الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

وقد روى مسلم في " صحيحه " : من حديث جابر بن عبد الله قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( غطوا الإناء ، وأوكوا السقاء ، فإن في السنة ليلة ينزل فيها وباء لا يمر بإناء ليس عليه غطاء ، أو سقاء ليس عليه وكاء إلا وقع فيه من ذلك الداء ) . وهذا مما لا تناله علوم الأطباء ومعارفهم ، وقد عرفه من عرفه عقلاء الناس بالتجربة . قال الليث بن سعد أحد رواة الحديث : الأعاجم عندنا يتقون تلك الليلة في السنة في كانون الأول منها .

وصح عنه أنه ( أمر بتخمير الإناء ولو أن يعرض عليه عودا ) . وفي عرض [ ص: 214 ] العود عليه من الحكمة ، أنه لا ينسى تخميره ، بل يعتاده حتى بالعود ، وفيه : أنه ربما أراد الدبيب أن يسقط فيه فيمر على العود ، فيكون العود جسرا له يمنعه من السقوط فيه .

وصح عنه : أنه أمر عند إيكاء الإناء بذكر اسم الله ، فإن ذكر اسم الله عند تخمير الإناء يطرد عنه الشيطان ، وإيكاؤه يطرد عنه الهوام ، ولذلك أمر بذكر اسم الله في هذين الموضعين لهذين المعنيين .

وروى البخاري في " صحيحه " من حديث ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( نهى عن الشرب من في السقاء ) .

وفي هذا آداب عديدة ، منها : أن تردد أنفاس الشارب فيه يكسبه زهومة ورائحة كريهة يعاف لأجلها .

ومنها : أنه ربما غلب الداخل إلى جوفه من الماء ، فتضرر به .

ومنها : أنه ربما كان فيه حيوان لا يشعر به ، فيؤذيه .

ومنها : أن الماء ربما كان فيه قذاة أو غيرها لا يراها عند الشرب ، فتلج جوفه .

ومنها : أن الشرب كذلك يملأ البطن من الهواء ، فيضيق عن أخذ حظه من الماء ، أو يزاحمه ، أو يؤذيه ، ولغير ذلك من الحكم .

فإن قيل : فما تصنعون بما في " جامع الترمذي " : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعا بإداوة يوم أحد ، فقال : ( اخنث فم الإداوة ) ، ثم شرب منها من فيها ؟ قلنا : [ ص: 215 ] نكتفي فيه بقول الترمذي : هذا حديث ليس إسناده بصحيح ، وعبد الله بن عمر العمري يضعف من قبل حفظه ، ولا أدري سمع من عيسى أو لا ، انتهى . يريد عيسى بن عبد الله الذي رواه عنه ، عن رجل من الأنصار .

التالي السابق


الخدمات العلمية