الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يتقبل توبتك، وأن يمحو حوبتك، وأن يثبتك على هداه.
وأما يتعلق بالشق الأول من السؤال: فينبغي لك أن تجعل ذكرك لسبب وقوعك في المعاصي - من مرافقة المنحرفين ونحوها - من باب الندم والأسف على ما سلف منك، ومن باب أن يكون ذلك عبرة لك في مستقبل أيامك بأن تتجافى عن تلك الأسباب التي أوجبت لك الوقوع فيما وقعت فيه، فتتحرى الصحبة الطيبة الصالحة، وتبتعد عن رفقة السوء, ولا يكن ذكرك لسبب الوقوع في المعصية من باب الاعتراض على قضاء الله عليك بالوقوع في تلك الآثام.
وأما ما يتعلق بالشق الثاني: فليس هناك تعارض أصلًا بين الخوف من الله وبين حسن الظن به سبحانه، فكل من هذين المقامين مطلوب من العبد أن يشهدهما، فيجمع بين مقام الرجاء في فضل الله, والطمع في سعة ثوابه وحسن الظن به، وبين مقام الخوف من الله جل وعلا والخشية من رد التوبة وعدم قبولها, ومتى زاد الخوف ووصل إلى القنوط فإنه مذموم، وكذلك الرجاء إذا زاد ووصل إلى الأمن من مكر الله فهو مذموم كذلك.
قال ابن القيم - في مدارج السالكين في منزلة الأدب -: قال - يعني الهروي -: وهو على ثلاث درجات: الدرجة الأولى: منع الخوف: أن لا يتعدى إلى اليأس،
وحبس الرجاء: أن يخرج إلى الأمن،
وضبط السرور: أن يضاهئ الجرأة.
يريد: أنه لا يدع الخوف يفضي به إلى حد يوقعه في القنوط، واليأس من رحمة الله, فإن هذا الخوف مذموم.
وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - يقول: حد الخوف ما حجزك عن معاصي الله, فما زاد على ذلك: فهو غير محتاج إليه, وهذا الخوف الموقع في الإياس: إساءة أدب على رحمة الله تعالى، التي سبقت غضبه، وجهل بها.
وأما حبس الرجاء: أن يخرج إلى الأمن, فهو أن لا يبلغ به الرجاء إلى حد يأمن معه العقوبة, فإنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون, وهذا إغراق في الطرف الآخر, بل حد الرجاء: ما طيب لك العبادة، وحملك على السير, فهو بمنزلة الرياح التي تسير السفينة, فإذا انقطعت وقفت السفينة, وإذا زادت ألقتها إلى المهالك, وإذا كانت بقدر: أوصلتها إلى البغية. اهـ.
وقال الشيخ حافظ الحكمي في المنظومة الميمية في الوصايا والآداب العلمية:
وَاقْنُتْ, وَبَيْنَ الرَّجَا وَالخَوْفِ قُمْ أَبَدا تَخْشَى الذُّنُوبَ, وَتَرْجُو عَفْوَ ذِي الكَرَمِ
فَالخَوْفُ مَا أَوْرَثَ التَّقْوَى, وَحَثَّ عَلَى مَرْضَاةِ رَبِّي, وَهَجْرِ الإِثْمِ وَالأَثِمِ
كَذَا الرَّجَا مَا عَلَى هَذَا يَحُثُّ لِتَصْـ دِيقٍ بِمَوْعُودِ رَبِّي بِالجَزَا العَظِمِ
وَالخَوْفُ إِنْ زَادَ أَفْضَى لِلقُنُوطِ كَمَا يُفْضِي الرَّجَاءُ لأَمْنِ المَكْرِ وَالنِّقَمِ
فَلا تُفَرِّطْ, وَلا تُفْرِطْ, وَكُنْ وَسَطًا وَمِثْلَ مَا أَمَرَ الرَّحْمَنُ فَاسْتَقِمِ
والله أعلم.