الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أهتم بأصدقائي وأتفقد أحوالهم لكنهم لا يعاملونني بالمثل، فما توجيهكم؟

السؤال

السلام عليكم.

أعاني من الوحدة بسبب عدم وجود صحبة صالحة، ولكن الله أكرمني بأناس صالحين، أعرفهم على مواقع التواصل الاجتماعي، ورغم انشغالي أحرص على التواصل معهم بشكل دوري، وأتفقد غائبهم، وأسأل عن أحوالهم، وأعينهم على أمور الدين والدنيا -بفضل الله-.

ولكن من جهتهم لا يحدث العكس، فلا أحد يبادر بالسؤال، ولا يتفقدني إن غبت، أو إن حدث أي شيء لا أجد أحدًا مطلقًا، ولا أحد يعينني على الخير، وهذا ما أزعجني جدًا، فأعاتبهم، فهل هذا من حقي؟ أم أنني أبالغ؟

أنا أحب أن يعاملني الناس كما أعاملهم، ولو بالقليل، وأسعد بالتواصل والصلة، وتفقد الأحوال، كما قال عطاء الخرساني: "تعاهدوا إخوانكم بعد ثلاث، فإن كانوا مرضى فعودوهم، وإن كانوا مشاغيل فأعينوهم، وإن كانوا نسوا فذكروهم"، وأنزعج من الجفاء والتحجج المستمر بالانشغال، وخاصةً أننا في غربة، ونحتاج لبعضنا.

وقد قرأت عبارةً ليحيى بن معاذ -استشكلت عليّ-، وهي حقيقة الحب في الله: "أنه لا يزيد بالبر ولا ينقص بالجفاء"، وأنا أجد العكس؛ فالبر، والإحسان، والالتزام بمكارم الأخلاق، وهدي النبي -صلى الله عليه وسلم- مع أصحابه يزيد المحبة، كما قال النبي: "تهادوا تحابوا"، فهذا يزيد المحبة، فهل مطالبتي بالتواصل تُعد من مقابلة الشيء بالشيء؟

مع أني أتواصل معهم لوجه الله، وليس لأجل أن يتواصلوا معي أيضًا، وهم أشخاص متفرقون، لا يعرف بعضهم بعضًا، ولكن هذه السمات انتشرت في المجتمع.

فما هو الصحيح؟ وهل أنا مخطئ؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أبو محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -أخي الفاضل- في استشارات إسلام ويب.

شعورك بالانزعاج من هذا الجفاء طبيعي، ومفهوم، وخاصةً أنك تبذل جهدًا في التواصل والاهتمام بالآخرين، فمن الطبيعي أن تتوقع المعاملة بالمثل؛ لأن التوازن في العلاقات مهم، فعندما تبذل الخير تتنظر المقابلة بمثله، سواءً كانت هذه العلاقات عبر الإنترنت، أو في الحياة الواقعية.

النبي -صلى الله عليه وسلم- حث على التراحم، والتواصل بين المسلمين، وجعل من علامات المحبة في الله أن يتفقد المسلم أخاه؛ ففي الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربةً من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة) رواه البخاري ومسلم.

لذلك ما تشعر به من إحباط عندما لا تجد من يبادلك هذا الاهتمام أمر منطقي، ولا بد أن لا توطن نفسك دائمًا أن يقابلك الناس بنفس ما تريد؛ فالناس تختلف عقولهم ونفوسهم، وبالتالي ردود فعالهم.

ومع ذلك قد يكون من المفيد لتحسن الظن بالآخرين، ولسلامة صدرك على إخوانك أن تتذكر أن لكل شخص ظروفه التي قد تمنعه من الرد بنفس القدر من الاهتمام، فقد لا يكون تجاهلهم عمدًا، وربما يكونون منشغلين، أو لديهم أسباب تمنعهم من التواصل بانتظام، وبنفس القدر.

أما بالنسبة لعبارة يحيى بن معاذ -رحمه الله- المنسوبة إليه، والتي استشكلت عليك، فهي تفيد:
أن من أحب أحدًا في الله تعالى؛ فإن محبته له في الله لا تزيد إذا وصله أو أحسن إليه، ولا تنقص إذا جفاه، أو أعرض عن صلته؛ لأنه إنما أحبه لله، لا لحظ نفسه، وما يناله منه من العوض.

أخيرًا -أخي الفاضل-: مطالباتك بالتواصل ليست خطأً، ولكن قد يكون من الأفضل أن توازن بين توقعاتك وواقع الحياة الحقيقي، وتحاول أن تكون أكثر تفهمًا لظروف الآخرين، وربما يمكنك فتح نقاش صريح معهم حول مشاعرك دون عتاب، أو تورد ذلك على سبيل الموعظة أو التوجيه العام؛ لأن هذا قد يفتح بابًا للتفاهم المتبادل، ويخفف من شعورك بالوحدة.

كذلك حاول أن تحرص على الأنشطة التفاعلية المشتركة، التي قد تكسر حاجز الخجل الاجتماعي عند الآخرين، وتساعدهم في التعارف المتبادل بشكل أفضل.

وفقك الله، ويسر أمرك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً