغنى عنها طرحها .

وأجيب بحمل يسد على سد الجوع لا الرمق ، وأورد لميه أنه يبقى عليه تمام القول الراجح وهو التزود وإن تزود من خنزير لعدم غيره ثم وجد ميتة تقدم عليه عند اجتماعهما طرحه وأخذها ، وتناول كلامه المتلبس بمعصية وهو مختار ابن يونس والقرافي وابن زرقون وابن جزي . ابن زرقون ووجهه قوله تعالى { ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما } والفرق بينه وبين القصر والفطر أن منعه يفضي إلى القتل وهو ليس عقوبة جنايته بخلافهما ، لكن فيه أن المتلبس بمعصية المحاربة عقوبته القتل إلا أن يراد القتل على هذا الوجه أي بالجوع ومقابله لابن حبيب محتجا بقوله تعالى { فمن اضطر [ ص: 456 ] غير باغ ولا عاد } الآية ، قال وله سبيل إلى أن لا يقتل نفسه وذلك بأن يتوب ثم يتناول لحم الميتة بعد توبته ، وهذا ظاهر القرآن { غير باغ ولا عاد } غير { متجانف لإثم } وللمشهور أن يقول غير باغ إلخ أي في نفس الضرورة بأن يتجانف ويميل في الباطن لشهوته ويتمسك في الظاهر بالضرورة ، فكأنه قيل اضطرارا صادقا كما قالوا كل رخصة لا تختص بالسفر يفعلها المسافر ولو عاصيا بسفره ، وكل رخصة تختص بالسفر لا يفعلها من عصى بسفره وسر ذلك أن المعدوم شرعا كالمعدوم حسا ، فإذا عصى بسفره كان السفر كالعدم فلا مبيح .

أما إذا كان المبيح غير السفر كالضرورة بحضر أو سفر فالعصيان في السفر خارج عن المعنى المبيح وكذا كل معصية في غير الضرورة خارجة عن السبب المبيح ، فإن عصى في نفس السبب المبيح كأن كذب في الضرورة وبغى وتعدى فيها وتجانف للإثم كانت كالعدم وأضر ، لكن ربما أيد هذا الاقتصار على سد الرمق ، وما ذكره من الإباحة عليه الأكثر ، وقيل يحرم ولكن لا إثم عليه ا هـ تت .

المشذالي أكل المضطر الميتة هل هو من باب الإباحة أو من باب المعفو عنه ، ولعل فائدة ذلك أنها على الثاني باقية على النجاسة ، وإنما عفي عنها للأكل فيغسل فمه ويده للصلاة ، وعلى الأول لا يغسل ; لأنها صارت من مفردات قوله المباح طعام طاهر . البساطي اختلف في تناول المضطر الميتة هل هو مباح أو لا والأول قول جمهور العلماء وهو ظاهر الآية والأحاديث ، والثاني هو التحقيق ; لأن النجاسة صفة ذاتية للميتة فلا تنفك عنها وهي لا تنفك عن التحريم ، لكن هذا التحريم لا إثم فيه لإحياء النفس به ا هـ عب وطفي وبن ، لكن فيه أنه لا تلازم بين الإباحة والطهارة ولا بين المنع والنجاسة ، بل المقرر أن بين المباح والطاهر العموم الوجهي فينفرد المباح عن الطاهر في نجس الميتة لمضطر فهي له مباحة مع نجاستها ، وقوله المباح طعام طاهر في حال الاختيار فما ذكر من أنها صارت من مفردات قوله المباح إلخ ممنوع وكذا بين النجس والمحرم العموم الوجهي فينفرد النجس عن المحرم ويكون مباحا في الميتة للمضطر فما ذكر من وهي لا تنفك عن التحريم ممنوع . [ ص: 457 ] الأمير قول المشذالي أو من باب المعفو عنه مقتضاه أنه ليس مباحا على هذا ، ولعل مراده كالإباحة الأصلية وإلا نافى ما يقررونه من العموم الوجهي بين مباح وطاهر ونجس وممنوع ، ومحصل التنظير هل الترخيص يتعدى الأكل أم لا والأنسب بجواز الشبع والتزود والتعدي ا هـ . وتدبره مع تصريح تت والبساطي بالتحريم على القول الثاني ، وقد نص القرافي في فروقه على أنه إن لم يغسل بطلت صلاته ونقله ابن فرحون في ألغازه ، وإذا أبيحت له للضرورة ساغ له الأكل بعد ذلك منها وإن لم يضطر حتى يجد غيرها مما يحل له ولو محرما على غيره حال كون ما يسد .

( غير ) ميتة ( آدمي ) مسلم أو كافر هذا هو المشهور الذي صدر به في الجنائز ثم ذكر مقابله ونصه والنص عدم جواز أكله لمضطر ، وصحح أكله وهل حرمته تعبدية وهو المشهور أو معللة بإيذائه لما قيل : إنه إذا جاف صار سما ( و ) غير ( خمر ) في العتبية سئل مالك رضي الله تعالى عنه عن الخمر إذا اضطر إليها أيشربها قال لا ولن تزيده إلا شرا . ابن رشد تعليل مالك رضي الله تعالى عنه بأنها لا تزيده إلا شرا يدل على أنه لو كان له في شربها منفعة لجاز له أن يشربها وإنه لا فرق عنده بين الميتة والخمر في إباحتها للمضطر ( إلا لغصة ) بطعام أو غيره فيجوز إزالتها بالخمر عند عدم ما يسيغها به غيرها بفتح الغين المعجمة أو ضمها ، ويصدق في أنه شربها لغصة إن كان مأمونا وأولى مع قرينة صدقه .




الخدمات العلمية