الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل أخطأت في رفض الشاب الذي تقدم لي دون تفكير؟

السؤال

السلام عليكم

أنا فتاة في العشرينيات من عمري، كنتُ منذ فترة الثانوية في علاقة مع شاب دامت خمس سنوات تقريبًا، ولم تكن مستمرة؛ فقد كنت أقطع علاقتنا بسبب ندمي على ما نفعل، لكننا كنا نعود لبعضنا في النهاية.

لقد كانت علاقتنا عبارة عن محادثات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ففي البداية، كان هناك كلام معسول، لكن مع مرور الزمن أدركنا أنه لا فائدة منه، فأصبح حديثنا طبيعيًا ومحترمًا، وأخبرني الشاب أنه يريد الزواج بي في المستقبل، فوافقت وقلت له: إنني لا أتصور الزواج من شخص آخر، وأعطينا الوعد لبعضنا البعض.

بعد ذلك، أصبح تواصلنا نادرًا جدًا، أي مرة كل شهرين أو أكثر، وكان التواصل مقتصرًا على الاطمئنان على بعضنا، والسؤال عن الدراسة أو المواضيع العامة.

علماً بأني منذ ثلاثة أشهر، التزمت بالحجاب الشرعي، وقررت إغلاق باب التواصل معه، فحذفت حسابي.

قبل أسابيع قليلة، تقدم لي شاب يدرس معي في الجامعة بطريقة محترمة، وطلب مني الزواج، ورفضته دون تفكير، ودون أن أتعرف عليه، لأنني تذكرت أنني أعطيت وعدًا للشاب الأول، لكنني ندمت بعدها، وخفت أن أكون قد رفضت شخصًا ذا خلق ودين دون سبب وجيه.

تحدثت مع والدتي وأخبرتها بالأمر، فنصحتني بالتركيز على دراستي وعدم التفكير في الزواج حاليًا، رغم أن الشاب قال إنه لا يتحدث عن الزواج الآن، وقالت لي أمي: من ذا الذي سينظر إلى فتاة مثلك؟ لستِ جميلة ولا أنيقة كالفتيات بسبب لبسكِ المحتشم!

قررت أن أرضي أمي وأتوقف عن التفكير في الأمر، وقررت أيضًا قطع العلاقة نهائيًا مع الشاب الأول، فأخبرته أنه ليس من الضروري أن يتزوجني، وأن عليه اختيار شريكة حياته بعناية، فعلت ذلك حتى لا أستمر في خيانة ثقة أمي، لأنها لم تكن تعلم بأمر العلاقة، وحتى أكون حرة في اختيار الزوج الصالح، وألا أبقى مقيّدة بوعد أعطيته في لحظة طيش وقلة نضج.

علماً بأن الشاب الأول خلوق جدًا، ولم أرَ فيه عيبًا قط، فهل عليَّ إثم لأني أخلفت الوعد معه؟ وهل أخطأت في رفض الشاب الذي تقدم لي دون تفكير؟ وهل يجوز لي التواصل مجددًا مع الشاب الأول والاعتذار منه، وأطلب منه أن يتقدم لخطبتي في الوقت الذي نكون مستعدين فيه للزواج، وحينها أجيبه بالقبول أو الرفض؟ وكيف أتعامل مع والدتي؟

أرجوكم، أفيدوني.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أمينة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلًا بك -أختنا الكريمة- في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله الكريم أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به، وبعد:

إننا نحمد الله إليك تدينك وحرصك على صيانة عهدك مع أمك، واهتمامك بعدم الوقوع في ما حرم الله دلالة خير لك، ونسأل الله أن يحفظك من شر كل ذي شر، إنه جواد كريم.

الأخت الفاضلة: لا يخفاك أن التواصل مع الشاب -ولو كانت كما ذكرت في دائرة ضيقة- هو أمر محرم، ولا يجوز لفتاة مسلمة أن تطلب الحلال بالحرام، أو تبني مستقبلها كله على قواعد فاسدة، ثم دعينا نخبرك أمرًا أصبح بالنسبة لنا قاعدة مطردة، وهو أن أكثر علاقات التواصل بين فتاة وشاب قبل الزواج لا يؤول إلى الزواج، وأقله ينتهي بالزواج الفاشل أو المنقوص، فإما طلاق، وإما حياة يغلب عليها الشك، هذه قاعدة عامة، والاستثناء من القاعدة لا حكم عليه.

أختنا: إن مصدر الأمان للفتاة -بعد الله- في المحافظة على تدينها أن تكون صديقة لأمها، ولذا نصيحتنا لك أن توطدي تلك العلاقة مع الوالدة، وأن تستشيريها في صغير الأمر وكبيره، واحذري أن تفقد الثقة فيك.

أما مسألة الشاب الأول: فالواجب عليك وفورًا عمل حظر له على الجوال، وكل وسيلة تواصل معه، ثم تغيير كل وسائل التواصل التي كان يصل بها إليك، هذا هو الطريق الآمن، فمثل هذا الشاب لا يصلح التعلق به، كما لا يصلح توقف حياتك كلها على ظن قد يصدق أو لا، نعني بذلك أن الشاب قد يكون مستعدًا للزواج عند التقدم وقد لا يكون، وقد يكون مستعدًا، ويرى غيرك أفضل له منك، وقد يكون مستعدًا ويراك الأفضل، ولكن عند الاختلاط به بعد الخطبة ترين أنه لا يصلح، مثل هذه الظنون المتراكمة لا تصلح قط أن يبنى عليها حياة زوجية.

أما الشاب الذي أغلقت الباب في وجهه، فخيرًا فعلت، ولو عاد هو أو غيره افعلي كذلك، لأن الجاد في الزواج لا يطلب الفتاة بهذه الطريقة، بل لو كان على الحقيقة جادًا؛ لبحث عن والد تلك الفتاة التي صانت دينها وعرضها وتقدم لأهلها.

وقد تقولين، أو يوسوس لك الشيطان بأن الشاب قد يكون صالحًا، وقد يكون متدينًا؟ ارجعي للحكمة التي تقول: (لا تبنى الحياة المستقرة على الظنون وإن تكاثرت).

ثم أمر آخر يجب أن يكون عقيدة عندك، وهو: أن الله قد كتب لك زوجك قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، كما في الحديث الصحيح، فقد روى مسلم في صحيحه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (أول ما خلق الله القلم قال له: اكتب، فكتب مقادير كل شيء قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء)، وعليه: فالأمر -أختنا- قدر مكتوب، والعاقلة المتدينة من تنتظر قدر الله وهي مصانة الجانب، محفوظة الكرامة، محافظة على تدينها.

كما أنه لا اعتبار لشرط فاسد، ولا تواصل مع أجنبي، ولا خروج عن الشرع، بل عليك توثيق العلاقة بينك وبين الله، ثم بينك وبين أمك، والاهتمام بدراستك.

تلك هي وصايانا لك، ونسأل الله أن يحفظك وأن يرعاك، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً