الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                        معلومات الكتاب

                        إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول

                        الشوكاني - محمد بن علي بن محمد الشوكاني

                        صفحة جزء
                        البحث الخامس : في تعارض الأفعال

                        اعلم أنه لا يجوز التعارض بين الأفعال ، بحيث يكون البعض منها ناسخا لبعض أو مخصصا له ، لجواز أن يكون الفعل في ذلك الوقت واجبا ، وفي مثل ذلك الوقت بخلافه ; لأن الفعل لا عموم له ، فلا يشمل جميع الأوقات المستقبلة ، ولا يدل على التكرار . هكذا قال جمهور أهل الأصول ، على اختلاف طبقاتهم ، وحكى ابن العربي في [ ص: 148 ] كتاب المحصول ثلاثة أقوال :

                        الأول : التخيير .

                        الثاني : تقديم المتأخر ، كالأقوال إذا تأخر بعضها .

                        الثالث : حصول التعارض ، وطلب الترجيح من خارج . قال : كما اتفق في صلاة الخوف صليت على أربع وعشرين صفة . قال مالك والشافعي : إنه يرجح من هذه الصفات ما هو أقرب إلى هيئة الصلاة . وقدم بعضهم الأخير منها إذا علم . انتهى .

                        وحكي عن ابن رشد أن الحكم في الأفعال كالحكم في الأقوال ، وقال القرطبي يجوز التعارض بين الفعلين عند من قال بأن الفعل يدل على الوجوب ، فإن علم التاريخ فالمتأخر ناسخ ، وإن جهل فالترجيح ، وإلا فهما متعارضان كالقولين .

                        وأما على القول بأنه يدل على الندب أو الإباحة فلا تعارض ، وقال الغزالي في المنخول : إذا نقل فعل وحمل على الوجوب ، ثم نقل فعل يناقضه ، فقال القاضي : لا يقطع بأنه ناسخ لاحتمال أنه انتهى لمدة الفعل الأول . قال : وذهب ابن مجاهد إلى أنه نسخ ، وتردد في القول الطارئ على الفعل ، وجزم إلكيا بعدم تصور تعارض الفعلين ، ثم [ ص: 149 ] استثنى من ذلك ما إذا علم بدليل أنه أريد به إدامته في المستقبل ، بأنه يكون ما بعده ناسخا له ، قال : وعلى مثله بنى الشافعي مذهبه في سجود السهو قبل السلام وبعده .

                        والحق أنه لا يتصور تعارض الأفعال ، فإنه لا صيغ لها يمكن النظر فيها ، والحكم عليها ، بل هي مجرد أكوان متغايرة واقعة في أوقات مختلفة ، وهذا إذا لم تقع بيانات للأقوال ، أما إذا وقعت بيانات للأقوال فقد تتعارض في الصورة ، ولكن التعارض في الحقيقة راجع إلى المبينات من الأقوال ، لا إلى بيانها من الأفعال وذلك كقوله صلى الله عليه وآله وسلم صلوا كما رأيتموني أصلي فإن آخر الفعلين ينسخ الأول كآخر القولين ; لأن هذا الفعل بمثابة القول .

                        قال الجويني وذهب كثير من الأئمة فيما إذا نقل عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فعلان مؤرخان مختلفان أن الواجب التمسك بآخرهما ، واعتقاد كونه ناسخا للأول ، قال : وقد ظهر ميل الشافعي إلى هذا ، ثم ذكر ترجيحه للمتأخر من صفات صلاة الخوف .

                        وينبغي حمل هذا على الأفعال التي وقعت بيانا كما ذكرنا ، فإن صلاة الخوف على اختلاف صفاتها واقعة بيانا ، وهكذا ينبغي حمل ما نقله المازري عن الجمهور من أن المتأخر من الأفعال ناسخ عن ما ذكرنا .

                        التالي السابق


                        الخدمات العلمية