الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قسط وكست : بمعنى واحد . وفي " الصحيحين " : من حديث أنس رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( خير ما تداويتم به الحجامة والقسط [ ص: 324 ] البحري ) .

وفي " المسند " : من حديث أم قيس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ( عليكم بهذا العود الهندي ، فإن فيه سبعة أشفية منها ذات الجنب ) .

القسط : نوعان أحدهما : الأبيض الذي يقال له : البحري . والآخر الهندي ، وهو أشدهما حرا ، والأبيض ألينهما ، ومنافعهما كثيرة جدا .

وهما حاران يابسان في الثالثة ، ينشفان البلغم ، قاطعان للزكام ، وإذا شربا نفعا من ضعف الكبد والمعدة ومن بردهما ، ومن حمى الدور والربع ، وقطعا وجع الجنب ، ونفعا من السموم ، وإذا طلي به الوجه معجونا بالماء والعسل ، قلع الكلف ، وقال جالينوس : ينفع من الكزاز ، ووجع الجنبين ، ويقتل حب القرع .

وقد خفي على جهال الأطباء نفعه من وجع ذات الجنب ، فأنكروه ولو ظفر هذا الجاهل بهذا النقل عن جالينوس لنزوله منزلة النص ، كيف وقد نص كثير من الأطباء المتقدمين على أن القسط يصلح للنوع البلغمي من ذات الجنب ، ذكره الخطابي عن محمد بن الجهم .

وقد تقدم أن طب الأطباء بالنسبة إلى طب الأنبياء أقل من نسبة طب الطرقية والعجائز إلى طب الأطباء ، وأن بين ما يلقى بالوحي ، وبين ما يلقى بالتجربة والقياس من الفرق أعظم مما بين القدم والفرق .

ولو أن هؤلاء الجهال وجدوا دواء منصوصا عن بعض اليهود والنصارى والمشركين من الأطباء ، لتلقوه بالقبول والتسليم ، ولم يتوقفوا على تجربته .

نعم نحن لا ننكر أن للعادة تأثيرا في الانتفاع بالدواء وعدمه ، فمن اعتاد [ ص: 325 ] دواء وغذاء ، كان أنفع له ، وأوفق ممن لم يعتده ، بل ربما لم ينتفع به من لم يعتده .

وكلام فضلاء الأطباء وإن كان مطلقا ، فهو بحسب الأمزجة والأزمنة ، والأماكن والعوائد ، وإذا كان التقييد بذلك لا يقدح في كلامهم ومعارفهم ، فكيف يقدح في كلام الصادق المصدوق ، ولكن نفوس البشر مركبة على الجهل والظلم ، إلا من أيده الله بروح الإيمان ، ونور بصيرته بنور الهدى .

التالي السابق


الخدمات العلمية