الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              المسألة الرابعة : هذه الآية هي الأصل في قتال المسلمين ، والعمدة في حرب المتأولين ، وعليها عول الصحابة ، وإليها لجأ الأعيان من أهل الملة ، وإياها عنى النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : { يقتل عمارا الفئة الباغية } وقوله في شأن الخوارج : { يخرجون على خير فرقة من الناس } [ ص: 126 ] أو على حين فرقة ، والرواية الأولى أصح لقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق ، وكان الذي قتلهم علي بن أبي طالب [ ومن كان معه ] فتقرر عند علماء المسلمين ، وثبت بدليل الدين أن عليا رضي الله عنه كان إماما ، وأن كل من خرج عليه باغ ، وأن قتاله واجب حتى يفيء إلى الحق ، وينقاد إلى الصلح ; لأن عثمان رضي الله عنه قتل ، والصحابة برآء من دمه ; لأنه منع من قتال من ثار عليه ، وقال : لا أكون أول من خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمته بالقتل ; فصبر على البلاء ، واستسلم للمحنة ، وفدى بنفسه الأمة ، ثم لم يمكن ترك الناس سدى ، فعرضت الإمامة على باقي الصحابة الذين ذكرهم عمر في الشورى ، وتدافعوها ، وكان علي أحق بها وأهلها ، فقبلها حوطة على الأمة أن تسفك دماؤها بالتهارج والباطل ، ويتخرق أمرها إلى ما لا يتحصل ، وربما تغير الدين ، وانقض عمود الإسلام ; فلما بويع له طلب أهل الشام في شرط البيعة التمكين من قتلة عثمان وأخذ القود منهم ، فقال لهم علي : ادخلوا في البيعة ، واطلبوا الحق تصلوا إليه فقالوا : لا تستحق بيعة وقتلة عثمان معك نراهم صباحا ومساء ، فكان علي في ذلك أسد رأيا ، وأصوب قولا ; لأن عليا لو تعاطى القود منهم لتعصبت لهم قبائل ، وصارت حربا ثالثة فانتظر بهم أن يستوثق الأمر ، وتنعقد البيعة العامة ، ويقع الطلب من الأولياء في مجلس الحكم ، فيجري القضاء بالحق .

                                                                                                                                                                                                              ولا خلاف بين الأمة أنه يجوز للإمام تأخير القصاص إذا أدى ذلك إلى إثارة الفتنة أو تشتيت الكلمة ، وكذلك جرى لطلحة والزبير ; فإنهما ما خلعا عليا عن ولاية ، ولا اعترضا عليه في ديانة ، وإنما رأيا أن البداءة بقتل أصحاب عثمان أولى ، فبقي هو على رأيه لم يزعزعه عما رأى وهو كان الصواب كلامهما ، ولا أن يؤثر فيه قولهما . وكذلك كان كل واحد منها يثني على صاحبه [ ويذكر ما فيه ] ويشهد له بالجنة ، ويذكر مناقبه ; ولو كان الأمر على خلاف هذا لتبرأ كل واحد [ منهما ] من صاحبه ، فلم يكن تقاتل [ ص: 127 ] القوم على دنيا ، ولا بغيا بينهم في العقائد ، وإنما كان اختلافا في اجتهاد ; فلذلك كان جميعهم في الجنة .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية