( ( فالحد وهو أصل كل علم وصف محيط كاشف فافتهم ) )
( ( وشرطه طرد وعكس وهو إن أنبا عن الذوات فالتام استبن ) )
( ( وإن يكن بالجنس ثم الخاصه فذاك رسم فافهم المحاصه ) )
( ف ) إذا عرفت ما ذكرناه لك من التمهيد وطلبت
nindex.php?page=treesubj&link=28603تعريف الحد المذكور ، ف ( الحد ) في اللغة المنع ، ومنه سمي البواب حدادا لأنه يمنع من يدخل الدار ، والحدود حدودا لأنها تمنع من العود إلى المعصية ، وسمي التعريف حدا لمنعه الداخل فيه من الخروج عنه والخارج عنه من الدخول فيه ، وقوله ( ( وهو ) ) أي الحد ( ( أصل كل علم ) ) جملة معترضة بين المبتدأ الذي هو الحد وخبره الذي هو وصف إلخ ، وإنما كان أصلا للعلوم لأن من لا يحيط به علما لا ينتفع بما عنده ، قال
الفخر أبو محمد إسماعيل البغدادي من علمائنا :
nindex.php?page=treesubj&link=28604الحد على الحقيقة أصل كل علم فمن لا يحيط به علما لا نفع [ ص: 441 ] له بما عنده ، وقاله غيره وهو صحيح كما في شرح مختصر التحرير ، والحد في الاصطلاح ( ( وصف محيط ) ) بموصوفه ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=14953الإمام القاضي أبو يعلى من أئمة علمائنا : معنى الحد هو الجامع لجنس ما فرقه التفصيل المانع من دخول ما ليس من جملته فيه ، وفي التحرير : المحيط بمعناه أي بمعنى المحدود فكأنه قال : حد الشيء الوصف المحيط بمعناه ، ( ( كاشف ) ) بالرفع عطف على محيط الذي هو نعت لوصف أي مميز للمحدود عن غيره ، ولذا قال
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي : قيل حد الشيء نفسه وذاته ، وقيل هو اللفظ المفسر لمعناه على وجه يجمع ويمنع . وقال
العلامة ابن حمدان في نهاية المبتدئين : إنه قول يكشف حقيقة الحدود . وذكر فيه ثمانية أقوال .
( ( فافتهم ) ) أمر بالانفعال ؛ لقبول الفهم بالتفهم ، والفهم إدراك معنى الكلام بسرعة كما في واضح
ابن عقيل ، واستظهروا عدم تقييده بسرعة كما قاله
الطوفي في شرح مختصره ، وتبعه
العلامة أبو بكر الجراعي في حواشي أصول
ابن اللحام ، قال
الطوفي : لأن من سمع كلاما ولم يدرك معناه إلا بعد شهر أو أكثر قيل فهم ، وبذلك يقال الفهم إما بطيء أو سريع فينقسم إليهما ، ومورد القسمة مشترك بين الأقسام نعم السرعة قيد في الفهم الجيد . انتهى . - وقيل : الفهم جودة الذهن من جهة تهيئه لاقتباس ما يرد عليه من الطالب ، والذهن قوة النفس المستعدة لاكتساب الحدود والآراء . ( وشرطه ) أي
nindex.php?page=treesubj&link=28602شرط كون الحد صحيحا ،
nindex.php?page=treesubj&link=20610والشرط في اللغة العلامة ، وفي العرف ما يعتبر للحكم وهو ما يلزم من انتفائه انتفاء الحكم فلا يوجد المشروط مع عدم شرطه ، ولا يلزم من وجود الشرط وجود المشروط ، وهو
nindex.php?page=treesubj&link=20622_20623_20624عقلي ولغوي وشرعي ، فالعقلي كالحياة للعلم ، واللغوي كقوله إن دخلت الدار فأنت طالق ، والشرعي كالطهارة للصلاة ، ( ( طرد ) ) خبر المبتدأ الذي هو شرطه ، وهو المانع الذي كلما وجد الحد وجد المحدود ، ( ( وعكس ) ) وهو الجامع الذي كلما وجد المحدود وجد الحد فهذا عكس الاطراد ويلزم من
[ ص: 442 ] ذلك أنه كلما انتفى الحد انتفى المحدود . وقال
الجراعي في الحواشي : المطرد هو الذي إذا وجد الحد وجد المحدود وهو المانع ، قال : والمنعكس هو الذي إذا عدم الحد عدم المحدود وهو الجامع ، قال : وهذا قول الجمهور ومنهم
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي وابن الحاجب وابن مفلح ، قال : وعكس
القرافي والطوفي فقالا : المطرد هو الجامع والمنعكس هو المانع ، وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=12088أبو علي التميمي في كتاب التذكرة في أصول الدين أن هذا التعريف للحد قول المتكلمين ، وأما
المناطقة فقالوا : إنه القول الدال على ماهية الشيء وهو ما يتحصل من جنس التعريف وفصله ، قال : ولا يحتاج فيه إلى ذكر الطرد والعكس لأن ذلك يتبع الماهية . واعلم أن الحد من حيث هو تام ، ورسمي ، ولفظي .
ولذا قال ( ( وهو ) ) أي الحد ( ( إن أنبأ ) ) أي دل وكشف ( ( عن الذوات ) ) أي ذاتيات المحدود الكلية المركبة كما إذا قيل : ما الإنسان ؟ فيقال : حيوان ناطق ، ( ( ف ) ) هو أي الحد الذي أنبأ عن ذاتيات المحدود الحقيقي ( ( التام ) ) وهو الأصل وله حد واحد لأن
nindex.php?page=treesubj&link=28602ذات الشيء لا يكون له حدان ، مثاله حيوان ناطق فإنه حد للإنسان ، فإن قيل : جميع ذات الشيء عين الشيء والشيء لا يفسر نفسه ، فالجواب أن دلالة المحدود من حيث الإجمال ودلالة الحد من حيث التفصيل ، فليس عينه من كل وجه فصح تعريفه به ، ولذلك لم يجعل اللفظان مترادفين إلا إذا كان الحد لفظيا ، فلذا قال ف ( ( استبن ) ) أي اطلب البيان والكشف عن
nindex.php?page=treesubj&link=28603حقيقة الحد فإن هذا هو الحد الحقيقي التام المنبئ عن ذاتيات المحدود . وإن كان بفصل قريب فقط من غير ذكر جنس فحد حقيقي ناقص كما إذا قيل : ما الإنسان ؟ فقلت : ناطق . وكذا إن كان بفصل وجنس بعيد كجسم ناطق بالنسبة إلى الإنسان ، ( ( وإن يكن ) ) الحد مركبا ( ( بالجنس ) ) أي من الجنس القريب ( ( ثم الخاصة ) ) مثل ذلك حيوان ضاحك بالنسبة إلى الإنسان ، ( ( فذاك ) ) المركب من جنس قريب خاصة نحو الضاحك ( ( رسم ) ) تام ، فإن الضاحك عرض في الفعل مفارق لا بالقوة ، وسمي خاصة لاختصاصه بحقيقة واحدة بالقوة أو الفعل بالنسبة إلى الإنسان ، لأن الضحك بالقوم لازم لماهية الإنسان مختص بها وبالفعل مفارق لها مختص
[ ص: 443 ] بها ، وتعريف الخاصة هي كلية تقال على ما تحت حقيقة واحدة فقط قولا عرضيا .
وإن كان الحد بها أي الخاصة فقط كقولك الإنسان ضاحك سمي رسما ناقصا ، كذا إن كانت الخاصة من جنس بعيد كقولك الإنسان جسم ضاحك ، ( ( فافهم المحاصة ) ) - بضم الميم فحاء مهملة مفتوحة فألف فصاد مهملة مدغمة في مثلها فهاء تأنيث - أي المقاسمة يقال حصص الشيء تحصيصا وحصحص : بان وظهر ، وتحاصوا وحاصوا اقتسموا حصصا كما في القاموس ، قال : والحصة بالكسر النصيب . والمراد افهم ما بين الحد الحقيقي التام كالحيوان الناطق بالنسبة إلى الإنسان ، والحقيقي الناقص وله صورتان : الأولى أن يكون بفصل قريب فقط كالناطق بالنسبة إلى الإنسان ، أو بالفصل مع جنس بعيد كالجسم الناطق بالنسبة إلى الإنسان أيضا ، وكذا افهم الرسم الحقيقي التام والرسم الناقص على ما ذكرنا . والجنس كلي مقول على كثيرين مختلفين بالحقائق في جواب ما هو ؟ كالحيوان بالنسبة إلى أنواعه نحو الإنسان والفرس ، والنوع كلي مقول على كثيرين مختلفين بالعدد دون الحقيقة في جواب ما هو ؟ كالإنسان بالنسبة إلى زيد وعمرو نحوهما من أفراده . والفصل غير مقول في جواب ما هو بل في جواب أي شيء هو في ذاته ؟ وهو الذي يميز الشيء عما يشاركه في الجنس كالناطق بالنسبة إلى الإنسان . والحد اللفظي ما كان بلفظ مرادف أظهر عند السائل من المسئول عنه ، كما لو قال قائل : ما الخنريس ؟ فيقال هو الخمر . والله أعلم .
( ( فَالْحَدُّ وَهْوَ أَصْلُ كُلِّ عِلْمِ وَصْفٌ مُحِيطٌ كَاشِفٌ فَافْتَهِمِ ) )
( ( وَشَرْطُهُ طَرْدٌ وَعَكْسٌ وَهُوَ إِنْ أَنْبَا عَنِ الذَّوَاتِ فَالتَّامُ اسْتَبِنْ ) )
( ( وَإِنْ يَكُنْ بِالْجِنْسِ ثُمَّ الْخَاصَّهْ فَذَاكَ رَسْمٌ فَافْهَمِ الْمُحَاصَّهْ ) )
( فَ ) إِذَا عَرَفْتَ مَا ذَكَرْنَاهُ لَكَ مِنَ التَّمْهِيدِ وَطَلَبْتَ
nindex.php?page=treesubj&link=28603تَعْرِيفَ الْحَدِّ الْمَذْكُورِ ، فَ ( الْحَدُّ ) فِي اللُّغَةِ الْمَنْعُ ، وَمِنْهُ سُمِّيَ الْبَوَّابُ حَدَّادًا لِأَنَّهُ يَمْنَعُ مَنْ يَدْخُلُ الدَّارَ ، وَالْحُدُودُ حُدُودًا لِأَنَّهَا تَمْنَعُ مِنَ الْعَوْدِ إِلَى الْمَعْصِيَةِ ، وَسُمِّيَ التَّعْرِيفُ حَدًّا لِمَنْعِهِ الدَّاخِلَ فِيهِ مِنَ الْخُرُوجِ عَنْهُ وَالْخَارِجَ عَنْهُ مِنَ الدُّخُولِ فِيهِ ، وَقَوْلُهُ ( ( وَهُوَ ) ) أَيِ الْحَدُّ ( ( أَصْلُ كُلِّ عِلْمٍ ) ) جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْمُبْتَدَأِ الَّذِي هُوَ الْحَدُّ وَخَبَرِهِ الَّذِي هُوَ وَصْفٌ إِلَخْ ، وَإِنَّمَا كَانَ أَصْلًا لِلْعُلُومِ لِأَنَّ مَنْ لَا يُحِيطُ بِهِ عِلْمًا لَا يَنْتَفِعُ بِمَا عِنْدَهُ ، قَالَ
الْفَخْرُ أَبُو مُحَمَّدٍ إِسْمَاعِيلُ الْبَغْدَادِيُّ مِنْ عُلَمَائِنَا :
nindex.php?page=treesubj&link=28604الْحَدُّ عَلَى الْحَقِيقَةِ أَصْلُ كُلِّ عِلْمٍ فَمَنْ لَا يُحِيطُ بِهِ عِلْمًا لَا نَفْعَ [ ص: 441 ] لَهُ بِمَا عِنْدَهُ ، وَقَالَهُ غَيْرُهُ وَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ التَّحْرِيرِ ، وَالْحَدُّ فِي الِاصْطِلَاحِ ( ( وَصْفٌ مُحِيطٌ ) ) بِمَوْصُوفِهِ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14953الْإِمَامُ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى مِنْ أَئِمَّةِ عُلَمَائِنَا : مَعْنَى الْحَدِّ هُوَ الْجَامِعُ لِجِنْسٍ مَا فَرَّقَهُ التَّفْصِيلُ الْمَانِعُ مِنْ دُخُولِ مَا لَيْسَ مِنْ جُمْلَتِهِ فِيهِ ، وَفِي التَّحْرِيرِ : الْمُحِيطُ بِمَعْنَاهُ أَيْ بِمَعْنَى الْمَحْدُودِ فَكَأَنَّهُ قَالَ : حَدُّ الشَّيْءِ الْوَصْفُ الْمُحِيطُ بِمَعْنَاهُ ، ( ( كَاشِفٌ ) ) بِالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَى مُحِيطٍ الَّذِي هُوَ نَعْتٌ لِوَصْفٍ أَيْ مُمَيِّزٌ لِلْمَحْدُودِ عَنْ غَيْرِهِ ، وَلِذَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14847الْغَزَالِيُّ : قِيلَ حَدُّ الشَّيْءِ نَفْسُهُ وَذَاتُهُ ، وَقِيلَ هُوَ اللَّفْظُ الْمُفَسِّرُ لِمَعْنَاهُ عَلَى وَجْهٍ يَجْمَعُ وَيَمْنَعُ . وَقَالَ
الْعَلَامَّةُ ابْنُ حَمْدَانَ فِي نِهَايَةِ الْمُبْتَدِئِينَ : إِنَّهُ قَوْلٌ يَكْشِفُ حَقِيقَةَ الْحُدُودِ . وَذَكَرَ فِيهِ ثَمَانِيَةَ أَقْوَالٍ .
( ( فَافْتَهِمْ ) ) أَمْرٌ بِالِانْفِعَالِ ؛ لِقَبُولِ الْفَهْمِ بِالتَّفَهُّمِ ، وَالْفَهْمُ إِدْرَاكُ مَعْنَى الْكَلَامِ بِسُرْعَةٍ كَمَا فِي وَاضِحِ
ابْنِ عَقِيلٍ ، وَاسْتَظْهَرُوا عَدَمَ تَقْيِيدِهِ بِسُرْعَةٍ كَمَا قَالَهُ
الطُّوفِيُّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِهِ ، وَتَبِعَهُ
الْعَلَّامَةُ أَبُو بَكْرٍ الْجِرَاعِيُّ فِي حَوَاشِي أُصُولِ
ابْنِ اللَّحَّامِ ، قَالَ
الطَّوْفِيُّ : لِأَنَّ مَنْ سَمِعَ كَلَامًا وَلَمْ يُدْرِكْ مَعْنَاهُ إِلَّا بَعْدَ شَهْرٍ أَوْ أَكْثَرَ قِيلَ فَهِمَ ، وَبِذَلِكَ يُقَالُ الْفَهْمُ إِمَّا بَطِيءٌ أَوْ سَرِيعٌ فَيَنْقَسِمُ إِلَيْهِمَا ، وَمَوْرِدُ الْقِسْمَةِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْأَقْسَامِ نَعَمِ السُّرْعَةُ قَيْدٌ فِي الْفَهْمِ الْجَيِّدِ . انْتَهَى . - وَقِيلَ : الْفَهْمُ جَوْدَةُ الذِّهْنِ مِنْ جِهَةِ تَهَيُّئِهِ لِاقْتِبَاسِ مَا يَرِدُ عَلَيْهِ مِنَ الطَّالِبِ ، وَالذِّهْنُ قُوَّةُ النَّفْسِ الْمُسْتَعِدَّةِ لِاكْتِسَابِ الْحُدُودِ وَالْآرَاءِ . ( وَشَرْطُهُ ) أَيْ
nindex.php?page=treesubj&link=28602شَرْطُ كَوْنِ الْحَدِّ صَحِيحًا ،
nindex.php?page=treesubj&link=20610وَالشَّرْطُ فِي اللُّغَةِ الْعَلَامَةُ ، وَفِي الْعُرْفِ مَا يُعْتَبَرُ لِلْحُكْمِ وَهُوَ مَا يَلْزَمُ مِنَ انْتِفَائِهِ انْتِفَاءَ الْحُكْمِ فَلَا يُوجَدُ الْمَشْرُوطُ مَعَ عَدَمِ شَرْطِهِ ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الشَّرْطِ وُجُودُ الْمَشْرُوطِ ، وَهُوَ
nindex.php?page=treesubj&link=20622_20623_20624عَقْلِيٌّ وَلُغَوِيٌّ وَشَرْعِيٌّ ، فَالْعَقْلِيُّ كَالْحَيَاةِ لِلْعِلْمِ ، وَاللُّغَوِيُّ كَقَوْلِهِ إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ، وَالشَّرْعِيُّ كَالطَّهَارَةِ لِلصَّلَاةِ ، ( ( طَرْدٌ ) ) خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ الَّذِي هُوَ شَرْطُهُ ، وَهُوَ الْمَانِعُ الَّذِي كُلَّمَا وُجِدَ الْحَدُّ وُجِدَ الْمَحْدُودُ ، ( ( وَعَكْسٌ ) ) وَهُوَ الْجَامِعُ الَّذِي كُلَّمَا وُجِدَ الْمَحْدُودُ وُجِدَ الْحَدُّ فَهَذَا عَكْسُ الِاطِّرَادِ وَيَلْزَمُ مِنْ
[ ص: 442 ] ذَلِكَ أَنَّهُ كُلَّمَا انْتَفَى الْحَدُّ انْتَفَى الْمَحْدُودُ . وَقَالَ
الْجِرَاعِيُّ فِي الْحَوَاشِي : الْمُطَّرِدُ هُوَ الَّذِي إِذَا وُجِدَ الْحَدُّ وُجِدَ الْمَحْدُودُ وَهُوَ الْمَانِعُ ، قَالَ : وَالْمُنْعَكِسُ هُوَ الَّذِي إِذَا عُدِمَ الْحَدُّ عُدِمَ الْمَحْدُودُ وَهُوَ الْجَامِعُ ، قَالَ : وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَمِنْهُمُ
nindex.php?page=showalam&ids=14847الْغَزَالِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ مُفْلِحٍ ، قَالَ : وَعَكَسَ
الْقَرَافِيُّ وَالطَّوْفِيُّ فَقَالَا : الْمُطَّرِدُ هُوَ الْجَامِعُ وَالْمُنْعَكِسُ هُوَ الْمَانِعُ ، وَذَكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=12088أَبُو عَلِيٍّ التَّمِيمِيُّ فِي كِتَابِ التَّذْكِرَةِ فِي أُصُولِ الدِّينِ أَنَّ هَذَا التَّعْرِيفَ لِلْحَدِّ قَوْلُ الْمُتَكَلِّمِينَ ، وَأَمَّا
الْمَنَاطِقَةُ فَقَالُوا : إِنَّهُ الْقَوْلُ الدَّالُّ عَلَى مَاهِيَّةِ الشَّيْءِ وَهُوَ مَا يَتَحَصَّلُ مِنْ جِنْسِ التَّعْرِيفِ وَفَصْلِهِ ، قَالَ : وَلَا يُحْتَاجُ فِيهِ إِلَى ذِكْرِ الطَّرْدِ وَالْعَكْسِ لِأَنَّ ذَلِكَ يَتْبَعُ الْمَاهِيَّةَ . وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَدَّ مِنْ حَيْثُ هُوَ تَامٌّ ، وَرَسْمِيٌّ ، وَلَفْظِيٌّ .
وَلِذَا قَالَ ( ( وَهُوَ ) ) أَيِ الْحَدُّ ( ( إِنْ أَنْبَأَ ) ) أَيْ دَلَّ وَكَشَفَ ( ( عَنِ الذَّوَاتِ ) ) أَيْ ذَاتِيَّاتِ الْمَحْدُودِ الْكُلِّيَّةِ الْمُرَكَّبَةِ كَمَا إِذَا قِيلَ : مَا الْإِنْسَانُ ؟ فَيُقَالُ : حَيَوَانٌ نَاطِقٌ ، ( ( فَ ) ) هُوَ أَيِ الْحَدُّ الَّذِي أَنْبَأَ عَنْ ذَاتِيَّاتِ الْمَحْدُودِ الْحَقِيقِيِّ ( ( التَّامُّ ) ) وَهُوَ الْأَصْلُ وَلَهُ حَدٌّ وَاحِدٌ لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28602ذَاتَ الشَّيْءِ لَا يَكُونُ لَهُ حَدَّانِ ، مِثَالُهُ حَيَوَانٌ نَاطِقٌ فَإِنَّهُ حَدٌّ لِلْإِنْسَانِ ، فَإِنْ قِيلَ : جَمِيعُ ذَاتِ الشَّيْءِ عَيْنُ الشَّيْءِ وَالشَّيْءُ لَا يُفَسِّرُ نَفْسَهُ ، فَالْجَوَابُ أَنَّ دَلَالَةَ الْمَحْدُودِ مِنْ حَيْثُ الْإِجْمَالُ وَدَلَالَةَ الْحَدِّ مِنْ حَيْثُ التَّفْصِيلُ ، فَلَيْسَ عَيْنُهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَصَحَّ تَعْرِيفُهُ بِهِ ، وَلِذَلِكَ لَمْ يُجْعَلِ اللَّفْظَانِ مُتَرَادِفَيْنِ إِلَّا إِذَا كَانَ الْحَدُّ لَفْظِيًّا ، فَلِذَا قَالَ فَ ( ( اسْتَبِنْ ) ) أَيِ اطْلُبِ الْبَيَانَ وَالْكَشْفَ عَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=28603حَقِيقَةِ الْحَدِّ فَإِنَّ هَذَا هُوَ الْحَدُّ الْحَقِيقِيُّ التَّامُّ الْمُنْبِئُ عَنْ ذَاتِيَّاتِ الْمَحْدُودِ . وَإِنْ كَانَ بِفَصْلٍ قَرِيبٍ فَقَطْ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ جِنْسٍ فَحَدٌّ حَقِيقِيٌّ نَاقِصٌ كَمَا إِذَا قِيلَ : مَا الْإِنْسَانُ ؟ فَقُلْتُ : نَاطِقٌ . وَكَذَا إِنْ كَانَ بِفَصْلٍ وَجِنْسٍ بَعِيدٍ كَجِسْمٍ نَاطِقٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْإِنْسَانِ ، ( ( وَإِنْ يَكُنْ ) ) الْحَدُّ مُرَكَّبًا ( ( بِالْجِنْسِ ) ) أَيْ مِنَ الْجِنْسِ الْقَرِيبِ ( ( ثُمَّ الْخَاصَّةُ ) ) مِثْلُ ذَلِكَ حَيَوَانٌ ضَاحِكٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْإِنْسَانِ ، ( ( فَذَاكَ ) ) الْمُرَكَّبُ مِنْ جِنْسٍ قَرِيبٍ خَاصَّةً نَحْوِ الضَّاحِكِ ( ( رَسْمٌ ) ) تَامٌّ ، فَإِنَّ الضَّاحِكَ عَرَضٌ فِي الْفِعْلِ مُفَارِقٌ لَا بِالْقُوَّةِ ، وَسُمِّيَ خَاصَّةً لِاخْتِصَاصِهِ بِحَقِيقَةٍ وَاحِدَةٍ بِالْقُوَّةِ أَوِ الْفِعْلِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْإِنْسَانِ ، لِأَنَّ الضَّحِكَ بِالْقَوْمِ لَازِمٌ لِمَاهِيَّةِ الْإِنْسَانِ مُخْتَصٌّ بِهَا وَبِالْفِعْلِ مُفَارِقٌ لَهَا مُخْتَصٌّ
[ ص: 443 ] بِهَا ، وَتَعْرِيفُ الْخَاصَّةِ هِيَ كُلِّيَّةٌ تُقَالُ عَلَى مَا تَحْتَ حَقِيقَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَطْ قَوْلًا عَرَضِيًّا .
وَإِنْ كَانَ الْحَدُّ بِهَا أَيِ الْخَاصَّةِ فَقَطْ كَقَوْلِكَ الْإِنْسَانُ ضَاحِكٌ سُمِّيَ رَسْمًا نَاقِصًا ، كَذَا إِنْ كَانَتِ الْخَاصَّةُ مِنْ جِنْسٍ بَعِيدٍ كَقَوْلِكَ الْإِنْسَانُ جِسْمٌ ضَاحِكٌ ، ( ( فَافْهَمِ الْمُحَاصَّةَ ) ) - بِضَمِّ الْمِيمِ فَحَاءٌ مُهْمَلَةٌ مَفْتُوحَةٌ فَأَلِفٌ فَصَادٌ مُهْمَلَةٌ مُدْغَمَةٌ فِي مِثْلِهَا فَهَاءُ تَأْنِيثٍ - أَيِ الْمُقَاسَمَةُ يُقَالُ حَصَّصَ الشَّيْءَ تَحْصِيصًا وَحَصْحَصَ : بَانَ وَظَهَرَ ، وَتَحَاصُّوا وَحَاصُّوا اقْتَسَمُوا حِصَصًا كَمَا فِي الْقَامُوسِ ، قَالَ : وَالْحِصَّةُ بِالْكَسْرِ النَّصِيبُ . وَالْمُرَادُ افْهَمْ مَا بَيْنَ الْحَدِّ الْحَقِيقِيِّ التَّامِّ كَالْحَيَوَانِ النَّاطِقِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْإِنْسَانِ ، وَالْحَقِيقِيِّ النَّاقِصِ وَلَهُ صُورَتَانِ : الْأُولَى أَنْ يَكُونَ بِفَصْلٍ قَرِيبٍ فَقَطْ كَالنَّاطِقِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْإِنْسَانِ ، أَوْ بِالْفَصْلِ مَعَ جِنْسٍ بَعِيدٍ كَالْجِسْمِ النَّاطِقِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْإِنْسَانِ أَيْضًا ، وَكَذَا افْهَمِ الرَّسْمَ الْحَقِيقِيَّ التَّامَّ وَالرَّسْمَ النَّاقِصَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا . وَالْجِنْسُ كُلِّيٌّ مَقُولٌ عَلَى كَثِيرِينَ مُخْتَلِفِينَ بِالْحَقَائِقِ فِي جَوَابِ مَا هُوَ ؟ كَالْحَيَوَانِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَنْوَاعِهِ نَحْوَ الْإِنْسَانِ وَالْفَرَسِ ، وَالنَّوْعُ كُلِّيٌّ مَقُولٌ عَلَى كَثِيرِينَ مُخْتَلِفِينَ بِالْعَدَدِ دُونَ الْحَقِيقَةِ فِي جَوَابِ مَا هُوَ ؟ كَالْإِنْسَانِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى زَيْدٍ وَعَمْرٍو نَحْوِهِمَا مِنْ أَفْرَادِهِ . وَالْفَصْلُ غَيْرُ مَقُولٍ فِي جَوَابِ مَا هُوَ بَلْ فِي جَوَابِ أَيِّ شَيْءٍ هُوَ فِي ذَاتِهِ ؟ وَهُوَ الَّذِي يُمَيِّزُ الشَّيْءَ عَمَّا يُشَارِكُهُ فِي الْجِنْسِ كَالنَّاطِقِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْإِنْسَانِ . وَالْحَدُّ اللَّفْظِيُّ مَا كَانَ بِلَفْظٍ مُرَادِفٍ أَظْهَرُ عِنْدَ السَّائِلِ مِنَ الْمَسْئُولِ عَنْهُ ، كَمَا لَوْ قَالَ قَائِلٌ : مَا الْخِنْرِيسُ ؟ فَيُقَالُ هُوَ الْخَمْرُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .