( ( وكل معلوم بحس وحجى فنكره جهل قبيح في الهجا ) )
( ( فإن يقم بنفسه فجوهر أو لا فذاك عرض مفتقر ) )
( ( والجسم ما ألف من جزأين فصاعدا فاترك حديث المين ) )
( ( وكل معلوم بحس ) ) من الحواس الخمس الظاهرة التي لا شك فيها ولا آفة تعتريها فإنكاره قبيح جدا ، إذ هو مجرد مكابرة ، قال في شرح الجواهر : وينسب إنكار الحواس إلى بطليموس وأفلاطون وأرسطو وجالينوس ، قال : ويجب أن يكون مرادهم بذلك أن جزم العقل ليس بمجرد الحس بل بتوسط ضميمة لا أن حكم الحس غير معتد به أصلا وإلا يلزم [ ص: 444 ] انتفاء علومهم المبنية على الأحكام الحسية . واستدل من قال بالإنكار بأن الحس كثير الغلط فلا يعتبر ، وبيانه أنه يرى العنبة في الماء كالإجاصة ، والقطرة النازلة كالخط المستقيم ، ومنها أن الحس حاكم ببياض الثلج وهو مركب من أجزاء شفافة ليس في الواقع له بياض ، وأن النائم يجزم بما رأى في نومه جزمه في اليقظة ، وكذا صاحب البرسام ونحوه ، فيمكن مثل ذلك في غيرهم ، وذلك كاف في رفع الثقة ، وأيضا الأمثال متواردة أعم من أن تكون جواهر الأجسام عند النظام أو عرضا كالألوان عند متكلمي الأشاعرة ومن وافقهم ، والحس حاكم باستمرارها ، فيقوم الاحتمال في الكل ولا جزم مع قيام الاحتمال . وجواب شبههم عما أوردوه بأنه غير دال على عدم الوثوق بجزم العقل في المحسوسات بل في هذه الصور العقل بمجرد الحس وهو غير منكور ، فالحاكم في هذه الصور العقل بتوسط الحس لا الحس فقط ، كذا قيل ، والحق أن إنكار الوثوق بالمدرك بالحواس مكابرة ، ( ( و ) ) كذا ما يدرك ب ( ( حجى ) ) كإلى هو العقل ( ( فنكره ) ) أي إنكاره ورده بعدم الوثوق به ( ( جهل قبيح ) ) متناه في القبح ، ( ( في الهجا ) ) أي في الشكل والمثل يقال هذا على هجا هذا أي على شكله أي قبيح في العادة المستمرة ، ومردود عند ذوي الهجا المجيدين في التبحر والكشف عن حقائق الأشياء يقال : هجي النبت كرضي هجى انكشف ، قال العلامة نجم الدين بن حمدان في نهاية المبتدئين : كل مؤد إلى حقيقة ثابتة تعلم عقلا أو حسا فإنكاره سفسطة . انتهى .
والسوفسطائية ، فقالوا بعدم الجزم في كل منهما فأوردوا عليهم جزمهم بالشك فالتزموا عدم الجزم فيه أيضا ، فقالوا : نحن شاكون وشاكون في أنا شاكون ، وهؤلاء ثلاث فرق عندية وعنادية ولا أدرية ، فالعندية قالت مذهب قوم حق بالقياس إليهم باطل بالنسبة إلى خصومهم ولا حق في نفس الأمر ، والعنادية : ما من قضية بديهية كانت أو نظرية إلا ولها معارض يساويها في القوة والقبول ، وأما اللا أدرية وهم أمثلهم فقالوا : نحن شاكون وشاكون في أنا شاكون ، وتمسكوا بأن دليل كل من منكري الحسيات والبديهيات دال على انتفائهما والنظر متفرع عليهما منتف بانتفائهما [ ص: 445 ] ولا طريق إلى الجزم غير الحس والبديهية والنظر ، فلم يكن للجزم تحقق أصلا . وإذا كان الأمر كذلك لم يكن للمناظرة معهم فائدة ، لأنها لإفادة المجهول وليس عندهم معلوم فتنجز المناظرة إلى التزام مذهبهم ، ولذا منع المحققون منها معهم ، ولكن يقال لهم : هل ميزتم بين الألم واللذة أو بين مذهبكم وما يناقضه ؟ فإن أبوا إلا الإصرار أوجعوا ضربا وعذبوا بالنار ليعترفوا أو يهلكوا . أنكروا كلا من الحسيات والبديهيات
وسوفسطا اسم للحكمة المموهة والعلم المزخرف ، لأن سوفا معناه العلم والحكمة ، واسطا معناه المزخرف والغلط ، ومنه اشتقت السفسطة ، كما اشتقت الفلسفة من فيلاسوف أي محب الحكمة .