فصل :
342 -
هرقل ، وكتابا إلى صاحب
دومة الجندل ، وكتابا إلى
النجاشي ، وكتابا إلى
كسرى بن هرمز ، فأما
كسرى ، فلم يقرأه ، وأمر به ، فمزق ، وكتب إلى
باذان صاحب
اليمن من
كسرى إلى
باذان إني لم أستعملك على
اليمن لتأكل خيرها ، ولتلبس حريرها ، وإنما استعملتك عليها لتقاتل من عاداني ، وإنه بلغني أن رجلا من
أهل تهامة خرج عن دين قومه ، ويزعم أنه رسول الله يقال له :
أحمد ، فإذا جاءك كتابي هذا ، فاختر رجلين من
أهل فارس ممن ترضى عقله فابعثهما إليه ، واكتب معهما إليه أن يرجع إلى دين قومه ، فلما جاء
باذان الكتاب اختار رجلين من
أهل فارس ، وكتب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بما كتب به
كسرى ، فقدما عليه ، فأعطياه الكتاب ، فرددهما شهرا يختلفان إليه ، فلا يجيبهما إلى جواب كتابهما ، فغدوا عليه يوما ، فقال : ما أحسبني إلا قد حبستكما ، وشققت عليكما ، قالا : أجل ، قال : فانطلقا ، فتلبسا واركبا ، ثم مرا بي ، ففعلا رجع إلى دين قومي ، أو أعده موعدا ألقاه ، فموعدنا أبواب
صنعاء إما بنفسي ، أو خيلي ، وأبلغاه عني أن ربي قد قتل ربه الغداة ، قال : فكتبنا ذلك اليوم ، ثم قدمنا على
باذان ، فقال : ما حبسكما ، فأبلغاه ما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : فأمر به ، فكتب ، فما لبثوا إلا أياما قليلة حتى جاء كتاب
شيرويه بن كسرى أما بعد ، فإني قتلت أبي يوم كذا ، وكذا ، فادع من قبلك من
أهل فارس إلى بيعتي ، وأن يسمعوا ، ويطيعوا ، قال : فدعا
باذان بالكتاب ، فإذا هو اليوم الذي قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : فقال
باذان : أي رجل
أحمد ؟ قالا : خير الناس أصدقه لسانا ، قال : عليه حرس ؟ قالا : وما يصنع بالحرس ؟ لهو أحب إلى أصحابه من أنفسهم ، وأولادهم ، قال : هذا الملك
[ ص: 235 ] الهنيء ، فنادوا في
أهل فارس بايعوا
شيرويه ، واسمعوا ، وأطيعوا يا
أهل فارس ، قد أقبل ملك
أحمد ، وهذا الملك قد أدبر ، وأنا أهلك فيما بينهما ، قال
عامر : فأدبر ملك
فارس ، وهلك
باذان فيما بينهما ، قتله
العنسي الكذاب ، وتزوج امرأته .
343 -
أبو بشر محمد بن عبيد الله الأردني ، قال :
nindex.php?page=treesubj&link=31992_30588_30589_33704لما نزل nindex.php?page=showalam&ids=5أبو عبيدة اليرموك وضم إليه قواصيه ، وجاءتنا جموع الروم بعث باهان صاحب جيش الروم رجلا من كبارهم ، وعظمائهم يقال له : جرجير إلى nindex.php?page=showalam&ids=5أبي عبيدة بن الجراح ، فأتى nindex.php?page=showalam&ids=5أبا عبيدة ، فقال له : إني رسول باهان إليك ، وهو عامل ملك الروم على الشام ، وعلى هذه الحصون ، وهو يقول لك : أرسل إلي الرجل الذي كان قبلك أمير ، فإنه قد ذكر لي أن ذلك الرجل له عقل ، وله فيكم حسب ، فنخبره بما نريد ، ونسأله عما تريدون ، فإن وقع بيننا وبينكم أمر لنا فيه ، ولكم صلاح أخذنا الحظ من ذلك ، وحمدنا الله عليه ، وإن لم يتفق ذلك بيننا وبينكم ، فإن القتال من وراء ما هناك ، فدعا nindex.php?page=showalam&ids=5أبو عبيدة خالدا ، فأخبره بالذي جاء فيه الرومي ، وقال لخالد : القهم ، فادعهم إلى الإسلام ، فإن قبلوا ، وإلا فاعرض عليهم الجزية ، فإن أبوا ، فأعلمهم أنا سنناجزهم حتى يحكم الله - عز وجل - بيننا وبينهم ، قال : وجاءهم رسولهم الرومي عند غروب الشمس ، فلم يمكث ، ولكن إذا أصبحت غدوت إلى صاحبك إن شاء الله فارجع ، فأعلمه ، فجعل المسلمون ينتظرون الرومي أن يقوم إلى صاحبه ، ويخبره بما ردوا عليه ، فأخذ الرومي لا يبرح ، وينظر إلى رجال من المسلمين وهم يصلون ، ويدعون الله - عز وجل - ، ويتضرعون إليه ، فقال : nindex.php?page=showalam&ids=59عمرو بن العاص - رضي الله عنه - : إن رسولكم هذا الذي أرسل إليكم لمجنون ، فقال nindex.php?page=showalam&ids=5أبو عبيدة : كلا أما تنظر إلى نظره إلى المسلمين ، وجعل الرومي ما يصرف بصره عنهم ، فقال nindex.php?page=showalam&ids=5أبو عبيدة - رضي الله عنه - : إني لأرجو أن يكون الله - عز وجل - قد قذف في قلبه الإيمان ، وحببه إليه ، وعرفه فضله ، فمكث الرومي بذلك قليلا ، ثم أقبل على nindex.php?page=showalam&ids=5أبي عبيدة - رضي الله عنه - ، فقال : أيها الرجل ، متى دخلتم في هذا الدين ؟ ومتى دعوتم إليه الناس ؟ فقال nindex.php?page=showalam&ids=5أبو عبيدة : منذ بضع وعشرين سنة ، فمنا من أسلم حين أتاه الرسول ، ومنا من أسلم بعد ذلك ، فقال : هل كان رسولكم أخبركم أنه يأتي من بعده رسول عيسى ابن مريم - عليه السلام - [ ص: 236 ] ذلك من الشاهدين ، فإن عيسى صلوات الله عليه قد بشرنا براكب الجمل ، وما أظنه إلا صاحبكم ، فأخبرني : هل قال صاحبكم في عيسى شيئا ؟ وما قولكم أنتم فيه ؟ قال nindex.php?page=showalam&ids=5أبو عبيدة : قول صاحبنا هو قول الله تبارك وتعالى ، وهو أصدق القول ، وأبره : ( nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=59إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب، ثم قال له كن فيكون ) ، وقال عز وجل : ( nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=171يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ) إلى قوله : ( nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=172لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون ) ، ففسر له الترجمان هذا بالرومية ، فقال : أشهد أن هذه صفة عيسى ابن مريم ، وأشهد أن نبيكم - صلى الله عليه وسلم - صادق ، وأنه الذي بشرنا به عيسى - عليه السلام - ، وأنكم قوم صدق ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=12077لأبي عبيدة - رضي الله عنه - : ادع لي رجلين من أوائل أصحابك إسلاما ، وهما فيما ترى أفضل ، فدعا له nindex.php?page=showalam&ids=5أبو عبيدة nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ بن جبل ، وسعيد بن زيد بن هذان من أفضل المسلمين إسلاما ، فقال لهم الرومي : أتضمنون لي الجنة إن أنا أسلمت ، وجاهدت معكم ، قالوا : نعم ، إن أنت أسلمت واستقمت ، ولم تغير حتى تموت ، وأنت على ذلك ، فأسلم ، وفرح المسلمون بإسلامه ، وصافحوه ، ودعوا له بخير .
قال الإمام - رحمه الله - : هذا آخر ما اتفق إملاؤه في دلائل نبوة المصطفى صلى الله عليه وسلم - ، أمليته على قدر ما وصلت يدي إليه ، مع تقسم الفكر ، أسأل الله أن ينفعني وطلبة العلم بذلك ، وأسأله أن يرحمني وإياهم ، ويخص ولدي
أبا عبد الله بالنصيب الأوفى من ذلك ، وأن يجزل له كرامة الآخرة ، ولا يحرمه نعيمها كما حرمه نعيم الدنيا ، إنه سميع مجيب ، وصلى الله على
محمد نبيه ، وآله وسلم .
تم انتساخ كتاب دلائل النبوة بحمد الله المنزه عن البنوة ، والأبوة بيد العبد الضعيف
أبي روح محمد بن أبي إسماعيل بن أبي ذر الصالحاني سادس عشر جمادى الأولى سنة ثمانين وخمسمائة ، روح الله من دعا له بالغفران .
فَصْلٌ :
342 -
هِرَقْلَ ، وَكِتَابًا إِلَى صَاحِبِ
دُومَةَ الْجَنْدَلِ ، وَكِتَابًا إِلَى
النَّجَاشِيِّ ، وَكِتَابًا إِلَى
كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ ، فَأَمَّا
كِسْرَى ، فَلَمْ يَقْرَأْهُ ، وَأَمَرَ بِهِ ، فَمُزِّقَ ، وَكَتَبَ إِلَى
بَاذَانَ صَاحِبِ
الْيَمَنِ مِنْ
كِسْرَى إِلَى
بَاذَانَ إِنِّي لَمْ أَسْتَعْمِلْكَ عَلَى
الْيَمَنِ لِتَأْكُلَ خَيْرَهَا ، وَلِتَلْبَسَ حَرِيرَهَا ، وَإِنَّمَا اسْتَعْمَلْتُكْ عَلَيْهَا لِتُقَاتِلَ مَنْ عَادَانِي ، وَإِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلًا مِنْ
أَهْلِ تِهَامَةَ خَرَجَ عَنْ دِينِ قَوْمِهِ ، وَيَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ يُقَالُ لَهُ :
أَحْمَدُ ، فَإِذَا جَاءَكَ كِتَابِي هَذَا ، فَاخْتَرْ رَجُلَيْنِ مِنْ
أَهْلِ فَارِسَ مِمَّنْ تَرْضَى عَقْلَهُ فَابْعَثْهُمَا إِلَيْهِ ، وَاكْتُبْ مَعَهُمَا إِلَيْهِ أَنْ يَرْجَعَ إِلَى دِينِ قَوْمِهِ ، فَلَمَّا جَاءَ
بَاذَانَ الْكِتَابُ اخْتَارَ رَجُلَيْنِ مِنْ
أَهْلِ فَارِسَ ، وَكَتَبَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا كَتَبَ بِهِ
كِسْرَى ، فَقَدِمَا عَلَيْهِ ، فَأَعْطَيَاهُ الْكِتَابَ ، فَرَدَدْهُمَا شَهْرًا يَخْتَلِفَانَ إِلَيْهِ ، فَلَا يُجِيبُهُمَا إِلَى جَوَابِ كِتَابِهِمَا ، فَغَدُوا عَلَيْهِ يَوْمًا ، فَقَالَ : مَا أَحْسَبُنِي إِلَّا قَدْ حَبَسْتَكُمَا ، وَشَقَقْتُ عَلَيْكُمَا ، قَالَا : أَجَلْ ، قَالَ : فَانْطَلِقَا ، فَتَلَبَّسَا وَارْكَبَا ، ثُمَّ مُرَّا بِي ، فَفَعَلَا رَجَعَ إِلَى دِينِ قَوْمِي ، أَوْ أَعِدُهُ مَوْعِدًا أَلْقَاهُ ، فَمَوْعِدُنَا أَبْوَابُ
صَنْعَاءَ إِمَّا بِنَفْسِي ، أَوْ خَيْلِي ، وَأَبْلِغَاهُ عَنِّي أَنَّ رَبِّي قَدْ قَتَلَ رَبَّهُ الْغَدَاةَ ، قَالَ : فَكَتَبْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ ، ثُمَّ قَدِمْنَا عَلَى
بَاذَانَ ، فَقَالَ : مَا حَبَسَكُمَا ، فَأَبْلَغَاهُ مَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : فَأَمَرَ بِهِ ، فَكَتَبَ ، فَمَا لَبِثُوا إِلَّا أَيَّامًا قَلِيلَةً حَتَّى جَاءَ كِتَابُ
شِيرَوَيْهِ بْنِ كِسْرَى أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنِّي قَتَلْتُ أَبِي يَوْمَ كَذَا ، وَكَذَا ، فَادْعُ مِنْ قِبَلَكَ مِنْ
أَهْلِ فَارِسَ إِلَى بَيْعَتِي ، وَأَنْ يَسْمَعُوا ، وَيُطِيعُوا ، قَالَ : فَدَعَا
بَاذَانُ بِالْكِتَابِ ، فَإِذَا هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : فَقَالَ
بَاذَانُ : أَيُّ رَجُلٍ
أَحْمَدُ ؟ قَالَا : خَيْرُ النَّاسِ أَصْدَقُهُ لِسَانًا ، قَالَ : عَلَيْهِ حَرَسٌ ؟ قَالَا : وَمَا يَصْنَعُ بِالْحَرَسِ ؟ لَهُوَ أَحَبُّ إِلَى أَصْحَابِهِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ، وَأَوْلَادِهِمْ ، قَالَ : هَذَا الْمَلِكُ
[ ص: 235 ] الْهَنِيءُ ، فَنَادُوا فِي
أَهْلِ فَارِسَ بَايِعُوا
شِيرَوَيْهِ ، وَاسْمَعُوا ، وَأَطِيعُوا يَا
أَهْلَ فَارِسَ ، قَدْ أَقْبَلَ مُلْكُ
أَحْمَدَ ، وَهَذَا الْمُلْكُ قَدْ أَدْبَرَ ، وَأَنَا أَهْلِكُ فِيمَا بَيْنَهُمَا ، قَالَ
عَامِرٌ : فَأَدَبْرَ مُلْكُ
فَارِسَ ، وَهَلَكَ
بَاذَانَ فِيمَا بَيْنَهُمَا ، قَتَلَهُ
الْعَنْسِيُّ الْكَذَّابُ ، وَتَزَوَّجَ امْرَأَتَهُ .
343 -
أَبُو بِشْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْأُرْدُنِيُّ ، قَالَ :
nindex.php?page=treesubj&link=31992_30588_30589_33704لَمَّا نَزَلَ nindex.php?page=showalam&ids=5أَبُو عُبَيْدَةَ الْيَرْمُوكَ وَضَمَّ إِلَيْهِ قَوَاصِيهِ ، وَجَاءَتْنَا جُمُوعُ الرُّومِ بَعَثَ بَاهَانُ صَاحِبُ جَيْشِ الرُّومِ رَجُلًا مِنْ كِبَارِهِمْ ، وَعُظَمَائِهِمْ يُقَالُ لَهُ : جِرْجِيرٌ إِلَى nindex.php?page=showalam&ids=5أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ ، فَأَتَى nindex.php?page=showalam&ids=5أَبَا عُبَيْدَةَ ، فَقَالَ لَهُ : إِنِّي رَسُولُ بَاهَانَ إِلَيْكَ ، وَهُوَ عَامِلُ مَلِكِ الرُّومِ عَلَى الشَّامِ ، وَعَلَى هَذِهِ الْحُصُونِ ، وَهُوَ يَقُولُ لَكَ : أَرْسِلْ إِلَيَّ الرَّجُلَ الَّذِي كَانَ قَبْلَكَ أَمِيرٌ ، فَإِنَّهُ قَدْ ذَكَرَ لِي أَنَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ لَهُ عَقْلٌ ، وَلَهُ فِيكُمْ حَسَبٌ ، فَنُخْبِرُهُ بِمَا نُرِيدُ ، وَنَسْأَلُهُ عَمَا تُرِيدُونَ ، فَإِنْ وَقَعَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَمْرٌ لَنَا فِيهِ ، وَلَكُمْ صَلَاحٌ أَخَذْنَا الْحَظَّ مِنْ ذَلِكَ ، وَحَمِدْنَا اللَّهَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ لَمْ يَتَّفِقْ ذَلِكَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ ، فَإِنَّ الْقِتَالَ مِنْ وَرَاءِ مَا هُنَاكَ ، فَدَعَا nindex.php?page=showalam&ids=5أَبُو عُبَيْدَةَ خَالِدًا ، فَأَخْبَرَهُ بِالَّذِي جَاءَ فِيهِ الرُّومِيُّ ، وَقَالَ لِخَالِدٍ : الْقَهُمْ ، فَادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ ، فَإِنْ قَبِلُوا ، وَإِلَّا فَاعْرِضْ عَلَيْهِمُ الْجِزْيَةَ ، فَإِنْ أَبَوْا ، فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّا سَنُنَاجِزُهُمْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ ، قَالَ : وَجَاءَهُمْ رَسُولُهُمُ الرُّومِيُّ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ ، فَلَمْ يَمْكُثْ ، وَلَكِنْ إِذَا أَصْبَحْتَ غَدَوْتَ إِلَى صَاحِبِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَارْجَعْ ، فَأَعْلِمْهُ ، فَجَعَلَ الْمُسْلِمُونَ يَنْتَظِرُونَ الرُّومِيُّ أَنْ يَقُومَ إِلَى صَاحِبِهِ ، وَيُخْبِرَهُ بِمَا رَدُّوا عَلَيْهِ ، فَأَخَذَ الرُّومِيُّ لَا يَبْرَحُ ، وَيَنْظُرُ إِلَى رِجَالٍ مِنَ الْمِسْلِمِينَ وَهُمْ يُصَلُّونَ ، وَيَدْعُونَ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - ، وَيَتَضَرَّعُونَ إِلَيْهِ ، فَقَالَ : nindex.php?page=showalam&ids=59عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - : إِنَّ رَسُولَكُمْ هَذَا الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ ، فَقَالَ nindex.php?page=showalam&ids=5أَبُو عُبَيْدَةَ : كَلَّا أَمَا تَنْظُرُ إِلَى نَظَرِهِ إِلَى الْمِسْلِمِينَ ، وَجَعَلَ الرُّومِيُّ مَا يَصْرِفُ بَصَرَهُ عَنْهُمْ ، فَقَالَ nindex.php?page=showalam&ids=5أَبُو عُبَيْدَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - : إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - قَدْ قَذَفَ فِي قَلْبِهِ الْإِيمَانَ ، وَحَبَّبَهُ إِلَيْهِ ، وَعَرَّفَهُ فَضْلَهُ ، فَمَكَثَ الرُّومِيُّ بِذَلِكَ قَلِيلًا ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى nindex.php?page=showalam&ids=5أَبِي عُبَيْدَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ، فَقَالَ : أَيُّهَا الرَّجُلُ ، مَتَى دَخَلْتُمْ فِي هَذَا الدِّينِ ؟ وَمَتَى دَعَوْتُمْ إِلَيْهِ النَّاسَ ؟ فَقَالَ nindex.php?page=showalam&ids=5أَبُو عُبَيْدَةَ : مُنْذُ بِضْعٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً ، فَمِنَّا مَنْ أَسْلَمَ حِينَ أَتَاهُ الرَّسُولُ ، وَمِنَّا مَنْ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ ، فَقَالَ : هَلْ كَانَ رَسُولُكُمْ أَخْبَرَكُمْ أَنَّهُ يَأْتِي مِنْ بَعْدِهِ رَسُولٌ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - [ ص: 236 ] ذَلِكَ مِنَ الشَّاهِدِينَ ، فَإِنَّ عِيسَى صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ قَدْ بَشَّرَنَا بِرَاكِبِ الْجَمَلِ ، وَمَا أَظُنُّهُ إِلَّا صَاحِبَكُمْ ، فَأَخْبِرْنِي : هَلْ قَالَ صَاحِبُكُمْ فِي عِيسَى شَيْئًا ؟ وَمَا قَوْلُكُمْ أَنْتُمْ فِيهِ ؟ قَالَ nindex.php?page=showalam&ids=5أَبُو عُبَيْدَةَ : قَوْلُ صَاحِبِنَا هُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ، وَهُوَ أَصْدَقُ الْقَوْلِ ، وَأَبَرَّهُ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=59إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ، ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) ، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=171يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ ) إِلَى قَوْلِهِ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=172لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ ) ، فَفَسَّرَ لَهُ التُّرْجُمَانُ هَذَا بِالرُّومِيَّةِ ، فَقَالَ : أَشْهَدُ أَنَّ هَذِهِ صِفَةُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّكُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَادِقٌ ، وَأَنَّهُ الَّذِي بَشَّرَنَا بِهِ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ، وَأَنَّكُمْ قَوْمُ صِدْقٍ ، وَقَالَ nindex.php?page=showalam&ids=12077لِأَبِي عُبَيْدَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - : ادْعُ لِي رَجُلَيْنِ مِنْ أَوَائِلِ أَصْحَابِكَ إِسْلَامًا ، وَهُمَا فِيمَا تَرَى أَفْضَلُ ، فَدَعَا لَهُ nindex.php?page=showalam&ids=5أَبُو عُبَيْدَةَ nindex.php?page=showalam&ids=32مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ ، وَسَعِيدَ بْنَ زَيْدِ بْنِ هَذَانِ مِنْ أَفْضَلِ الْمُسْلِمِينَ إِسْلَامًا ، فَقَالَ لَهُمُ الرُّومِيُّ : أَتَضْمَنُونَ لِيَ الْجَنَّةَ إِنْ أَنَا أَسْلَمْتُ ، وَجَاهَدْتُ مَعَكُمْ ، قَالُوا : نَعَمْ ، إِنْ أَنْتَ أَسْلَمْتَ وَاسْتَقَمْتَ ، وَلَمْ تُغَيِّرْ حَتَّى تَمُوتَ ، وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ ، فَأَسْلَمَ ، وَفَرِحَ الْمُسْلِمُونَ بِإِسْلَامِهِ ، وَصَافَحُوهُ ، وَدَعُوا لَهُ بِخَيْرٍ .
قَالَ الْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : هَذَا آخِرُ مَا اتَّفَقَ إِمْلَاؤُهُ فِي دَلَائِلِ نُبُوَّةِ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، أَمْلَيْتُهُ عَلَى قَدْرِ مَا وَصَلَتْ يَدِي إِلَيْهِ ، مَعَ تَقَسُّمِ الْفِكْرِ ، أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَنْفَعَنِي وَطَلَبَةَ الْعِلْمِ بِذَلِكَ ، وَأَسْأَلُهُ أَنْ يَرْحَمَنِي وَإِيَّاهُمْ ، وَيَخُصَّ وَلَدِي
أَبَا عَبْدِ اللَّهِ بِالنَّصِيبِ الْأَوْفَى مِنْ ذَلِكَ ، وَأَنْ يُجْزِلَ لَهُ كَرَامَةَ الْآخِرَةِ ، وَلَا يَحْرِمَهُ نَعِيمَهَا كَمَا حَرَمَهُ نَعِيمَ الدُّنْيَا ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى
مُحَمَّدٍ نَبِيِّهِ ، وَآلِهِ وَسَلَّمَ .
تَمَّ انْتِسَاخُ كِتَابِ دَلَائِلُ النُّبُوَّةِ بِحَمْدِ اللَّهِ الْمُنَزَّهِ عَنِ الْبُنُوَّةِ ، وَالْأُبُوَّةِ بِيَدِ الْعَبْدِ الضَّعِيفِ
أَبِي رَوْحٍ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي ذَرٍّ الصَّالِحَانِيِّ سَادِسَ عَشَرَ جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ ثَمَانِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ ، رَوَّحَ اللَّهُ مَنْ دَعَا لَهُ بِالْغُفْرَانِ .