المسألة الرابعة عشرة : التخصيص بالغاية
وهي نهاية الشيء المقتضية لثبوت الحكم قبلها ، وانتفائه بعدها ، ولها لفظان ، وهما ( حتى ، وإلى ) كقوله تعالى ولا تقربوهن حتى يطهرن ، وقوله وأيديكم إلى المرافق .
قال الرازي في المحصول : التقييد بالغاية يقتضي أن يكون الحكم فيما وراء الغاية بالخلاف ; لأن الحكم لو بقي فيما وراء الغاية لم تكن الغاية مقطعا فلم تكن الغاية غاية ، قال : ويجوز اجتماع الغايتين ، كما لو قيل : لا تقربوهن حتى يطهرن وحتى يغتسلن ، فهاهنا الغاية في الحقيقة هي الأخيرة ، وعبر عن الأولى بالغاية مجازا لقربها [ ص: 440 ] منها ، واتصالها بها .
قال الزركشي : ونوزع بأن هاتين غايتين لشيئين ; لأن التحريم الناشيء عن دم الحيض غاية انقطاع الدم ، فإذا انقطع حدث تحريم آخر ، ناشئ عن دم الغسل ، والغاية الثانية غاية هذا التحريم .
وقد أطلق الأصوليون كون الغاية من المخصصات ، ولم يقيدوا ذلك ، وقيد ذلك بعض المتأخرين بالغاية التي تقدمها لفظ يشملها ، لو لم يؤت بها ، كقوله تعالى : حتى يعطوا الجزية فإن هذه الغاية لو لم يؤت بها لقاتلنا المشركين ، أعطوا الجزية ، أو لم يعطوها .
واختلفوا في الغاية نفسها ، هل تدخل في المغيا ، كقولك : أكلت حتى قمت ، هل يكون القيام محلا للأكل أم لا ، وفي ذلك مذاهب :
الأول : أنها تدخل فيما قبلها .
والثاني : لا تدخل ، وبه قال الجمهور ، كما حكاه في البرهان .
والثالث : إن كانت من جنسه دخلت ، وإلا فلا ، وحكاه عن أبو إسحاق المروزي . المبرد
والرابع : إن تميزت عما قبلها بالحس نحو أتموا الصيام إلى الليل لم تدخل ، وإن لم تتميز بالحس مثل وأيديكم إلى المرافق دخلت الغاية ، وهي المرافق ، ورجح هذا . الفخر الرازي
والخامس : إن اقترنت بمن لم يدخل نحو : بعتك من هذه الشجرة إلى هذه الشجرة ، لم تدخل ، وإن لم تقترن جاز أن تكون تحديدا ، وأن تكون بمعنى مع ، وحكاه في البرهان عن إمام الحرمين ، وأنكره عليه سيبويه ، وقال لم يذكر ابن خروف منهما حرفا ، ولا هو مذهبه . سيبويه
[ ص: 441 ] والسادس : الوقف ، واختاره . الآمدي
وهذه المذاهب في غاية الانتهاء .
وأما في غاية الابتداء ففيها مذهبان : الدخول وعدمه .
وجعل الأصفهاني الخلاف في الغايتين غاية الابتداء ، وغاية الانتهاء على السواء ، فقال : وفيها مذاهب تدخلان ، ولا تدخلان ، وتدخل غاية الابتداء دون الانتهاء ، وتدخلان إن اتحد الجنس لا إن اختلف ، وتدخلان إن لم يتميز ما بعدهما عما قبلهما بالحس ، وإلا لم تدخلا فيما قبلهما وفيما قاله نظر ، بل الظاهر أن الأقوال المتقدمة هي في غاية الانتهاء لا في غاية الابتداء .
وأظهر الأقوال وأوضحها عدم الدخول إلا بدليل من غير فرق بين غاية الابتداء والانتهاء .
والكلام في الغاية الواقعة بعد متعدد كما تقدم في الاستثناء .