الفرقة الثالثة الخوارج
وهم الذين خرجوا على أمير المؤمنين - رضي الله عنه - وفارقوه بسبب التحكيم ، وكانوا اثني عشر ألفا ، فأرسل إليهم علي بن أبي طالب - رضي الله عنهما - فجادلهم ووعظهم ، فرجع بعضهم وأصر على المخالفة آخرون ، وقالت فرقة : ننظر ما يصدر من ابن عباس علي من أمر التحكيم ، فإن أنفذه أقمنا على مخالفته ، ثم إنهم أعلنوا الفرقة ، وأخذوا في نهب من لم ير رأيهم ، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " . فقتلهم " تمرق مارقة على حين فرقة من المسلمين ، يقتلها أولى الطائفتين بالحق علي وطائفته ، وقال - صلى الله عليه وسلم - في حق الخوارج المارقين : " . وقد روى " يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم ، وصيامه مع صيامهم ، وقراءته مع قراءتهم ، يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم ، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ، أينما لقيتموهم فاقتلوهم ، فإن في قتلهم أجرا عند الله - تعالى - لمن قتلهم يوم القيامة مسلم أحاديثهم في صحيحه من عشرة أوجه . واتفق الصحابة على قتالهم ، وفرح علي - رضي الله عنه - بقتلهم ، وأخبر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر به ، ولما قيل لعلي : الحمد لله الذي أراح منهم العباد ، قال : كلا والذي نفسي بيده ، إن منهم لفي أصلاب الرجال ، وإن منهم لمن يكون مع الدجال . ثم إنهم تشعبوا إلى سبع فرق .
[ ص: 87 ] ( الأولى ) : المحكمة الذين خرجوا على أمير المؤمنين علي - رضي الله عنه - عند التحكيم وكفروه ، وهم اثنا عشر ألفا ، قالوا : من نصب من قريش وغيرهم وعدل فهو إمام ، ولم يوجبوا نصب الإمام ، وكفروا عثمان وأكثر الصحابة ، وكل مرتكب للكبيرة .
( الثانية ) : البيهسية أتباع بيهس ، واسمه الهيصم بن جابر كما في القاموس ، قالوا : الإيمان هو العلم بالله - تعالى - وما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم ، فمن وقع فيما لا يعرف ، أحلال هو أم حرام ، فهو كافر لوجوب الفحص عنه ، وقيل : لا ، حتى يرجع إلى الإمام فيحده ، وما لا حد فيه فمغفور ، وقيل : إذا كفر الإمام ، كفرت الرعية حاضرا كان أو غائبا ، والأطفال كآبائهم إيمانا وكفرا .
( الثالثة ) : الأزارقة أتباع نافع بن عبد الله الأزرق الخارجي اللعين ، وقد خرج معه قوم من البصرة والأهواز وغيرهما من بلدان فارس وغيرها ، وعظمت شوكتهم وتملكوا الأمصار ، وكانت له آراء ومذاهب دانوا بها معه ، منها أنه كفر عليا - رضي الله عنه - بسبب التحكيم ، وزعم أن قوله - تعالى : ( ومن الناس من يعجبك قوله ) الآية ، نزل في حقه ، وزعم أنه نزل في حق عبد الرحمن بن ملجم - لعنه الله ، ( ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله ) ، ومنها أنه كفر من لم يقل برأيه ، واستحل دمه ، وكفر القعدة عن القتال ، وتبرأ ممن قعد عنه ، وأن من ارتكب كبيرة ، خرج من الإسلام وكان مخلدا في النار مع سائر الكفار ، وحرم التقية ، وجوز قتل أولاد المخالفين له ونساءهم ، وقال : لا حد للقذف ولا للزنا .
( الرابعة ) : النجدية أتباع نجدة بن عامر الحنفي ، قالوا : لا حاجة إلى الإمام ، ويجوز نصبه ، ووافقوا الأزارقة في التكفير .
( الخامسة ) : الأصفرية وهم أتباع زياد بن الأصفر ، خالفوا الأزارقة في تكفير القعدة ، وفي منع الحد على الزنا ، وفي أطفال الكفار ، وقالوا : المعصية الموجبة للحد لا يدعى صاحبها إلا بها ، وما لا حد فيه لعظمه كترك الصوم كفر ، ويزوجون المؤمنة من الكافر في دار التقية دون العلانية .
[ ص: 88 ] ( السادسة ) : الإباضية أتباع عبد الله بن إباض ، قالوا : مخالفونا كفار غير مشركين ، تجوز مناكحتهم ، وتقبل شهادة مخالفيهم عليهم ، ومرتكب الكبيرة موحد غير مؤمن ، والاستطاعة قبل الفعل ، ومخلوق العبد مخلوق لله ، ومرتكب الكبيرة كافر كفر نعمة لا كفر ملة ، وتوقفوا في أولاد الكفار وفي النفاق ، أهو شرك أم لا ؟ وجواز بعثة الرسل بلا دليل وتكليف اتباعه ، وكفروا عليا وأكثر الصحابة - رضي الله عنهم . وافترقوا أربع فرق :
( الأولى ) : الحفصية أتباع أبي حفص بن أبي المقدام ، زادوا أن بين الإيمان والشرك معرفة الله ، فمن كفر بأمر سوى الشرك أو بارتكاب كبيرة ، فكافر لا مشرك .
( الثانية ) : اليزيدية ، قالوا : سيبعث نبي من العجم بكتاب ، يكتب من السماء ، ويترك شريعة محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى ملة الصابئة ، وكل ذنب شرك .
( الثالثة ) : الحارثية أتباع أبي الحارث الإباضي ، خالفوا في العذر والاستطاعة قبل الفعل .
( الرابعة ) : القائلون بطاعة لا يراد بها الله .
( السابعة ) : العجاردة أتباع عبد الرحمن بن عجرد ، زادوا على النجدية وجوب دعوة الطفل إلى الإسلام إذا بلغ ، وأطفال المشركين في النار ، ويتشعب من مذهبهم إحدى عشرة فرقة :
( الأولى ) : الميمونية أصحاب ميمون بن عمران ، قالوا بالقدر ، والاستطاعة قبل الفعل ، والله يريد الخير دون الشر ولا يريد المعاصي ، وأطفال الكفار في الجنة ، ولهم اعتقادات سيئة .
( الثانية ) : الحمزية أتباع حمزة بن أدرك ، وافقوهم إلا أنهم قالوا : أطفال الكفار في النار .
( الثالثة ) : الشعيبية أشياع شعيب بن محمد ، هم كالميمونية إلا في القدر .
( الرابعة ) : الحازمية ، وهم أصحاب حازم بن عاصم .
( والخلفية ) أصحاب خلف ، ( والأطرافية ) عذروا أهل الأطراف فيما لم يعرفوه ، ووافقوا أهل السنة في أصولهم ، ونفوا القدر .
( الخامسة ) : المعلومية كالحازمية ، إلا أن المؤمن عندهم من عرف الله بجميع أسمائه ، وفعل العبد مخلوق لله .
( السادسة ) : المجهولية ، قالوا : تكفي معرفة الله ببعض أسمائه ، وفعل العبد له .
( السابعة ) : الصلتية وهم أصحاب عثمان بن أبي الصلت ، هم كالعجاردة ، لكن قالوا : من أسلم واستجار بنا ، توليناه وبرئنا من أطفاله .
( الثامنة ) : التغالبة أصحاب تغلب بن عامر ، قالوا بولاية الأطفال ، ونقل عنهم أن الأطفال لا حكم [ ص: 89 ] لهم ، ويرون أخذ الزكاة من العبيد إذا استغنوا ، وإعطاءها إلى العبيد إذا افتقروا ، ثم افترقوا أربع فرق : ( أحدها ) : الأخنسية أصحاب الأخنس بن فليس ، وهم كالتغالبة ، إلا أنهم توقفوا في أهل دار التقية ، إلا من علم حاله ، وحرموا الاغتيال بالقتل والسرقة ، ونقل عنهم تزويج المسلمات من مشركي قومهم ، ( والمعبدية ) أصحاب معبد بن عبد الرحمن ، خالفوهم في التزويج من المشركين ، وخالفوا التغالبة في زكاة العبد ، ( والشيبانية ) أصحاب شيبان بن سلمة ، قالوا بالجبر ونفي القدرة ، ( والمكرمية ) أصحاب مكرم العجلي ، قالوا : تارك الصلاة كافر لجهله بالله ، وكذا كل كبيرة كفر . فإذن فرق الخوارج عشرون ، والله أعلم .