( تنبيه ( اعلم أن عمر بن الخطاب أمير المؤمنين - رضي الله عنه - مرتبة ولازمة لحقية خلافة الصديق الأعظم خلافة سيدنا أبي بكر - رضي الله عنه - ، وقد قام الإجماع وإشارات الكتاب والسنة على حقية خلافته ، فما ثبت للأصل الذي هو من حقية الخلافة يثبت لفرعه الذي هو الصديق فيها ، فلا مطمع لأحد من فرق الضلال في الطعن والنزاع في حقية الخلافة ، وقد علم أهل العلم علما باتا ضروريا أن الصحابة الكرام أجمعوا على تولية عمر بن الخطاب الخلافة ، ومن شذ لا يقدح في ذلك من غير مرية . الصديق
فقد أخرج الحاكم وصححه عن - رضي الله عنه - قال : " ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن ، وما رآه المسلمون سيئا فهو عند الله سيئ " . وقد رأى [ ص: 327 ] الصحابة - رضي الله عنهم - أن يستخلف ابن مسعود أبو بكر فهذا صح عن - رضي الله عنه - وهو من أكابر الصحابة وفقهائهم ومتقدميهم ، فحكى الاجتماع عن الصحابة على خلافة ابن مسعود أبي بكر ، ولذلك كان هو أحق بها عند جميع أهل السنة والجماعة في كل عصر ومصر ، وكذلك عند المعتزلة وأكثر فرق الأمة على أنه أحق بها من جميع الصحابة . روى البيهقي عن الزعفراني قال : سمعت - رضي الله عنه - يقول : أجمع الناس على خلافة الشافعي أبي بكر - رضي الله عنه - ، وذلك أنه اضطرب الناس بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فلم يجدوا تحت أديم السماء خيرا من أبي بكر فولوه رقابهم . وأخرج أسد السنة عن قال : ما كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يشكون أن معاوية بن قرة أبا بكر خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما كانوا يسمونه إلا خليفة رسول الله ، وما كانوا يجتمعون على خطأ ولا على ضلالة ، وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما مما بلغ التواتر وعلم من الدين بالضرورة أن أمير المؤمنين - رضي الله عنه - بايعه واعتذر إليه عن تأخره لعدم مشورته ، وإن له حقا في الشورى حتى إن سيدنا علي بن أبي طالب عليا - رضي الله عنه - بايع أبا بكر على المنبر لإزالة شبهة التخلف وفرح الناس بذلك . والنصوص المشيرة إلى خلافة كثيرة . الصديق
ومن أعظم فضائل الصديق ، وأتم فراسته على التحقيق ، وأكمل نصحه لهذا الدين القويم استخلافه أمير المؤمنين ، لما حصل به من عموم النفع وفتح البلاد ، وظهور الإسلام الظهور التام ، وقمع أهل الكفر وعبدة الأصنام ، فإن عمر الفاروق - رضي الله عنه - لما ثقل به المرض دعا أبا بكر الصديق فقال : أخبرني عن عبد الرحمن بن عوف . فقال : ما تسألني عن أمر أنت أعلم به مني . فقال عمر بن الخطاب أبو بكر : وإن كان ، فقال عبد الرحمن : هو والله أفضل من وراءك ورأيك فيه أتم رأي ، فدعا فقال : أخبرني عن عثمان بن عفان عمر . فقال : أنت أخبرنا به . وقال لعلي كذلك ، فقال علمك في ذلك ؟ فقال للصديق : علمي به أن سريرته خير من علانيته ، وأنه ليس فينا مثله ، وشاور معهما زيدا وغيرهما من وأسيد بن حضير المهاجرين والأنصار ، فقال : اللهم علمه الخير ، ثم دعا عثمان فكتب عهده لعمر ، ثم أمر بالكتاب فختمه ، ثم أمر عثمان فخرج بالكتاب مختوما ، فبايع الناس ورضوا به ، ثم دعا أبو بكر [ ص: 328 ] - رضي الله عنه - عمر خاليا فأوصاه بما أوصاه ، ثم خرج من عنده ، فرفع أبو بكر يديه ، فقال : اللهم إني لم أرد بذلك إلا إصلاحهم ، وخفت عليهم الفتنة فعملت فيهم ما أنت أعلم به ، واجتهدت لهم رأيي فوليت عليهم خيرهم وأقواهم عليهم ، وأحرصهم على ما يرشدهم ، وقد حضرني من أمرك ما حضرني ، فاخلفني فيهم فهم عبادك ونواصيهم بيدك ، أصلح ولايته واجعله من خلائفك الراشدين ، وأصلح له رعيته .
وقد قال : أفرس الناس ثلاثة : ابن مسعود أبو بكر استخلف عمر ، وصاحبة موسى حين قالت : استأجره ، والعزيز حين تفرس في يوسف فقال لامرأته : أكرمي مثواه .
وأخرج عن ابن عساكر يسار بن حمزة قال : لما ثقل أبو بكر أشرف على الناس من كوة ، فقال : أيها الناس إني قد عهدت عهدا أفترضون به ؟ فقال الناس : رضينا يا خليفة رسول الله ، فقام علي - رضي الله عنه - فقال : لا نرضى إلا أن يكون عمر . قال : إنه عمر . - رضي الله عنهم أجمعين - .