الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                  صفحة جزء
                                                  4063 ـ حدثنا علي بن سعيد الرازي قال : حدثنا إسحاق بن موسى الأنصاري قال : حدثنا سعيد بن خثيم قال : حدثنا ابن شبرمة قال : حدثنا أبو الخليل ، عن أبي الصايفة ، عن جندب [ ص: 38 ] قال : لما فارقت الخوارج عليا ، خرج في طلبهم ، وخرجنا معه ، فانتهينا إلى عسكر القوم ، فإذا لهم دوي كدوي النحل من قراءة القرآن ، وفيهم أصحاب الثفنات ، وأصحاب البرانس ، فلما رأيتهم دخلني من ذلك شك ، فتنحيت فركزت رمحي ، ونزلت عن فرسي ، ووضعت ترسي ، فنثرت عليه درعي ، وأخذت بمقود فرسي ، فقمت أصلي إلى رمحي ، وأنا أقول في صلاتي : اللهم إن كان قتال هؤلاء القوم لك طاعة فائذن فيه ، وإن كان معصية فأرني براءتك قال : فأنا كذلك ، إذ أقبل علي على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما حاذاني قال : تعوذ بالله يا جندب من الشك ، فجئت أسعى إليه ، ونزل فقام يصلي ، إذ أقبل رجل على برذون يقرب به ، فقال : يا أمير المؤمنين قال : " ما تشاء ؟ " قال : ألك حاجة في القوم ؟ قال : " وما ذاك ؟ " قال : قد قطعوا النهر ، فذهبوا قال : " ما قطعوه ؟ " قلت : سبحان الله ، ثم جاء آخر أرفع منه في الجري ، فقال : يا أمير المؤمنين قال : " ما تشاء ؟ " قال : ألك حاجة في القوم ؟ قال : " وما ذاك ؟ " قال : قد قطعوا النهر ، فذهبوا قلت : الله أكبر ، فقال علي : " ما قطعوه " ثم جاء آخر يستحضر بفرسه ، فقال : يا أمير المؤمنين قال : " ما تشاء ؟ " قال : " ألك حاجة في القوم ؟ " قال : " وما ذاك ؟ " قال : قد قطعوا النهر ، فقال علي : " ما قطعوه ، ولا يقطعوه ، وليقتلن دونه ، [ ص: 39 ] عهد من الله ورسوله " قلت : الله أكبر ، ثم قمت ، فأمسكت له بالركاب ، فركب فرسه ، ثم رجعت إلى درعي ، فلبستها وإلى فرسي ، فعلوته ، ثم وضعت رجلي في الركاب ، وخرجت أسايره ، فقال لي : " يا جندب " قلت : لبيك يا أمير المؤمنين قال : " أما أنا فأبعث إليهم رجلا يقرأ المصحف ، يدعو إلى كتاب ربهم ، وسنة نبيهم ، فلا يقبل علينا بوجهه حتى يرشقوه بالنبل ، يا جندب ، أما إنه لا يقتل منا عشرة ، ولا ينجو منهم عشرة " فانتهينا إلى القوم ، وهم في معسكرهم الذي كانوا فيه لم يبرحوا ، فنادى علي في أصحابه فصفهم ، ثم أتى الصف من رأسه ذا إلى رأسه ذا مرتين ، وهو يقول : " من يأخذ هذا المصحف ، فيمشي به إلى هؤلاء ، فيدعوهم إلى كتاب ربهم ، وسنة نبيهم ، وهو مقتول ، وله الجنة ؟ " فلم يجبه إلا شاب من بني عامر بن صعصعة ، فلما رأى علي حداثة سنه ، قال له : " ارجع إلى موقفك " ، ثم نادى الثانية ، فلم يخرج إليه إلا ذلك الشاب ثم نادي الثالثة ، فلم يخرج إليه إلا ذلك الشاب ، فقال له علي : " خذ فأخذ المصحف " ، فقال : " أما إنك مقتول ، ولست تقبل علينا بوجهك حتى يرشقوك بالنبل " ، فخرج الشاب يمشي بالمصحف إلى القوم ، فلما دنا منهم حيث سمعوا ، قاموا ، ونشبوا القتال قبل أن يرجع قال : فرماه إنسان بالنبل ، فأقبل علينا بوجهه ، فقعد ، فقال علي : " دونكم القوم " قال جندب : " فقتلت بكفي هذه بعد ما دخلني ما كان دخلني ثمانية ، قبل أن أصلي الظهر ، وما قتل منا عشرة ولا نجا منهم عشرة كما قال " .

                                                  [ ص: 40 ] لم يرو هذا الحديث عن ابن شبرمة إلا سعيد بن خثيم ، تفرد به : إسحاق بن موسى الأنصاري " .

                                                  التالي السابق


                                                  الخدمات العلمية