الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
( الثالث ) :

قال ابن مفلح في فروعه : ولم يبعث إليهم - يعني الجن - نبي قبل نبينا - صلى الله عليه وسلم ، قال : وليس منهم رسول ، ذكره القاضي أبو يعلى وابن عقيل وغيرهما ، وأجابوا عن قوله تعالى ( يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم ) أنها كقوله تعالى ( يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان ) وإنما يخرج من أحدهما ، وكقوله : ( وجعل القمر فيهن نورا ) وإنما هو في سماء واحدة .

قال : وللمفسرين قولان ، والقول بأن منهم رسلا قول الضحاك وغيره . قال الإمام الحافظ ابن الجوزي : وهو ظاهر الكلام .

وقال الحافظ السيوطي في ( لقط المرجان ) : جمهور العلماء سلفا وخلفا على أنه لم يكن من الجن قط رسول ولا نبي ، كذا روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - ومجاهد والكلبي وأبي عبيد ، وقد أخرج عبد بن حميد وابن المنذر ، وابن أبى حاتم عن مجاهد في قوله تعالى ( يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم ) قال : ليس في الجن رسل إنما الرسل في الإنس ، والنذارة في الجن ، وقرأ ( فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين ) ، وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قوله : رسل منكم قال : رسل الرسل ، وقرأ الآية .

قال ابن جرير ، وأما [ ص: 224 ] الذين قالوا بقول الضحاك ، فاحتجوا بأن الله أخبر أن من الجن رسلا أرسلوا إليهم ، قالوا : لو جاز أن يكون خبره عن رسل الجن بمعنى رسل الإنس لجاز أن يكون خبره عن رسل الإنس بمعنى أنهم رسل الجن ، وفي فساد هذا المعنى ما يدل على أن الخبرين جميعا بمعنى الخبر عنهم أنهم رسل الله ؛ لأنه المعروف في الخطاب دون غيره .

وقال أبو محمد بن حزم :

لم يبعث إلى الجن نبي من الإنس البتة قبل محمد - صلى الله عليه وسلم - لأنه ليس الجن من قوم الإنس ، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم : " وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة " . قال : وباليقين ندري أنهم قد أنذروا ، وأفصح أنهم كان لهم أنبياء منهم في قوله ( ألم يأتكم رسل منكم ) . انتهى .

وتأول الجمهور كل ما ورد من ذلك ، ولا يخفى أن ظاهر القرآن مع ما قاله الضحاك والأكثرون على خلافه ، وتحقيق ذلك والبحث فيه مما لا فائدة فيه لعدم ترتب شيء عليه ، غير أن نقطع بأنهم سمعوا ببعثة رسل الإنس لقوله تعالى ( إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى ) وظاهر هذا أنهم كانوا مؤمنين بشريعة موسى عليه السلام ، والظاهر أن الشياطين الذين سخرهم الله لسليمان كانوا يأتمرون في الشرائع بقوله ، وهو كان من أنبياء بني إسرائيل ، وهل كان على شرع مستقل أو شرع موسى ؟ قلت : الظاهر كما يفهم من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في الجواب الصحيح وغيره أنه كان على شرع موسى ؛ لأن شريعة التوراة استمرت من عهد موسى إلى أن بعث عيسى ، فنسخ بعضها وأمر باتباع بعض ، وهذا ظاهر في أنه كان على شريعة موسى ، بل صريح والله أعلم .

( الرابع ) :

قال في الفروع : قال شيخنا - يعني في الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه : ليس الجن كالإنس في الحد والحقيقة ، فلا يكون ما أمروا به وما نهوا عنه مساويا لما على الإنس في الحد والحقيقة ، لكنهم مشاركوهم في جنس التكليف بالأمر والنهي والتحليل والتحريم بلا نزاع أعلمه بين العلماء ، فقد يدل ذلك على مناكحتهم وغيرها .

قال في الفروع : وقد يقتضيه إطلاق أصحابنا . وفي المغني وغيره أن الوصية لا تصح لجني ؛ لأنه لا يملك بالتمليك كالهبة .

قال في الفروع : فيتوجه من انتفاء التمليك [ ص: 225 ] منا منع الوطء لأنه في مقابلة مال ، قال الله تعالى : ( والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا ) ، وقال : ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها ) قال : وقد جعل أصحابنا هذا المعنى في شروط الكفاءة فههنا أولى ، قال : ومنع منه غير واحد من متأخري الحنفية وبعض الشافعية ، وجوزه منهم ابن يونس في شرح الوجيز . قال في مسائل حرب : باب مناكحة الجن ثم روى عن الحسن وقتادة والحكم وإسحاق كراهتها ، وروى من رواية ابن لهيعة عن يونس عن الزهري : نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن نكاح الجن .

وعن زيد العمي : اللهم ارزقني جنية أتزوجها تصاحبني حيث ما كنت . قال في الفروع : ولم يذكر حرب عن الإمام أحمد شيئا ، وعن مالك : لا بأس به في الدين ، ولكنني أكره إذا وجدت امرأة حامل فقيل : من زوجك ؟ قالت : من الجن ، فيكثر الفساد . انتهى .

وذكر الحافظ السيوطي آثارا وأخبارا عن السلف والعلماء تدل على وقوع التناكح بين الجن والإنس .

وقد حدثني بوقوعه جماعة معهم أنفسهم ، فالله أعلم بصحة ذلك ، وإن ظهر مخايل ثبوته ، فأنا على شك منه ، والله الموفق .

التالي السابق


الخدمات العلمية