الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أستطيع نسيان الفتاة التي رفضت خطبتي لها؟

السؤال

لقد تاب الله علي منذ أسبوعين، وأعادني للصلاة، ومنذ ذلك الحين وجدت نفسي أصلي استخارة بشأن الزواج بفتاة، قد انقطع بيني وبينها الاتصال لسنين بسبب مشاكل.

أثناء الصلاة شعرت أني أقف بين يدي الله، وأني أسلم على الرسول صلى الله عليه وسلم أثناء التشهد، وأوحى الله لي بأن أبحث في صور هاتفي في مجلد معين، ووجدت فيه رقم هذه الفتاة.

توكلت على الله وتواصلت معها، وأخبرتها بالأمر ولكنها رفضت الأمر، أعدت صلاة الاستخارة 4 مرات، على مدار 3 أيام، وفي كل مرة أشعر بانجذاب أكثر لها، وتكثر في عقلي طرق للوصول لها، ولأهلها.

صرت أفكر فيها في كل شيء حتى في الصلاة، وصار عندي اقتناع أن الله سيستجيب لدعائي، واقتناع أن الله يريد أن يختبر مدى رغبتي في هذا الزواج، ونتيجة لذلك اقتربت أكثر إلى الله، وانضبطت في الصلاة في المسجد، وأداء كل ما تيسر من السنن الصغيرة والكبيرة.

صرت مجنوناً بها لدرجة أني بحثت عن سبب ذلك في الإسلام، وبحثت كل طرق علاج هذا الجنون من تذكر لمساوئ الفتاة، واليأس، وكل ذلك لدرجة أن صدري يتشبع بالحزن، ويتشبع في نفس الوقت باليقين التام أن الله سيستجيب لدعائي في كل صلاة، وسيجمعني بها في الحلال، رغم أني قضيت سنتين بعد انفصالي عنها، لا أفكر فيها أبداً، وجنوني دفعني لمعاهدة الله أن لا أطلب غيرها في الحياة، وبأني لا أريد سواها، ولا أريد الحور العين إن رزقني الله الجنة بإذنه.

ماذا أفعل في أمري؟ هل حزني هذا يجعلني آثماً؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ مروان حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحباً بك -ولدنا الحبيب- في استشارات إسلام ويب.

أولاً: نهنئك بما من الله به عليك من المواظبة على الصلوات، والرجوع إلى ربك بالإكثار من الخيرات، والتقرب إليه بسائر الحسنات، ونسأل الله تعالى أن يزيدك هدى وصلاحاً.

ثانياً: نوصيك -أيها الحبيب- أن تجعل عبادتك وقربتك لله سبحانه وتعالى ابتغاء أجره وثوابه، لا لتحصيل امرأة معينة ونحو ذلك.

ثالثاً: نوصيك أيضاً -أيها الحبيب- أن تؤمن بأن الله قد قدر المقادير، وكتب الأرزاق قبل أن يخلق السماوات والأرض، فقد قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: (إن الله كتب مقادير كل شيء قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة).

أنت قد كتب الله ما ستلقاه قبل أن تخرج إلى هذه الدنيا، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة: (جف القلم بما أنت لاقٍ يا أبا هريرة).

كتب رزقك وأنت في اللحظات الأولى في بطن أمك، فكن على يقين من أن ما كتبه الله سبحانه وتعالى سيقع؛ فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأن كل شيء بقضاء الله وقدره، كما قال الله عز وجل: (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ* لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ۗ ).

إنما علينا أن نأخذ بالأسباب المشروعة المباحة للوصول إلى الأغراض المباحة، فهذا هو دور الإنسان، وينبغي أن يفوض الأمور كلها لله سبحانه وتعالى، ويرضى بما يقضيه الله ويقدره، ويبعثه على هذا الرضا والاطمئنان إلى قدر الله علمه بصفات الله تعالى، بأنه أرحم بالإنسان من نفسه، ومع هذه الرحمة الواسعة فهو سبحانه وتعالى أعلم بما يصلح للعبد، كما قال سبحانه: (وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون).

رابعاً: نصيحتنا لك -أيها الحبيب- أن تجاهد نفسك للتداوي من هذا التعلق بهذه الفتاة، وأن تأخذ بالأسباب التي تنجيك من داء العشق، فداء العشق داء خطير، إذا تمكن في القلب أدخل على الإنسان أنواعاً من الأحزان والحسرات، وربما يصل إلى المعشوق وربما لا يصل، كما قال الشاعر وهو يتكلم عن النظر في وجوه النساء الحسناوات:
وَكُنتَ مَتَى أَرْسَلتَ طَرفَكَ رَائِدًا.. لِقَلْبِكَ يَوْمًا أَتْعَبَتْكَ الْمَنَاظِر
رَأَيْتَ الذِي لَا كُلُّهُ أنتَ قَادِر.. عَلَيهِ وَلَا عَن بَعْضِهِ أَنتَ صَابِر

ينبغي للإنسان العاقل أن يحرص على راحة نفسه وسعادتها، وسعادتها ليست بالضرورة أن تكون مرتبطة بامرأة معينة، فربطك أنت بنفسك لهذه الفتاة هو في الحقيقة ظلم لنفسك وإتعاب لها، فربما قدر الله تعالى لك الزواج بها وربما لم يقدره سبحانه، وهو أعلم بمصلحتك، فما الفائدة إذاً من التعلق بها، وإحياء ذكراها في القلب؟!

نصيحتنا لك أن تتوجه توجهاً جاداً صادقاً في التخلص من هذا العشق، وأهم ما ينبغي أن تعتمده في علاجك لهذا العشق هو أن تذكر نفسك باليأس منها، فما دامت هي رافضة، وما دام الزواج بها أمامه عقبات كثيرة، فيغلب على الظن أنه لن يتحقق، فإذا أقنعت نفسك بهذه الفكرة فإن طبيعة النفس البشرية أنها إذا يئست من الشيء نسيته، وأكثر من دعاء الله سبحانه وتعالى أن يصرف قلبك ويوجهه نحو الخير ونحو المصلحة والمنفعة، وأن يصرف عنك كل سوء ومكروه، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقك لكل خير.

أما دعاؤك الله تعالى بأنك لا تريد من الحور العين بعد أن تدخل الجنة إذا دخلتها، فهذه صورة من صور الاعتداء في الدعاء، فلا ينبغي لك أن تدعو بها، أسأل الله سبحانه وتعالى أن يدخلك الجنة، ولا تستكثر على ربك شيئاً يفعله معك، فلا تشترط عليه أنني لا أريد كذا في مقابل كذا، اسأل الله خير الدنيا والآخرة، وأحسن ظنك بالله إنه كريم، وإنه لا يعجزه شيء، وإن خزائنه ملأى، وإن يده سحاء الليل والنهار، لا تغيضها نفقة، نسأل الله تعالى أن يوفقك للخيرات.

هذا، وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً