الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : المحلوف به والحلف إما أن يكون بالله أو بغيره، فإن كان بالله كان موليا ، ثم إن جامعها في مدة الإيلاء خرج عن الإيلاء، وهل تجب كفارة اليمين ؟ فيه قولان، الجديد وهو الأصح، وقول أبي حنيفة رضي الله عنه أنه تجب كفارة اليمين، والقديم أنه إذا فاء بعد مضي المدة أو في خلال المدة فلا كفارة عليه. (حجة القول : والله لا أقربك ثم يقربها، وبين أن يقول : والله لا أكلمك ثم يكلمها) ، وحجة القول القديم قوله تعالى : ( فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم ) والاستدلال به من وجهين :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدهما : أن الكفارة لو كانت واجبة لذكرها الله هاهنا؛ لأن الحاجة هاهنا داعية إلى معرفتها، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني : أنه تعالى كما لم يذكر وجوب الكفارة نبه على سقوطها بقوله : ( فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم ) والغفران يوجب ترك المؤاخذة . وللأولين أن يجيبوا فيقولوا : إنما ترك الكفارة هاهنا لأنه تعالى بينها في القرآن وعلى لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سائر المواضع.

                                                                                                                                                                                                                                            أما قوله : ( غفور رحيم ) فهو يدل على عدم العقاب، لكن عدم العقاب لا ينافي وجوب الفعل، كما أن التائب عن الزنا والقتل لا عقاب عليه، ومع ذلك يجب عليه الحد والقصاص، وأما إن كان الحلف في الإيلاء بغير الله كما إذا قال : إن وطئتك فعبدي حر، أو أنت طالق، أو ضرتك طالق، أو ألزم أمرا في الذمة، فقال : إن وطئتك فلله علي عتق رقبة، أو صدقة، أو صوم، أو حج، أو صلاة، فهل يكون موليا ؟ للشافعي رضي الله عنه فيه قولان : قال في القديم : لا يكون موليا، وبه قال أحمد في ظاهر الرواية . دليله أن الإيلاء معهود في الجاهلية، ثم قد ثبت أن معهود الجاهلية في هذا الباب هو الحلف بالله، وأيضا روي أنه صلى الله عليه وسلم قال : من حلف فليحلف بالله، فمطلق الحلف يفهم منه الحلف بالله، وقال في الجديد، وهو قول أبي حنيفة ومالك وجماعة العلماء رحمهم الله : إنه يكون موليا ؛ لأن لفظ الإيلاء يتناول الكل، وعلق القولين ، فيمينه منعقدة ، فإن كان قد علق به عتقا أو طلاقا، فإذا وطئها يقع ذلك المتعلق، وإن كان المعلق به التزام قربة في الذمة فعليه ما في نذر اللجاج. وفيه أقوال :

                                                                                                                                                                                                                                            أصحها : أن عليه كفارة اليمين .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني : عليه الوفاء بما سمى .

                                                                                                                                                                                                                                            والثالث : أنه يتخير بين [ ص: 72 ] كفارة اليمين وبين الوفاء بما سمى، وفائدة هذين القولين أنا إن قلنا : إنه يكون موليا فبعد مضي أربعة أشهر يضيق الأمر عليه حتى يفيء أو يطلق ، وإن قلنا : لا يكون موليا لا يضيق عليه الأمر.

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية