( فصل )
وأما قوله عن
nindex.php?page=treesubj&link=28833الإمامية : إنهم يقولون
[1] .
فهذا ملبس
[2] . لا فائدة فيه .
[3] . [ فإن
nindex.php?page=treesubj&link=28712قول القائل : إنه قادر على جميع المقدورات يراد به شيئان : أحدهما : أنه قادر على كل ممكن ، فإن كل ممكن هو مقدور ، بمعنى أنه يقدر القادر على فعله .
[ ص: 289 ] والثاني : أن يراد به أنه قادر على كل ما هو مقدور له ، لا يقدر على ما ليس بمقدور له .
والمعنى الأول هو مراد أهل السنة المثبتين للقدر إذا قالوا : هو قادر على كل مقدور ، فإنهم يقولون : إن الله قادر على كل ما يمكن أن يكون مقدورا لأي قادر كان ، فما من أمر ممكن في نفسه إلا والله قادر عليه ، لا يتصور عندهم أن يقدر العباد على ما لم يقدر الله عليه ، وهذا معنى قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=39إنه على كل شيء قدير ) [ سورة فصلت : 39 ] .
فأما الممتنع لنفسه فإنه ليس بشيء عند عامة العقلاء . وإنما تنازعوا في المعدوم الممكن : هل هو شيء أم لا ؟
فأما الممتنع ، فلم يقل أحد : إنه شيء ثابت في الخارج ، فإن الممتنع هو ما لا يمكن وجوده في الخارج ، مثل كون الشيء موجودا معدوما ، فإن هذا ممتنع لذاته لا يعقل ثبوته في الخارج ، وكذلك كون الشيء أسود كله أبيض كله ، وكون الجسم الواحد بعينه في الوقت الواحد في مكانين .
والممتنع يقال على الممتنع لنفسه مثل هذه الأمور ، وعلى الممتنع لغيره : مثل ما علم الله تعالى أنه لا يكون وأخبر أنه لا يكون وكتب أنه لا يكون ، فهذا لا يكون .
وقد يقال : إنه يمتنع أن يكون ; لأنه لو كان للزم أن يكون علم الله بخلاف معلومه ، وخبره بخلاف مخبره ; لكن هذا هو ممكن في نفسه والله قادر عليه ، كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=4بلى قادرين على أن نسوي بنانه ) [ سورة القيامة : 4 ] ، وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=18وإنا على ذهاب به لقادرون ) [ سورة
[ ص: 290 ] المؤمنون : 18 ] ، وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=65قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض ) [ سورة الأنعام : 65 ] .
وقد ثبت في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال
nindex.php?page=hadith&LINKID=656769لما نزل قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=65قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم ) ، قال : " أعوذ بوجهك " ، ( nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=65أو من تحت أرجلكم ) ، قال : " أعوذ بوجهك " ، ( nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=65أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض ) ، قال : " هاتان أهون " [4] . .
ومن ذلك قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=13ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ) [ سورة السجدة : 13 ] ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=118ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ) [ سورة هود : 118 ] ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=253ولو شاء الله ما اقتتلوا ) [ سورة البقرة : 253 ] ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=9إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا من السماء ) [ سورة سبأ : 9 ]
[5] . ، وأمثال ذلك مما أخبر الله تعالى أنه لو شاء لفعله ، فإن هذه الأمور التي أخبر الله أنه لو شاء لفعلها تستلزم أنها ممكنة مقدورة له .
وقد تنازع الناس في خلاف المعلوم : هل هو ممكن مقدور ، كإيمان
[ ص: 291 ] الكافر الذي علم الله أنه لا يؤمن ؟ والذين زعموا أن الله يكلف العبد ما هو ممتنع ، احتجوا بتكليفه وزعموا أن إيمانه ممتنع لاستلزامه انقلاب علم الله جهلا .
وجوابهم أن لفظ " الممتنع " مجمل ، يراد به الممتنع لنفسه ، ويراد به ما يمتنع لوجود غيره ، فهذا الثاني يوصف بأنه ممكن مقدور بخلاف الأول . وإيمان من علم الله أنه لا يؤمن مقدور له لكنه لا يقع ، وقد علم الله أنه لا يؤمن مع كونه مستطيع الإيمان ، كمن علم أنه لا يحج مع استطاعته الحج .
ومن الناس من يدعي أن الممتنع لذاته مقدور ، ومنهم من يدعي إمكان أمور يعلم بالعقل امتناعها . وغالب هؤلاء لا يتصور ما يقوله حق التصور ، أو لا يفهم ما يريده الناس بتلك العبارة ، فيقع الاشتراك والاشتباه في اللفظ أو في المعنى .
وحقيقة الأمر ما أخبر الله به في غير موضع من كتابه : أنه على كل شيء قدير ، كما تقدم بيانه ، وهذا مذهب أهل السنة المثبتين للقدر .
وأما
nindex.php?page=treesubj&link=30239_28778القدرية من
الإمامية والمعتزلة وغيرهم ، فإذا قالوا : إنه قادر على كل المقدورات لم يريدوا بذلك ما يريده أهل الإثبات ، وإنما يريدون بذلك أنه قادر على كل ما هو مقدور له ، وأما نفس أفعال العباد - من الملائكة والجن والإنس - فإن الله لا يقدر عليها عند
القدرية ، وإنما تنازعوا : هل يقدر على مثلها ؟
وإذا كان كذلك كان قولهم : إنه قادر على كل مقدور ، إنما
[6] . يتضمن
[ ص: 292 ] أنه قادر على كل ما هو مقدور له ، وغيره أيضا هو قادر على كل مقدور له . لكن غاية ما يقولون : إنه قادر على مثل مقدور العباد ، والعبد لا يقدر على مثل مقدور قادر آخر .
وبكل حال ، فإذا كان المراد أنه قادر على ما هو مقدور له ، كان هذا بمنزلة أن يقال : هو عالم بكل ما يعلمه ، وخالق لكل ما يخلقه ، ونحو ذلك من العبارات التي لا فائدة فيها ]
[7] . مثل أن يقول القائل : إنه فاعل لجميع المفعولات ، ومثل أن يقال : زيد عالم بكل
[8] . ما يعلمه وقادر على كل ما يقدر
[9] . وفاعل لكل ما يفعله
[10] . .
فإن
[11] . الشأن
[12] . في بيان المقدورات : هل هو على كل شيء قدير ؟ فمذهب
[13] . هؤلاء
الإمامية وشيوخهم
القدرية أنه ليس على كل شيء قديرا
[14] . ، وأن العباد يقدرون على ما لا يقدر عليه ، ولا يقدر أن يهدي ضالا ، ولا يضل مهتديا ، ولا يقيم قاعدا باختياره ، ولا يقعد قائما باختياره ، ولا يجعل أحدا [ مسلما ]
[15] . مصليا ولا صائما ولا حاجا ولا معتمرا ، ولا
[ ص: 293 ] يجعل الإنسان لا مؤمنا ولا كافرا ولا برا ولا فاجرا ، ولا يخلقه هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا ، فهذه الأمور كلها ممكنة ليس فيها ما هو ممتنع لذاته ، وعندهم أن الله لا يقدر على شيء منها
[16] . ، فظهر تمويههم بقولهم [ إن الله ] قادر
[17] . على جميع المقدورات .
وأما أهل السنة فعندهم أن الله [ تعالى ]
[18] . على كل شيء قدير ، وكل ممكن فهو مندرج في هذا .
وأما المحال لذاته ، مثل كون الشيء الواحد [ موجودا ]
[19] . معدوما ، فهذا لا حقيقة له ، ولا يتصور وجوده
[20] . ، ولا يسمى شيئا باتفاق العقلاء ، ومن هذا الباب : خلق مثل نفسه ، وأمثال ذلك .
( فَصْلٌ )
وَأَمَّا قَوْلُهُ عَنِ
nindex.php?page=treesubj&link=28833الْإِمَامِيَّةِ : إِنَّهُمْ يَقُولُونَ
[1] .
فَهَذَا مُلْبِسٌ
[2] . لَا فَائِدَةَ فِيهِ .
[3] . [ فَإِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28712قَوْلَ الْقَائِلِ : إِنَّهُ قَادِرٌ عَلَى جَمِيعِ الْمَقْدُورَاتِ يُرَادُ بِهِ شَيْئَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى كُلِّ مُمْكِنٍ ، فَإِنَّ كُلَّ مُمْكِنٍ هُوَ مَقْدُورٌ ، بِمَعْنَى أَنَّهُ يَقْدِرُ الْقَادِرُ عَلَى فِعْلِهِ .
[ ص: 289 ] وَالثَّانِي : أَنْ يُرَادَ بِهِ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى كُلِّ مَا هُوَ مَقْدُورٌ لَهُ ، لَا يَقْدِرُ عَلَى مَا لَيْسَ بِمَقْدُورٍ لَهُ .
وَالْمَعْنَى الْأَوَّلُ هُوَ مُرَادُ أَهْلِ السُّنَّةِ الْمُثْبِتِينَ لِلْقَدَرِ إِذَا قَالُوا : هُوَ قَادِرٌ عَلَى كُلِّ مَقْدُورٍ ، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ : إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى كُلِّ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَقْدُورًا لِأَيِّ قَادِرٍ كَانَ ، فَمَا مِنْ أَمْرٍ مُمْكِنٍ فِي نَفْسِهِ إِلَّا وَاللَّهُ قَادِرٌ عَلَيْهِ ، لَا يُتَصَوَّرُ عِنْدَهُمْ أَنْ يَقْدِرَ الْعِبَادُ عَلَى مَا لَمْ يَقْدِرِ اللَّهُ عَلَيْهِ ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=39إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) [ سُورَةُ فُصِّلَتْ : 39 ] .
فَأَمَّا الْمُمْتَنِعُ لِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُقَلَاءِ . وَإِنَّمَا تَنَازَعُوا فِي الْمَعْدُومِ الْمُمْكِنِ : هَلْ هُوَ شَيْءٌ أَمْ لَا ؟
فَأَمَّا الْمُمْتَنِعُ ، فَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ : إِنَّهُ شَيْءٌ ثَابِتٌ فِي الْخَارِجِ ، فَإِنَّ الْمُمْتَنِعَ هُوَ مَا لَا يُمْكِنُ وُجُودُهُ فِي الْخَارِجِ ، مِثْلَ كَوْنِ الشَّيْءِ مَوْجُودًا مَعْدُومًا ، فَإِنَّ هَذَا مُمْتَنِعٌ لِذَاتِهِ لَا يُعْقَلُ ثُبُوتُهُ فِي الْخَارِجِ ، وَكَذَلِكَ كَوْنُ الشَّيْءِ أَسْوَدَ كُلَّهُ أَبْيَضَ كُلَّهُ ، وَكَوْنُ الْجِسْمِ الْوَاحِدِ بِعَيْنِهِ فِي الْوَقْتِ الْوَاحِدِ فِي مَكَانَيْنِ .
وَالْمُمْتَنِعُ يُقَالُ عَلَى الْمُمْتَنِعِ لِنَفْسِهِ مِثْلَ هَذِهِ الْأُمُورِ ، وَعَلَى الْمُمْتَنِعِ لِغَيْرِهِ : مِثْلَ مَا عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ وَكَتَبَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ ، فَهَذَا لَا يَكُونُ .
وَقَدْ يُقَالُ : إِنَّهُ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ عِلْمُ اللَّهِ بِخِلَافِ مَعْلُومِهِ ، وَخَبَرُهُ بِخِلَافِ مَخْبَرِهِ ; لَكِنَّ هَذَا هُوَ مُمْكِنٌ فِي نَفْسِهِ وَاللَّهُ قَادِرٌ عَلَيْهِ ، كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=4بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ ) [ سُورَةُ الْقِيَامَةِ : 4 ] ، وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=18وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ ) [ سُورَةُ
[ ص: 290 ] الْمُؤْمِنُونَ : 18 ] ، وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=65قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ) [ سُورَةُ الْأَنْعَامِ : 65 ] .
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=656769لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=65قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ ) ، قَالَ : " أَعُوذُ بِوَجْهِكَ " ، ( nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=65أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ ) ، قَالَ : " أَعُوذُ بِوَجْهِكَ " ، ( nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=65أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ) ، قَالَ : " هَاتَانِ أَهْوَنُ " [4] . .
وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=13وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا ) [ سُورَةُ السَّجْدَةِ : 13 ] ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=118وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ) [ سُورَةُ هُودٍ : 118 ] ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=253وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا ) [ سُورَةُ الْبَقَرَةِ : 253 ] ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=9إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ ) [ سُورَةُ سَبَأٍ : 9 ]
[5] . ، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ مِمَّا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَوْ شَاءَ لَفَعَلَهُ ، فَإِنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ الَّتِي أَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّهُ لَوْ شَاءَ لَفَعَلَهَا تَسْتَلْزِمُ أَنَّهَا مُمْكِنَةٌ مَقْدُورَةٌ لَهُ .
وَقَدْ تَنَازَعَ النَّاسُ فِي خِلَافِ الْمَعْلُومِ : هَلْ هُوَ مُمْكِنٌ مَقْدُورٌ ، كَإِيمَانِ
[ ص: 291 ] الْكَافِرِ الَّذِي عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ ؟ وَالَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُكَلِّفُ الْعَبْدَ مَا هُوَ مُمْتَنِعٌ ، احْتَجُّوا بِتَكْلِيفِهِ وَزَعَمُوا أَنَّ إِيمَانَهُ مُمْتَنِعٌ لِاسْتِلْزَامِهِ انْقِلَابَ عِلْمِ اللَّهِ جَهْلًا .
وَجَوَابُهُمْ أَنَّ لَفْظَ " الْمُمْتَنِعِ " مُجْمَلٌ ، يُرَادُ بِهِ الْمُمْتَنِعُ لِنَفْسِهِ ، وَيُرَادُ بِهِ مَا يَمْتَنِعُ لِوُجُودِ غَيْرِهِ ، فَهَذَا الثَّانِي يُوصَفُ بِأَنَّهُ مُمْكِنٌ مَقْدُورٌ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ . وَإِيمَانُ مَنْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ مَقْدُورٌ لَهُ لَكِنَّهُ لَا يَقَعُ ، وَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ مَعَ كَوْنِهِ مُسْتَطِيعَ الْإِيمَانِ ، كَمَنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَحُجُّ مَعَ اسْتِطَاعَتِهِ الْحَجَّ .
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَدَّعِي أَنَّ الْمُمْتَنِعَ لِذَاتِهِ مَقْدُورٌ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَدَّعِي إِمْكَانَ أُمُورٍ يُعْلَمُ بِالْعَقْلِ امْتِنَاعُهَا . وَغَالِبُ هَؤُلَاءِ لَا يُتَصَوَّرُ مَا يَقُولُهُ حَقَّ التَّصَوُّرِ ، أَوْ لَا يَفْهَمُ مَا يُرِيدُهُ النَّاسُ بِتِلْكَ الْعِبَارَةِ ، فَيَقَعُ الِاشْتِرَاكُ وَالِاشْتِبَاهُ فِي اللَّفْظِ أَوْ فِي الْمَعْنَى .
وَحَقِيقَةُ الْأَمْرِ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ : أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ ، وَهَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ الْمُثْبِتِينَ لِلْقَدَرِ .
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=30239_28778الْقَدَرِيَّةُ مِنَ
الْإِمَامِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ ، فَإِذَا قَالُوا : إِنَّهُ قَادِرٌ عَلَى كُلِّ الْمَقْدُورَاتِ لَمْ يُرِيدُوا بِذَلِكَ مَا يُرِيدُهُ أَهْلُ الْإِثْبَاتِ ، وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ بِذَلِكَ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى كُلِّ مَا هُوَ مَقْدُورٌ لَهُ ، وَأَمَّا نَفْسُ أَفْعَالِ الْعِبَادِ - مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ وَالْإِنْسِ - فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا عِنْدَ
الْقَدَرِيَّةِ ، وَإِنَّمَا تَنَازَعُوا : هَلْ يَقْدِرُ عَلَى مِثْلِهَا ؟
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ قَوْلُهُمْ : إِنَّهُ قَادِرٌ عَلَى كُلِّ مَقْدُورٍ ، إِنَّمَا
[6] . يَتَضَمَّنُ
[ ص: 292 ] أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى كُلِّ مَا هُوَ مَقْدُورٌ لَهُ ، وَغَيْرُهُ أَيْضًا هُوَ قَادِرٌ عَلَى كُلِّ مَقْدُورٍ لَهُ . لَكِنَّ غَايَةَ مَا يَقُولُونَ : إِنَّهُ قَادِرٌ عَلَى مِثْلِ مَقْدُورِ الْعِبَادِ ، وَالْعَبْدُ لَا يَقْدِرُ عَلَى مِثْلِ مَقْدُورِ قَادِرٍ آخَرَ .
وَبِكُلِّ حَالٍ ، فَإِذَا كَانَ الْمُرَادُ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى مَا هُوَ مَقْدُورٌ لَهُ ، كَانَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ أَنْ يُقَالَ : هُوَ عَالِمٌ بِكُلِّ مَا يَعْلَمُهُ ، وَخَالِقٌ لِكُلِّ مَا يَخْلُقُهُ ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْعِبَارَاتِ الَّتِي لَا فَائِدَةَ فِيهَا ]
[7] . مِثْلَ أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُ : إِنَّهُ فَاعِلٌ لِجَمِيعِ الْمَفْعُولَاتِ ، وَمِثْلَ أَنْ يُقَالَ : زَيْدٌ عَالِمٌ بِكُلِّ
[8] . مَا يَعْلَمُهُ وَقَادِرٌ عَلَى كُلِّ مَا يَقْدِرُ
[9] . وَفَاعِلٌ لِكُلِّ مَا يَفْعَلُهُ
[10] . .
فَإِنَّ
[11] . الشَّأْنَ
[12] . فِي بَيَانِ الْمَقْدُورَاتِ : هَلْ هُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ؟ فَمَذْهَبُ
[13] . هَؤُلَاءِ
الْإِمَامِيَّةِ وَشُيُوخِهِمُ
الْقَدَرِيَّةِ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا
[14] . ، وَأَنَّ الْعِبَادَ يَقْدِرُونَ عَلَى مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ ، وَلَا يَقْدِرُ أَنْ يَهْدِيَ ضَالًّا ، وَلَا يُضِلَّ مُهْتَدِيًا ، وَلَا يُقِيمَ قَاعِدًا بِاخْتِيَارِهِ ، وَلَا يُقْعِدَ قَائِمًا بِاخْتِيَارِهِ ، وَلَا يَجْعَلَ أَحَدًا [ مُسْلِمًا ]
[15] . مُصَلِّيًا وَلَا صَائِمًا وَلَا حَاجًّا وَلَا مُعْتَمِرًا ، وَلَا
[ ص: 293 ] يَجْعَلُ الْإِنْسَانَ لَا مُؤْمِنًا وَلَا كَافِرًا وَلَا بَرًّا وَلَا فَاجِرًا ، وَلَا يَخْلُقُهُ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا ، فَهَذِهِ الْأُمُورُ كُلُّهَا مُمْكِنَةٌ لَيْسَ فِيهَا مَا هُوَ مُمْتَنِعٌ لِذَاتِهِ ، وَعِنْدَهُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا
[16] . ، فَظَهَرَ تَمْوِيهُهُمْ بِقَوْلِهِمْ [ إِنَّ اللَّهَ ] قَادِرٌ
[17] . عَلَى جَمِيعِ الْمَقْدُورَاتِ .
وَأَمَّا أَهْلُ السُّنَّةِ فَعِنْدَهُمْ أَنَّ اللَّهَ [ تَعَالَى ]
[18] . عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، وَكُلُّ مُمْكِنٍ فَهُوَ مُنْدَرِجٌ فِي هَذَا .
وَأَمَّا الْمُحَالُ لِذَاتِهِ ، مِثْلَ كَوْنِ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ [ مَوْجُودًا ]
[19] . مَعْدُومًا ، فَهَذَا لَا حَقِيقَةَ لَهُ ، وَلَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُهُ
[20] . ، وَلَا يُسَمَّى شَيْئًا بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ ، وَمِنْ هَذَا الْبَابِ : خَلَقَ مِثْلَ نَفْسِهِ ، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ .