الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

انتكاس مريض ثنائي القطب بعد أن ظن أنه قد تعافى منه تمامًا

السؤال

سيدي الدكتور محمد عبد العليم:
السلام عليكم ورحمة الله.

اسمي سالم, وعمري 22 عامًا, وقد راسلتكم عدة مرات على مدار سنوات مضت, وقد انقطعت عن مراسلتكم منذ سنة ونصف لاعتقادي أن معاناتي انتهت.

عشت طفولة ومراهقة وشبابًا لا تحتمل, فلقد عانيت مذ كنت في الثالثة عشرة من عمري من اضطرابات القلق, والهلع, والاكتئاب, والوسواس القهري, وحالتي كانت تتقلب كل عدة أشهر, ووصلت إلى أصعب المراحل التي فكرت حينها بالانتحار جديًا, حيث لم تنفع معي كل مضادات الاكتئاب كما في السابق, لكن مشورتكم الكريمة كانت المنقذ الأخير, حيث شخصتم اضطرابي حينها بأنه ثنائي القطب, وبالفعل تناولت أقراص كربونات الليثيوم, وبدأت الحالة بالتحسن, والاكتئاب والهوس سويًّا بالاضمحلال, وشعرت أني ولدت من جديد.

كنت أتناول 800 ميلي غرام يوميًا, وبعد شهر ونصف توقفت لصعوبة احتمال ما يفعله دواء (بريانيل) بالمعدة؛ حيث إني أشعر بألم وانتفاخ شديدين, وكنت كل فترة أعود وأتناول الدواء عدة أسابيع ثم أتوقف, وظللت في حالة ممتازة ومتزنة لسنة ونصف, لا ينغصها سوى شعوري بتبلد إحساسي الذي كان جليًا.

قبل أيام بدأت علامات الاضطراب تظهر من جديد, فقد أصبحت خبيرًا بما يكفي لتحديدها: نوم مضطرب, وأحلام غريبة, وتطور الأمر الآن وأصبحت أعاني مما عانيته في بداية الاضطراب قبل 8 أعوام, حيث أشعر بشيء من الهلع, والخوف, والأمر أشبه بنوبة هلع مصغرة, لكنها مستمرة صباح مساء, تغيب أحيانًا, وتعود أحيانًا أخرى.

قررت أن أراسل سيادتكم؛ لأني لست متأكدًا من الخطوة التي قد أقدم عليها, هل ما أعانيه نتيجة تناول الليثيوم من جديد أم أن الاضطراب بدأ بسبب عدم استمراري على الدواء؟ كما أنني لا أعلم هل الليثيوم ومثبتات المزاج عمومًا هي علاج ما أعاني منه - بدايات من القلق والهلع -؟ كما أنني أخشى تناول أي مضاد اكتئاب؛ لأنها هي من أوصلتني للهوس, حيث كنت أعاني من أعراض الهوس بعد أسابيع من تناولها, وأظنه الشفاء, وأيضًا أخشى البلاء الأكبر الغائب - أبعدنا الله عنه - الوسواس القهري, الذي قد يظهر بسبب أي مضاد اكتئاب - كما حدث معي في السابق -.

أرجو منكم تفصيل ما يجب أن أفعله, وفقكم الله لما يحب ويرضى, وجعله الله في ميزان حسناتكم يوم القيامة, آمين.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سالم حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:

فإن الاضطراب الوجداني ثنائي القطبية بعد أن يُثبت تشخيصيه يجب أن يستمر الإنسان على العلاج الدوائي لمدة ثلاث سنوات على الأقل، بعدها يمكن أن يخفض الدواء، وحوالي ستين بالمائة من الناس يُكتب لهم الشفاء، وأربعين بالمائة تقريبًا قد يعاودهم الاضطراب الوجداني مرة أخرى، خاصة إذا كان لديهم تاريخ أسري لوجود هذا المرض.

عمومًا أنت استفدت كثيرًا من الليثيوم، والليثيوم هو دواء ممتاز جدًّا، لكنه دواء حرج في نفس الوقت, ويتطلب أخذ تحوطات مهمة كثيرة؛ لأن التسمم الليثيومي معروف كعلة خاصة في أوقات الحر ونزول العرق؛ لذا ننصح الذين يتناولون الليثيوم في فترة الصيف أن يكونوا حذرين, ويتناولون كميات كبيرة من السوائل، كما أن الليثيوم يجب أن يُفحص مستواه في الدم في بداية العلاج كل أسبوعين، وبعد ذلك كل ستة أشهر مثلاً، كما أنه يجب أن يكون هناك فحص لوظائف الكلى, وكذلك الغدة الدرقية.

هذه تحوطات معروفة، لكنّ الدواء بصفة عامة دواء سليم وفاعل جدًّا إذا اتبع الإنسان التعليمات الضرورية, والليثيوم لا يتحمل أبدًا أن يتناوله الإنسان ثم يتوقف عن تناوله، بل يجب أن يكون هنالك تواصل في تناول الجرعة؛ لأن الفاعلية لهذا الدواء تضافرية, وتأتي من خلال الأثر التجمّعي للدواء.

عمومًا ما حدث لك من اضطراب الآن أعتقد أنها درجة بسيطة من ثنائية القطبية، لكن - كما ذكرت وتفضلت وأشرت – أنه من الأحسن أن يتدارك الإنسان الحالة مبكرًا.

الآن في خلال الثلاث سنوات الأخيرة اتضح أن عقار (كواتبين), والذي يعرف باسم (سوركويل), هو عقار جيد جدًّا لحفظ المزاج متوازنًا، خاصة إذا كانت الحالة من الحالات الخفيفة، وإذا كان هنالك اضطراب للنوم.

فإن لم تستطع أن تلتزم ببروتوكولات تناول الليثيوم كما ذكرناها, فأعتقد أن الكواتبين سيكون حلاً مناسبًا، ويمكن أن تبدأ بجرعة صغيرة، وهي خمسة وعشرون مليجرامًا، تناولها ليلاً لمدة أسبوع، بعد ذلك ارفعها إلى خمسين مليجرامًا، وإذا تحسنت الأمور فاستمر على هذه الجرعة - من وجهة نظري على الأقل - لمدة ستة أشهر، وإن لم تتحسن على جرعة الخمسين فيمكنك أن ترفعها إلى مائة مليجرام ليلاً، علمًا أن هذه جرعة صغيرة, أما إذا لم تتحسن على المائة مليجرام فربما يكون من الأفضل إضافة الليثيوم, أو التجراتول, أو اللامكتال، أيًّا من هذه الأدوية كله جيد، لكني أفضل أن تكون تحت إشراف طبي نفسي إذا كانت هناك حاجة لإضافة دواء آخر على السوركويل.

إن شاءَ الله تعالى لن تأتيك نوبات هوس, ولا نوبات اكتئاب، والوسواس القهري أنت بعيد عنه، وتذكر أن استجابتك الإيجابية جدًّا للعلاج السابق هي في حد ذاتها نقطة إيجابية جدًّا, وإنجاز كبير, يجب أن يجعلك تعيش على مزيد من الأمل والرجاء، ومن الواضح أن حالتك بسيطة, وليست مستعصية أبدًا, فأرجو أن تعيش حياتك بصورة طبيعية جدًّا، والماضي لا تركز عليه كثيرًا، وانظر إليه كخبرة وعبرة، وليس أكثر من ذلك، وعش حياتك الآن بقوة، واجتهد في دراستك، ونحن الآن في شهر رمضان الكريم، وهذه فرصة عظيمة لأن يرفع الإنسان همته في عبادته، ويجب ألا يفوت علينا موسم الخير هذا، نسأل الله أن يعيننا وإياك على ذكره وشكره وحسن عبادته.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونشكرك على تواصلك مع إسلام ويب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً