فصل
وتأمل
nindex.php?page=treesubj&link=28723ارتباط الخلق والأمر بهذه الأسماء الثلاثة ، وهي الله ، والرب ، والرحمن كيف نشأ عنها الخلق ، والأمر ، والثواب ، والعقاب ؟ وكيف جمعت الخلق وفرقتهم ؟ فلها الجمع ، ولها الفرق .
[ ص: 58 ] فاسم الرب له الجمع الجامع لجميع المخلوقات ، فهو رب كل شيء وخالقه ، والقادر عليه ، لا يخرج شيء عن ربوبيته ، وكل من في السماوات والأرض عبد له في قبضته ، وتحت قهره ، فاجتمعوا بصفة الربوبية ، وافترقوا بصفة الإلهية ، فألهه وحده السعداء ، وأقروا له طوعا بأنه الله الذي لا إله إلا هو ، الذي لا تنبغي العبادة والتوكل ، والرجاء والخوف ، والحب والإنابة والإخبات والخشية ، والتذلل والخضوع إلا له .
وهنا افترق الناس ، وصاروا فريقين : فريقا مشركين في السعير ، وفريقا موحدين في الجنة .
فالإلهية هي التي فرقتهم ، كما أن الربوبية هي التي جمعتهم .
فالدين والشرع ، والأمر والنهي مظهره ، وقيامه من صفة الإلهية ، والخلق والإيجاد والتدبير والفعل من صفة الربوبية ، والجزاء بالثواب والعقاب والجنة والنار من صفة الملك ، وهو ملك يوم الدين ، فأمرهم بإلهيته ، وأعانهم ووفقهم وهداهم وأضلهم بربوبيته ، وأثابهم وعاقبهم بملكه وعدله ، وكل واحدة من هذه الأمور لا تنفك عن الأخرى .
وأما الرحمة فهي التعلق ، والسبب الذي بين الله وبين عباده ، فالتأليه منهم له ، والربوبية منه لهم ، والرحمة سبب واصل بينه وبين عباده ، بها أرسل إليهم رسله ، وأنزل عليهم كتبه ، وبها هداهم ، وبها أسكنهم دار ثوابه ، وبها رزقهم وعافاهم وأنعم عليهم ، فبينهم وبينه سبب العبودية ، وبينه وبينهم سبب الرحمة .
واقتران ربوبيته برحمته كاقتران استوائه على عرشه برحمته ، ف
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=5الرحمن على العرش استوى مطابق لقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=2رب العالمين nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=3الرحمن الرحيم فإن
nindex.php?page=treesubj&link=28657شمول الربوبية وسعتها بحيث لا يخرج شيء عنها أقصى شمول الرحمة وسعتها ، فوسع كل شيء برحمته وربوبيته ، مع أن في كونه ربا للعالمين ما يدل على علوه على خلقه ، وكونه فوق كل شيء ، كما يأتي بيانه إن شاء الله .
فَصْلٌ
وَتَأَمَّلِ
nindex.php?page=treesubj&link=28723ارْتِبَاطَ الْخَلْقِ وَالْأَمْرِ بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ الثَّلَاثَةِ ، وَهِيَ اللَّهُ ، وَالرَّبُّ ، وَالرَّحْمَنُ كَيْفَ نَشَأَ عَنْهَا الْخَلْقُ ، وَالْأَمْرُ ، وَالثَّوَابُ ، وَالْعِقَابُ ؟ وَكَيْفَ جَمَعَتِ الْخَلْقَ وَفَرَّقَتْهُمْ ؟ فَلَهَا الْجَمْعُ ، وَلَهَا الْفَرْقُ .
[ ص: 58 ] فَاسْمُ الرَّبِّ لَهُ الْجَمْعُ الْجَامِعُ لِجَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ ، فَهُوَ رَبُّ كُلَّ شَيْءٍ وَخَالِقُهُ ، وَالْقَادِرُ عَلَيْهِ ، لَا يَخْرُجُ شَيْءٌ عَنْ رُبُوبِيَّتِهِ ، وَكُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَبْدٌ لَهُ فِي قَبْضَتِهِ ، وَتَحْتَ قَهْرِهِ ، فَاجْتَمَعُوا بِصِفَةِ الرُّبُوبِيَّةِ ، وَافْتَرَقُوا بِصِفَةِ الْإِلَهِيَّةِ ، فَأَلَّهَهُ وَحْدَهُ السُّعَدَاءُ ، وَأَقَرُّوا لَهُ طَوْعًا بِأَنَّهُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ، الَّذِي لَا تَنْبَغِي الْعِبَادَةُ وَالتَّوَكُّلُ ، وَالرَّجَاءُ وَالْخَوْفُ ، وَالْحُبُّ وَالْإِنَابَةُ وَالْإِخْبَاتُ وَالْخَشْيَةُ ، وَالتَّذَلُّلُ وَالْخُضُوعُ إِلَّا لَهُ .
وَهُنَا افْتَرَقَ النَّاسُ ، وَصَارُوا فَرِيقَيْنِ : فَرِيقًا مُشْرِكِينَ فِي السَّعِيرِ ، وَفَرِيقًا مُوَحِّدِينَ فِي الْجَنَّةِ .
فَالْإِلَهِيَّةُ هِيَ الَّتِي فَرَّقَتْهُمْ ، كَمَا أَنَّ الرُّبُوبِيَّةَ هِيَ الَّتِي جَمَعَتْهُمْ .
فَالدِّينُ وَالشَّرْعُ ، وَالْأَمْرُ وَالَنَّهْيُ مَظْهَرُهُ ، وَقِيَامُهُ مِنْ صِفَةِ الْإِلَهِيَّةِ ، وَالْخَلْقُ وَالْإِيجَادُ وَالتَّدْبِيرُ وَالْفِعْلُ مِنْ صِفَةِ الرُّبُوبِيَّةِ ، وَالْجَزَاءُ بِالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ مِنْ صِفَةِ الْمُلْكِ ، وَهُوَ مَلِكُ يَوْمِ الدِّينِ ، فَأَمَرَهُمْ بِإِلَهِيَّتِهِ ، وَأَعَانَهُمْ وَوَفَّقَهُمْ وَهَدَاهُمْ وَأَضَلَّهُمْ بِرُبُوبِيَّتِهِ ، وَأَثَابَهُمْ وَعَاقَبَهُمْ بِمُلْكِهِ وَعَدْلِهِ ، وَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ لَا تَنْفَكُّ عَنِ الْأُخْرَى .
وَأَمَّا الرَّحْمَةُ فَهِيَ التَّعَلُّقُ ، وَالسَّبَبُ الَّذِي بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ عِبَادِهِ ، فَالتَّأْلِيهُ مِنْهُمْ لَهُ ، وَالرُّبُوبِيَّةُ مِنْهُ لَهُمْ ، وَالرَّحْمَةُ سَبَبٌ وَاصِلٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عِبَادِهِ ، بِهَا أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ رُسُلَهُ ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِمْ كُتُبَهُ ، وَبِهَا هَدَاهُمْ ، وَبِهَا أَسْكَنَهُمْ دَارَ ثَوَابِهِ ، وَبِهَا رَزَقَهُمْ وَعَافَاهُمْ وَأَنْعَمَ عَلَيْهِمْ ، فَبَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ سَبَبُ الْعُبُودِيَّةِ ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ سَبَبُ الرَّحْمَةِ .
وَاقْتِرَانُ رُبُوبِيَّتِهِ بِرَحْمَتِهِ كَاقْتِرَانِ اسْتِوَائِهِ عَلَى عَرْشِهِ بِرَحْمَتِهِ ، فَ
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=5الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى مُطَابِقٌ لِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=2رَبِّ الْعَالَمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=3الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَإِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28657شُمُولَ الرُّبُوبِيَّةِ وَسِعَتْهَا بِحَيْثُ لَا يَخْرُجُ شَيْءٌ عَنْهَا أَقْصَى شُمُولِ الرَّحْمَةِ وَسِعَتِهَا ، فَوَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ بِرَحْمَتِهِ وَرُبُوبِيَّتِهِ ، مَعَ أَنَّ فِي كَوْنِهِ رَبًّا لِلْعَالَمِينَ مَا يَدُلُّ عَلَى عُلُوِّهِ عَلَى خَلْقِهِ ، وَكَوْنِهِ فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ ، كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ .