قال : " اختلف الفقهاء في هذا الباب على قولين أحدهما أن اختلاف العلماء من الصحابة ومن بعدهم من الأئمة ، رحمهم الله ، رحمة واسعة وجائز لمن نظر في اختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأخذ بقول من شاء منهم ، كذلك الناظر في أقاويل غيرهم من الأئمة ما لم يعلم أنه خطأ فإذا بان له أنه خطأ لخلافه نص الكتاب أو نص السنة أو إجماع العلماء لم يسعه اتباعه ، فإن لم يبن له من هذه الوجوه جاز له استعمال قوله ، وإن لم يعلم صوابه من خطئه وصار في حيز العامة التي يجوز لها أن تقلد العالم إذا سألته عن شيء وإن لم تعلم وجهه ، هذا قول يروى معناه عن أبو عمر رضي الله عنه عمر بن عبد العزيز والقاسم بن محمد ، وعن إن صح عنه وقال به قوم ومن حجتهم على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : سفيان الثوري
1684 - ، وهذا مذهب ضعيف عند جماعة من أهل العلم وقد رفضه أكثر الفقهاء وأهل النظر ونحن نبين الحجة عليهم في هذا الباب إن شاء الله تعالى على ما شرطناه من التقريب . [ ص: 899 ] " أصحابي كالنجوم فبأيهم اقتديتم اهتديتم "
والاختصار ولا قوة إلا بالله العلي العظيم على أن جماعة من أهل الحديث متقدمين ومتأخرين يميلون إليه .
1685 - وقد نظم ذلك في شعر أنشدناه أبو مزاحم الخاقاني عبد الله بن محمد بن يوسف قال : أنشدنا قال : أنشدنا يحيى بن مالك الدعلجي قال : أنشدنا أبو مزاحم موسى بن عبيد الله بن يحيى بن خاقان ، لنفسه :
أعوذ بعزة الله السلام وقدرته من البدع العظام أبين مذهبي فيمن أراه
إماما في الحلال وفي الحرام كما بينت في القراء قولي
فلاح القول معتليا أمامي فلا أعدو ذوي الآثار منهم
فهم قصدي وهم نور التمام أقول الآن في الفقهاء قولا
على الإنصاف جد به اهتمامي أرى بعد الصحابة تابعيهم
لذي فتياهم بهم ائتمامي علمت إذا اعتزمت على اقتدائي
بهم أني مصيب في اعتزامي وبعد التابعين أئمة لي
سأذكر بعضهم عند انتظام فسفيان العراق ومالك في
احتجازهم وأوزاعي شامي ألا قدوة لي وابن المبارك
نعم أخو الكرام وسام بذكرى والشافعي النعمان فيهم
فنعم فتى به سامي المسامي [ ص: 900 ] وممن ارتضي فأبو عبيد
وأرضى بابن حنبل الإمام فآخذ من مقالهم اختياري
وما أنا بالمباهي والمسام وأخذي باختلافهم مباح
لتوسيع الإله على الأنام ولست مخالفا إن صح لي عن
رسول الله قولا بالكلام إذا خالفت قول رسول ربي
خشيت عقاب رب ذي انتقام وما قال الرسول فلا خلاف
له يا رب أبلغه سلامي
قال : " قد يحتمل قوله : فآخذ من مقالهم اختياري وجهين أحدهما أن يكون مذهبه في ذلك كمذهب أبو عمر ومن تابعه من العلماء أن القاسم بن محمد ، والوجه الآخر أن يكون أراد آخذ من مقالهم اختياري أي أصير من مقالهم إلى ما قام عليه الدليل فإذا بان لي صحته اخترته وهذا أولى من أن يضاف إلى أحد الأخذ بما أراده في دين الله تعالى بغير برهان ونحن نبين هذا إن شاء الله تعالى " . الاختلاف سعة ورحمة