( ( فإنه ينظر بالأبصار كما أتى في النص والأخبار ) )
( ( فإنه ) ) سبحانه ، وتعالى ( ( ينظر بالأبصار ) ) في دار المقامة والقرار ، باتفاق أئمة الدين الأبرار ، وسلف الأئمة الأخيار ( ( كما أتى ) ) أي جاء ( ( في النص ) ) القرآني ، والتنزيل الرحماني ، أصل النص أقصى الشيء وغايته ، وفي حديث كعب : يقول الجبار : احذروني فإني لا أناص عبدا إلا عذبته ، أي : لا أستقصي عليه في السؤال والحساب ، وروى الخطابي عن مثله ، ومنه قول الفقهاء : نص القرآن ونص السنة ، أي : ما دل ظاهر لفظهما عليه من الأحكام ، وفي كلام عون بن عبد الله : ما رأيت رجلا أنص للحديث من عمرو بن دينار ، أي : أرفع له وأسند ( ( و ) ) كما أتى في [ ص: 241 ] ( ( الأخبار ) ) النبوية ، والآثار السلفية ، وأجمع عليه أهل الحق وسلف الأمة وأهل الصدق وأعلام الأئمة ، الزهري أعظم وأجل وأشرف ، وأنعم نعيم الجنة قدرا ، وأعلاه وأغلاه خطرا وأمرا ، وهي الغاية القصوى والنهاية العظمى التي شمر إليها السابقون ، وتنافس فيها المتنافسون ، واتفق الأنبياء والمرسلون ، والصحابة والتابعون ، وأئمة السلف والدين على ثبوتها في دار القرار ، من غير شك ولا إنكار ، وإنما أنكرها أهل البدع والضلال ، والتجهم والاعتزال ، قال الله تعالى في محكم الذكر : ( ورؤية الله رب العالمين وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ) وقال ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) ، وقال في حق أهل الكفر والفجور ( كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ) وقال تعالى ( ولدينا مزيد ) وأخرج مسلم ، والترمذي عن وابن ماجه صهيب - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " " ثم تلى هذه الآية ( إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله تعالى : تريدون شيئا أزيدكم ؟ فيقولون : ألم تبيض وجوهنا ! ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار ! ، قال : فيكشف الحجاب ، فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) يعني أنه يرفع الموانع عن الإدراك عن أبصارهم حتى يروه على ما هو عليه من نعوت العظمة والجلال ، فذكر الحجاب إنما هو في حق الخلق لا الخالق ، كذا قال القرطبي : في تذكرته .
وأخرج ، ابن جرير وابن مردويه عن - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " أبي موسى الأشعري إن الله يبعث يوم القيامة مناديا ينادي بصوت يسمعه أولهم وآخرهم يا أهل الجنة إن الله وعدكم الحسنى وزيادة ، الحسنى الجنة ، والزيادة النظر إلى وجه الرحمن " . وأخرج ، ابن جرير وابن مردويه أيضا ، واللالكائي في السنة عن مرفوعا مثله . وأخرجوا أيضا ، كعب بن عجرة مثله عنه مرفوعا ، وابن أبى حاتم وابن مردويه عن - رضي الله عنهما - مرفوعا : " ابن عمر الحسنة الجنة ، والزيادة النظر إلى وجه الله " ، وابن مردويه أيضا وأبو الشيخ واللالكائي عن أنس - رضي الله عنه - مرفوعا : " الحسنة والزيادة كالذي قبله سواء " ومن حديث كذلك رواه أبي هريرة أبو الشيخ ، وعن الصديق - رضي الله عنه - موقوفا مثله رواه ابن [ ص: 242 ] جرير وابن مردويه وابن المنذر وأبو الشيخ واللالكائي ، والآجري وابن مردويه ، وعن علي - رضي الله عنه - رواه ابن مردويه ، وعن حذيفة - رضي الله عنه - رواه ابن جرير وابن المنذر ، وأبو الشيخ واللالكائي ، وكذا عن والآجري رضي الله عنه ، ومثله عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنهما - وغيره من الصحابة - رضي الله عنهم ، ومثله عن ابن عباس سعيد بن المسيب والحسن البصري وعبد الرحمن بن أبي ليلى وعامر بن سعد البجلي وأبي إسحاق السبيعي وعبد الرحمن بن سابط وعكرمة ومجاهد وقتادة وغيرهم من التابعين .
قال الإمام الحافظ البيهقي في كتابه الرؤية : هذا تفسير قد استفاض ، واشتهر فيما بين الصحابة والتابعين ، ومثله لا يقال إلا بتوقيف ، وفسروا قوله تعالى ( وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ) قال - رضي الله عنهما - حسنة إلى ربها ناظرة - قال : نظرت إلى الخالق . وقال ابن عباس عكرمة : ناضرة من النعم ، إلى ربها ناظرة - قال : تنظر إلى الله نظرا ، وقال الحسن : النضرة الحسن - إلى ربها ناظرة - نظرت إلى ربها فنضرت بنوره ، وقال محمد بن كعب الكرزي : نضر الله تلك الوجوه وحسنها للنظر إليها ، ومثله عن مجاهد ، وأخرج ابن أبي حاتم واللالكائي عن الحسن في قوله ( كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ) قال : إذا كان يوم القيامة برز ربنا تبارك وتعالى فيراه الخلق ، ويحجب الكفار فلا يرونه ، وروى اللالكائي عن أشهب قال : سأل رجل مالكا هل يرى المؤمنون ربهم يوم القيامة ؟ فقال مالك : لو لم يرى المؤمنون ربهم يوم القيامة لم يعاقب الكفار بالحجاب ، فقال : ( كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ) قيل : فإن قوما يزعمون أن الله لا يرى ، فقال مالك : السيف السيف . وأخرج اللالكائي عن المزني قال : سمعت يقول في قوله تعالى ( الشافعي كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ) : فيها دلالة على أن ، ونقل ذلك عن الإمام أولياء الله يرون ربهم يوم القيامة - رضي الله عنه - من عدة وجوه . الشافعي
وقال : قال الطبراني ، علي بن أبي طالب - رضي الله عنهما - في قوله تعالى ( وأنس بن مالك لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد ) : هو النظر إلى رحمة الله - عز وجل . وقاله من التابعين وغيره كما في حادي الأرواح ، فهذه تفاسير هذه الآيات مسندة عن النبي صلى [ ص: 243 ] عليه وسلم وأصحابه والتابعين بلغت مبلغ التواتر عند أئمة الحديث . وأما الأحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الواردة في الرؤية فأخرج زيد بن وهب اللالكائي في السنة من طريق مفضل بن غسان قال : سمعت يقول : عندي سبعة عشر حديثا في الرؤية كلها صحاح . يحيى بن معين
وقد ورد ذلك من حديث الصديق وأنس وجابر وجرير البجلي وحذيفة بن اليمان وزيد بن ثابت وصهيب وعبادة بن الصامت وابن عباس وابن عمر وابن مسعود ولقيط بن عامر وأبي رزين وعلي بن أبي طالب وعدي بن حاتم وفضالة بن عبيد وعمار بن ياسر وأبي سعيد الخدري وأبي موسى الأشعري - رضي الله عنهم - أجمعين ، ففي وبريدة بن الحصيب الأسلمي البخاري ومسلم وغيرهما من حديث - رضي الله عنه - أبي هريرة " الحديث . أن ناسا قالوا : يا رسول الله نرى ربنا يوم القيامة ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر ؟ " قالوا : لا يا رسول الله ، قال : " تضارون في رؤية الشمس ليس دونها حجاب ؟ " قالوا : لا ، قال : " فإنكم ترونه كذلك
وفي الصحيحين وغيرهما عن قال : جرير البجلي وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب ) وقد عدد في حادي الأرواح رواة من روى رؤية الباري - عز وجل - فزادوا عن الحد . قال العلماء : كان التشبيه للرؤيا ، وهو فعل الرائي لا المرئي ، والمعنى : ترون ربكم رؤية ينزاح معها الشك ، وتنتفي معها الريبة كرؤيتكم القمر لا ترتابون ولا تمترون ، وفي لفظ : " لا تضامون " وروي بتخفيف الميم وضم أوله من الضيم ، أي : لا يلحقكم في رؤيته ضيم ولا مشقة ، وبتشديدها والفتحة على حذف إحدى التائين ، والأصل : لا تضامون ، أي : لا يضام بعضكم بعضا كما يفعل الناس في طلب الشيء الخفي الذي لا يسهل إدراكه فيتزاحمون عند ذلك ينظرون إلى جهة يضام بعضهم بعضا ، يريد : إنكم ترونه وكل واحد في مكانه . كنا جلوسا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فنظر إلى القمر ليلة أربعة عشر فقال : " إنكم سترون ربكم عيانا كما ترون هذا لا تضارون في رؤيته ، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل الغروب فافعلوا " ثم قرأ (
وفي الصحيحين ، وغيرهما أيضا عن - رضي الله عنه - أبي سعيد الخدري " الحديث . أن ناسا [ ص: 244 ] في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - قالوا : يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " نعم ، فهل تضارون في رؤية الشمس بالظهيرة صحوا ليس معها سحاب ؟ وهل تضارون في رؤية القمر في ليلة البدر صحوا ليس فيها سحاب ؟ قالوا : لا يا رسول الله ، قال : " ما تضارون في رؤية الله تبارك وتعالى يوم القيامة إلا كما تضارون في رؤية أحدهما
وأخرج الترمذي عن سعيد بن المسيب فقال أبا هريرة : أسأل الله أن يجمع بيني وبينك في سوق الجنة ، قال سعيد : أفيها سوق ؟ قال : نعم ، أخبرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أهل الجنة إذا دخلوها نزلوا فيها بفضل أعمالهم . ثم يؤذن لهم في مقدار يوم الجمعة من أيام الدنيا ، فيزورون ربهم ويبرز لهم عرشه ، ويتبدى لهم في روضة من رياض الجنة فتوضع لهم منابر من نور ، ومنابر من لؤلؤ ، ومنابر من ياقوت ، ومنابر من زبرجد ، ومنابر من ذهب ، ومنابر من فضة ، ويجلس أدناهم - وما فيهم من دني - على كثبان المسك والكافور وما يرون أن أصحاب الكراسي بأفضل منهم مجلسا " قلت : يا رسول الله ، وهل نرى ربنا ؟ قال : " نعم ، هل تمارون في رؤية الشمس والقمر ليلة البدر ؟ قلنا : لا ، قال : " كذلك لا تمارون في رؤية ربكم ، ولا يبقى في ذلك المجلس رجل إلا حاضره الله محاضرة حتى يقول للرجال منهم : يا فلان بن فلان أتذكر يوم فعلت كذا وكذا ؟ فيذكره ببعض غدراته في الدنيا ، فيقول : يا رب أفلم تغفر لي ؟ فيقول : بلى بسعة مغفرتي بلغت منزلتك هذه أبو هريرة " الحديث . أنه لقي
والأحاديث في ذلك كثيرة جدا في الصحاح والسنن والمسانيد وغيرها ، وقد قيل - رضي الله عنهما - من دخل الجنة يرى الله - عز وجل ؟ قال : نعم . وقال لابن عباس - رضي الله عنه : يحشر الناس يوم القيامة في صعيد واحد فينادى : أين المتقون ؟ فيقومون في كنف الرحمن لا يحتجب الله منهم ولا يستتر ، فقيل له : من المتقون ؟ قال : قوم اتقوا الشرك وعبادة الأوثان وأخلصوا لله العبادة ، فيمرون من الجنة . ولهذه الجنة أشار بقوله : معاذ بن جبل