( تتمة ) ذكر - رحمه الله تعالى - في كتابه الشفا أنه يجب على المتكلم فيما يجوز على النبي - صلى الله عليه وسلم - وما لا [ ص: 309 ] يجوز على طريق المذاكرة والتعليم أن يلتزم في كلامه عند ذكره - عليه الصلاة والسلام - وذكر تلك الأحوال ، أبو الفضل القاضي عياض ، ويراقب حال بيانه ولا يهمله ، وتظهر عليه علامات الأدب عند ذكره ، فإذا ذكر ما قاساه - عليه السلام - من الشدائد ظهر عليه الإشفاق والارتماض والغيظ على عدوه ، ومودة الفداء للنبي - صلى الله عليه وسلم - لو قدر عليه والنصرة له لو أمكنته ، وإذا أخذ في أبواب العصمة وتكلم على مجاري أعماله وأقواله - عليه السلام - تحرى أحسن اللفظ ، وآدب العبارة ما أمكنه ، واجتنب بشع ذلك ، وهجر من تلك العبارة ما يقبح كلفظة الجهل والكذب والمعصية ، فإذا تكلم في الأقوال قال : هل يجوز الخلف في القول والإخبار بخلاف ما وقع سهوا أو غلطا ؟ ونحوه من العبارة ، وتجنب لفظة الكذب جملة واحدة ، وإذا تكلم على العلم قال : هل يجوز أن لا يعلم إلا ما علم ؟ وهل يمكن أن لا يكون عنده علم من بعض الأشياء حتى يوحى إليه ؟ ولا يقول يجهل لقبح لفظه وشناعته ، وإذا تكلم في الأفعال قال : هل يجوز منه المخالفة في بعض الأوامر والنواهي ومواقعة بعض الصغائر ؟ فهو آدب وأولى من قوله : هل يجوز أن يعصي أو أن يذنب أو أن يفعل كذا وكذا من أنواع المعاصي ؟ فهذا من حق توقيره عليه الصلاة والسلام وما يجب له من توقير وإعظام قدر . الواجب توقيره وتعظيمه
وأما ما يورده على جهة النفي والتنزيه عنه فلا حرج في شرح العبارة وتصريحها كقوله : لا يجوز - عليه السلام - الكذب جملة ، ولا إتيان الكبائر بوجه ، ولا الجور في الحكم على حال . ولكن مع هذا يجب ظهور توقيره وتعظيمه عند ذكره مجردا فكيف عند ذكر مثل هذا ؟ وقد كان السلف يظهر عليهم حالات شديدة عند مجرد ذكره - صلى الله عليه وسلم - . انتهى ملخصا .
ومثله في ذلك جميع الأنبياء والمرسلين - صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين - . وقد فهم مما تقدم الواجب في حقهم ، والمستحيل عليهم مما عصموا منه صلوات الله وسلامه عليهم ، وأشار إلى الجائز في حقهم بقوله :