الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
[ ص: 217 ] ( الرابع ) :

مما احتجت المعتزلة لمذهبهم في نفي الشفاعة بقوله تعالى : ( واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ) وقوله : ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع ، وزعموا أن من دخل جهنم يخلد فيها لأنه إما كافر أو صاحب كبيرة مات بلا توبة ، هذا رأيهم ومن وافقهم ، وهو رأي فاسد ومذهب باطل ترده الأخبار الصحيحة ، والآثار الصريحة ، وإجماع أهل الحق أيدهم الله تعالى ، وأجابوا عن الآية الكريمة أن المراد بقوله تعالى : ( لا تجزي نفس عن نفس شيئا ) الكفار للآيات الواردة ، والأخبار الثابتة في الشفاعة ، قال القاضي البيضاوي : تمسكت المعتزلة بهذه الآية على نفي الشفاعة لأهل الكبائر ، وأجيب بأنها مخصوصة للكفار ، ويؤيد هذا أن ميثاق الخطاب معهم .

والآية نزلت ردا لما كانت اليهود تزعم أن آباءهم تشفع لهم . انتهى .

وعن قوله تعالى ( ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع ) المراد بالظالمين الكفار ، فإن الظالم على الإطلاق هو الكافر ، وقالت المعتزلة في قوله تعالى ( إنك من تدخل النار فقد أخزيته ) - ( ولا يشفعون إلا لمن ارتضى ) - ( وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى ) . ومن أخزاه الله لا يرتضيه ، ومن ارتضاه لا يخزيه ، قال تعالى : ( يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم ) الآية ، والجواب عن الآية الأولى ما قال سيدنا أنس بن مالك - رضي الله عنه - خادم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معنى ( من تدخل النار ) من تخلد .

وقال قتادة : تدخل مقلوب تخلد . ولا نقول كما قال أهل حروراء : " يعني الخوارج " ، فعلى هذا قوله قد أخزيته على بابه من الهلاك أي : أهلكته وأبعدته ومقته ، ولهذا قال سعيد بن المسيب : الآية جاءت خاصة في قوم لا يخرجون من النار ، دليله قوله في آخر الآية ( وما للظالمين من أنصار ) أي الكفار ، وإن سلم أن الآية في عصاة الموحدين فالمراد بالخزي الحياء ، يقال : خزي يخزى خزاية إذا استحى ، فهو خزيان ، وامرأة خزيا ، فخزي المؤمنين يومئذ استحياؤهم من دخول النار ودار البوار مع أهل الشرك والكفار ، ثم يخرجون بشفاعة النبي الكريم ، ورحمة الرءوف الرحيم ، ونفي النصرة لا يستلزم نفي الشفاعة لأنها طلب من خضوع ، والنصرة ربما تبنى على المدافعة والممانعة والاستعلاء ، على أنا نقول لا يسلم لهم زعمهم أن الفاسق [ ص: 218 ] غير مرضي مطلقا ، بل هو مرضي من جهة الإيمان والعمل الصالح ، وإن كان مبغوضا من جهة الذنوب والعصيان وارتكاب القبائح ، بخلاف الكافر فإنه ليس بمرضي مطلقا لعدم الأساس الذي تبنى عليه الحسنات والاعتداد بالكمالات وهو الإيمان .

والحاصل أن الإيمان بالشفاعة واجب ، وقد قدمنا من النصوص ما لعله يقلع شروش الاختلاج من خواطر من أذعن لها ، وخلع من عنقه ربقة تقليد أهل الزيغ والاعوجاج ، كيف والنصوص متواترة ، والآثار متوافرة ، والعقل الصحيح لا يحيل ذلك ، والنقل الصريح ناطق بما هنالك ، فدع عنك نحلة فلانة وفلان ، واعقد قلبك على ما صح عن سيد ولد عدنان ، وأصحابه والتابعين لهم بإحسان ، فإنه الحق الذي لا عقل يحيله ، ولا نقل يزيله ، والله تعالى الموفق .

التالي السابق


الخدمات العلمية