فصل
ثم أهل مقام "
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5إياك نعبد " لهم في أفضل العبادة وأنفعها وأحقها بالإيثار والتخصيص أربع طرق ، فهم في ذلك أربعة أصناف :
الصنف الأول : عندهم
nindex.php?page=treesubj&link=20716_29529أنفع العبادات وأفضلها أشقها على النفوس وأصعبها .
قالوا : لأنه أبعد الأشياء عن هواها ، وهو حقيقة التعبد .
قالوا : والأجر على قدر المشقة ، ورووا حديثا لا أصل له "
أفضل الأعمال أحمزها " أي أصعبها وأشقها .
[ ص: 107 ] وهؤلاء : هم أهل المجاهدات والجور على النفوس .
قالوا : وإنما تستقيم النفوس بذلك ، إذ طبعها الكسل والمهانة ، والإخلاد إلى الأرض ، فلا تستقيم إلا بركوب الأهوال وتحمل المشاق .
الصنف الثاني ، قالوا : أفضل العبادات التجرد ، والزهد في الدنيا ، والتقلل منها غاية الإمكان ، واطراح الاهتمام بها ، وعدم الاكتراث بكل ما هو منها .
ثم هؤلاء قسمان :
فعوامهم ظنوا أن هذا غاية ، فشمروا إليه وعملوا عليه ، ودعوا الناس إليه ، وقالوا : هو أفضل من درجة العلم والعبادة ، فرأوا الزهد في الدنيا غاية كل عبادة ورأسها .
وخواصهم رأوا هذا مقصودا لغيره ، وأن المقصود به عكوف القلب على الله ، وجمع الهمة عليه ، وتفريغ القلب لمحبته ، والإنابة إليه ، والتوكل عليه ، والاشتغال بمرضاته ، فرأوا أن أفضل العبادات في الجمعية على الله ، ودوام ذكره بالقلب واللسان ، والاشتغال بمراقبته ، دون كل ما فيه تفريق للقلب وتشتيت له .
ثم هؤلاء قسمان ، فالعارفون المتبعون منهم إذا جاء الأمر والنهي بادروا إليه ولو فرقهم وأذهب جمعيتهم ، والمنحرفون منهم يقولون : المقصود من العبادة جمعية القلب على الله ، فإذا جاء ما يفرقه عن الله لم يلتفت إليه ، وربما يقول قائلهم :
يطالب بالأوراد من كان غافلا فكيف بقلب كل أوقاته ورد
. ثم هؤلاء أيضا قسمان ، منهم من يترك الواجبات والفرائض لجمعيته ، ومنهم من يقوم بها ويترك السنن والنوافل ، وتعلم العلم النافع لجمعيته .
وسأل بعض هؤلاء شيخا عارفا ، فقال : إذا أذن المؤذن وأنا في جمعيتي على الله ، فإن قمت وخرجت نفقت ، وإن بقيت على حالي بقيت على جمعيتي ، فما الأفضل في حقي ؟
فقال : إذا أذن المؤذن وأنت تحت العرش فقم ، وأجب داعي الله ، ثم عد إلى موضعك ، وهذا لأن الجمعية على الله حظ الروح والقلب ، وإجابة الداعي حق الرب ، ومن آثر حظ روحه على حق ربه فليس من أهل "
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5إياك نعبد " .
الصنف الثالث : رأوا أن أنفع العبادات وأفضلها : ما كان فيه نفع متعد ، فرأوه
[ ص: 108 ] أفضل من ذي النفع القاصر ، فرأوا خدمة الفقراء ، والاشتغال بمصالح الناس وقضاء حوائجهم ، ومساعدتهم بالمال والجاه والنفع أفضل ، فتصدوا له وعملوا عليه واحتجوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم
الخلق كلهم عيال الله ، وأحبهم إليه أنفعهم لعياله رواه
أبو يعلى .
واحتجوا بأن عمل العابد قاصر على نفسه ، وعمل النفاع متعد إلى الغير ، وأين أحدهما من الآخر ؟ .
قالوا : ولهذا كان
nindex.php?page=treesubj&link=18471فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب .
قالوا : وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=showalam&ids=8لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه
nindex.php?page=hadith&LINKID=980133لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم وهذا التفضيل إنما هو للنفع المتعدي ، واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=hadith&LINKID=980134من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه ، من غير أن ينقص من أجورهم شيء واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=hadith&LINKID=980135إن الله وملائكته يصلون على معلمي [ ص: 109 ] الناس الخير وبقوله صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=hadith&LINKID=980136إن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض ، حتى الحيتان في البحر ، والنملة في جحرها .
واحتجوا بأن صاحب العبادة إذا مات انقطع عمله ، وصاحب النفع لا ينقطع عمله ، ما دام نفعه الذي نسب إليه .
واحتجوا بأن الأنبياء إنما بعثوا بالإحسان إلى الخلق وهدايتهم ، ونفعهم في معاشهم ومعادهم ، لم يبعثوا بالخلوات والانقطاع عن الناس والترهب ، ولهذا أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على أولئك النفر الذين هموا بالانقطاع للتعبد ، وترك مخالطة الناس ، ورأى هؤلاء التفرق في أمر الله ، ونفع عباده ، والإحسان إليهم ، أفضل من الجمعية عليه بدون ذلك .
الصنف الرابع ، قالوا : إن أفضل العبادة العمل على مرضاة الرب في كل وقت بما هو مقتضى ذلك الوقت ووظيفته ، فأفضل العبادات في وقت الجهاد : الجهاد ، وإن آل إلى ترك الأوراد ، من صلاة الليل وصيام النهار ، بل ومن ترك إتمام صلاة الفرض ، كما في حالة الأمن .
والأفضل في وقت حضور الضيف مثلا القيام بحقه ، والاشتغال به عن الورد المستحب ، وكذلك في أداء حق الزوجة والأهل .
[ ص: 110 ] والأفضل في أوقات السحر الاشتغال بالصلاة والقرآن ، والدعاء والذكر والاستغفار .
والأفضل في وقت استرشاد الطالب ، وتعليم الجاهل الإقبال على تعليمه والاشتغال به .
والأفضل في أوقات الأذان ترك ما هو فيه من ورده ، والاشتغال بإجابة المؤذن .
والأفضل في أوقات الصلوات الخمس الجد والنصح في إيقاعها على أكمل الوجوه ، والمبادرة إليها في أول الوقت ، والخروج إلى الجامع ، وإن بعد كان أفضل .
والأفضل في أوقات ضرورة المحتاج إلى المساعدة بالجاه ، أو البدن ، أو المال الاشتغال بمساعدته ، وإغاثة لهفته ، وإيثار ذلك على أورادك وخلوتك .
والأفضل في وقت قراءة القرآن جمعية القلب والهمة على تدبره وتفهمه ، حتى كأن الله تعالى يخاطبك به ، فتجمع قلبك على فهمه وتدبره ، والعزم على تنفيذ أوامره أعظم من جمعية قلب من جاءه كتاب من السلطان على ذلك .
والأفضل في وقت الوقوف
بعرفة الاجتهاد في التضرع والدعاء والذكر دون الصوم المضعف عن ذلك .
والأفضل في أيام عشر ذي الحجة الإكثار من التعبد ، لاسيما التكبير والتهليل والتحميد ، فهو أفضل من الجهاد غير المتعين .
والأفضل في العشر الأخير من رمضان لزوم المسجد فيه والخلوة والاعتكاف دون التصدي لمخالطة الناس والاشتغال بهم ، حتى إنه أفضل من الإقبال على تعليمهم العلم ، وإقرائهم القرآن ، عند كثير من العلماء .
والأفضل في وقت مرض أخيك المسلم أو موته عيادته ، وحضور جنازته وتشييعه ، وتقديم ذلك على خلوتك وجمعيتك .
والأفضل في وقت نزول النوازل وأذاة الناس لك أداء واجب الصبر مع خلطتك بهم ، دون الهرب منهم ، فإن المؤمن الذي يخالط الناس ليصبر على أذاهم أفضل من الذي لا يخالطهم ولا يؤذونه .
والأفضل خلطتهم في الخير ، فهي خير من اعتزالهم فيه ، واعتزالهم في الشر ، فهو
[ ص: 111 ] أفضل من خلطتهم فيه ، فإن علم أنه إذا خالطهم أزاله أو قلله فخلطتهم حينئذ أفضل من اعتزالهم .
فالأفضل في كل وقت وحال إيثار مرضاة الله في ذلك الوقت والحال ، والاشتغال بواجب ذلك الوقت ووظيفته ومقتضاه .
وهؤلاء هم
nindex.php?page=treesubj&link=29529أهل التعبد المطلق ، والأصناف قبلهم أهل التعبد المقيد ، فمتى خرج أحدهم عن النوع الذي تعلق به من العبادة وفارقه يرى نفسه كأنه قد نقص وترك عبادته ، فهو يعبد الله على وجه واحد ، وصاحب التعبد المطلق ليس له غرض في تعبد بعينه يؤثره على غيره ، بل غرضه تتبع مرضاة الله تعالى أين كانت ، فمدار تعبده عليها ، فهو لا يزال متنقلا في منازل العبودية ، كلما رفعت له منزلة عمل على سيره إليها ، واشتغل بها حتى تلوح له منزلة أخرى ، فهذا دأبه في السير حتى ينتهي سيره ، فإن رأيت العلماء رأيته معهم ، وإن رأيت العباد رأيته معهم ، وإن رأيت المجاهدين رأيته معهم ، وإن رأيت الذاكرين رأيته معهم ، وإن رأيت المتصدقين المحسنين رأيته معهم ، وإن رأيت أرباب الجمعية وعكوف القلب على الله رأيته معهم ، فهذا هو العبد المطلق ، الذي لم تملكه الرسوم ، ولم تقيده القيود ، ولم يكن عمله على مراد نفسه وما فيه لذتها وراحتها من العبادات ، بل هو على مراد ربه ، ولو كانت راحة نفسه ولذتها في سواه ، فهذا هو المتحقق ب "
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5إياك نعبد وإياك نستعين " حقا ، القائم بهما صدقا ، ملبسه ما تهيأ ، ومأكله ما تيسر ، واشتغاله بما أمر الله به في كل وقت بوقته ، ومجلسه حيث انتهى به المكان ووجده خاليا ، لا تملكه إشارة ، ولا يتعبده قيد ، ولا يستولي عليه رسم ، حر مجرد ، دائر مع الأمر حيث دار ، يدين بدين الآمر أنى توجهت ركائبه ، ويدور معه حيث استقلت مضاربه ، يأنس به كل محق ، ويستوحش منه كل مبطل ، كالغيث حيث وقع نفع ، وكالنخلة لا يسقط ورقها وكلها منفعة حتى شوكها ، وهو موضع الغلظة منه على المخالفين لأمر الله ، والغضب إذا انتهكت محارم الله ، فهو لله وبالله ومع الله ، قد صحب الله بلا خلق ، وصحب الناس بلا نفس ، بل إذا كان مع الله عزل الخلائق عن البين ، وتخلى عنهم ، وإذا كان مع خلقه عزل نفسه من الوسط وتخلى عنها ، فواها له ! ما أغربه بين الناس ! وما أشد وحشته منهم ! وما أعظم أنسه بالله وفرحه به ، وطمأنينته وسكونه إليه ! ! والله المستعان ، وعليه التكلان .
فَصْلٌ
ثُمَّ أَهْلُ مَقَامِ "
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5إِيَّاكَ نَعْبُدُ " لَهُمْ فِي أَفْضَلِ الْعِبَادَةِ وَأَنْفَعِهَا وَأَحَقِّهَا بِالْإِيثَارِ وَالتَّخْصِيصِ أَرْبَعُ طُرُقٍ ، فَهُمْ فِي ذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَصْنَافٍ :
الصِّنْفُ الْأَوَّلُ : عِنْدَهُمْ
nindex.php?page=treesubj&link=20716_29529أَنْفَعُ الْعِبَادَاتِ وَأَفْضَلُهَا أَشَقُّهَا عَلَى النُّفُوسِ وَأَصْعَبُهَا .
قَالُوا : لِأَنَّهُ أَبْعَدُ الْأَشْيَاءِ عَنْ هَوَاهَا ، وَهُوَ حَقِيقَةُ التَّعَبُّدِ .
قَالُوا : وَالْأَجْرُ عَلَى قَدْرِ الْمَشَقَّةِ ، وَرَوَوْا حَدِيثًا لَا أَصْلَ لَهُ "
أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ أَحَمَزُهَا " أَيْ أَصْعَبُهَا وَأَشَقُّهَا .
[ ص: 107 ] وَهَؤُلَاءِ : هُمْ أَهْلُ الْمُجَاهَدَاتِ وَالْجَوْرِ عَلَى النُّفُوسِ .
قَالُوا : وَإِنَّمَا تَسْتَقِيمُ النُّفُوسُ بِذَلِكَ ، إِذْ طَبْعُهَا الْكَسَلُ وَالْمَهَانَةُ ، وَالْإِخْلَادُ إِلَى الْأَرْضِ ، فَلَا تَسْتَقِيمُ إِلَّا بِرُكُوبِ الْأَهْوَالِ وَتَحَمُّلِ الْمَشَاقِّ .
الصِّنْفُ الثَّانِي ، قَالُوا : أَفْضَلُ الْعِبَادَاتِ التَّجَرُّدُ ، وَالزُّهْدُ فِي الدُّنْيَا ، وَالتَّقَلُّلُ مِنْهَا غَايَةَ الْإِمْكَانِ ، وَاطِّرَاحُ الِاهْتِمَامِ بِهَا ، وَعَدَمُ الِاكْتِرَاثِ بِكُلِّ مَا هُوَ مِنْهَا .
ثُمَّ هَؤُلَاءِ قِسْمَانِ :
فَعَوَامُّهُمْ ظَنُّوا أَنَّ هَذَا غَايَةٌ ، فَشَمَّرُوا إِلَيْهِ وَعَمِلُوا عَلَيْهِ ، وَدَعَوُا النَّاسَ إِلَيْهِ ، وَقَالُوا : هُوَ أَفْضَلُ مِنْ دَرَجَةِ الْعِلْمِ وَالْعِبَادَةِ ، فَرَأَوُا الزُّهْدَ فِي الدُّنْيَا غَايَةَ كُلِّ عِبَادَةٍ وَرَأْسَهَا .
وَخَوَاصُهُمْ رَأَوْا هَذَا مَقْصُودًا لِغَيْرِهِ ، وَأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ عُكُوفُ الْقَلْبِ عَلَى اللَّهِ ، وَجَمْعُ الْهِمَّةِ عَلَيْهِ ، وَتَفْرِيغُ الْقَلْبِ لِمَحَبَّتِهِ ، وَالْإِنَابَةِ إِلَيْهِ ، وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ ، وَالِاشْتِغَالِ بِمَرْضَاتِهِ ، فَرَأَوْا أَنَّ أَفْضَلَ الْعِبَادَاتِ فِي الْجَمْعِيَّةِ عَلَى اللَّهِ ، وَدَوَامِ ذِكْرِهِ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ ، وَالِاشْتِغَالِ بِمُرَاقَبَتِهِ ، دُونَ كُلِّ مَا فِيهِ تَفْرِيقٌ لِلْقَلْبِ وَتَشْتِيتٌ لَهُ .
ثُمَّ هَؤُلَاءِ قِسْمَانِ ، فَالْعَارِفُونَ الْمُتَّبِعُونَ مِنْهُمْ إِذَا جَاءَ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ بَادَرُوا إِلَيْهِ وَلَوْ فَرَّقَهُمْ وَأَذْهَبَ جَمْعِيَّتَهُمْ ، وَالْمُنْحَرِفُونَ مِنْهُمْ يَقُولُونَ : الْمَقْصُودُ مِنَ الْعِبَادَةِ جَمْعِيَّةُ الْقَلْبِ عَلَى اللَّهِ ، فَإِذَا جَاءَ مَا يُفَرِّقُهُ عَنِ اللَّهِ لَمْ يُلْتَفَتْ إِلَيْهِ ، وَرُبَّمَا يَقُولُ قَائِلُهُمْ :
يُطَالَبُ بِالْأَوْرَادِ مَنْ كَانَ غَافِلًا فَكَيْفَ بِقَلْبٍ كُلُّ أَوْقَاتِهِ وِرْدُ
. ثُمَّ هَؤُلَاءِ أَيْضًا قِسْمَانِ ، مِنْهُمْ مَنْ يَتْرُكُ الْوَاجِبَاتِ وَالْفَرَائِضَ لِجَمْعِيَّتِهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُومُ بِهَا وَيَتْرُكُ السُّنَنَ وَالنَّوَافِلَ ، وَتَعَلُّمَ الْعِلْمِ النَّافِعِ لِجَمْعِيَّتِهِ .
وَسَأَلَ بَعْضُ هَؤُلَاءِ شَيْخًا عَارِفًا ، فَقَالَ : إِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ وَأَنَا فِي جَمْعِيَّتِي عَلَى اللَّهِ ، فَإِنْ قُمْتُ وَخَرَجْتُ نَفَقْتُ ، وَإِنْ بَقِيتُ عَلَى حَالِي بَقِيتُ عَلَى جَمْعِيَّتِي ، فَمَا الْأَفْضَلُ فِي حَقِّي ؟
فَقَالَ : إِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ وَأَنْتَ تَحْتَ الْعَرْشِ فَقُمْ ، وَأَجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ ، ثُمَّ عُدْ إِلَى مَوْضِعِكَ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْجَمْعِيَّةَ عَلَى اللَّهِ حَظُّ الرُّوحِ وَالْقَلْبِ ، وَإِجَابَةَ الدَّاعِي حَقُّ الرَّبِّ ، وَمَنْ آثَرَ حَظَّ رُوحِهِ عَلَى حَقِّ رَبِّهِ فَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ "
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5إِيَّاكَ نَعْبُدُ " .
الصِّنْفُ الثَّالِثُ : رَأَوْا أَنَّ أَنْفَعَ الْعِبَادَاتِ وَأَفْضَلَهَا : مَا كَانَ فِيهِ نَفْعٌ مُتَعَدٍّ ، فَرَأَوْهُ
[ ص: 108 ] أَفْضَلَ مِنْ ذِي النَّفْعِ الْقَاصِرِ ، فَرَأَوْا خِدْمَةَ الْفُقَرَاءِ ، وَالِاشْتِغَالَ بِمَصَالِحِ النَّاسِ وَقَضَاءَ حَوَائِجِهِمْ ، وَمُسَاعَدَتِهِمْ بِالْمَالِ وَالْجَاهِ وَالنَّفْعِ أَفْضَلَ ، فَتَصَدَّوْا لَهُ وَعَمِلُوا عَلَيْهِ وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الْخَلْقُ كُلُّهُمْ عِيَالُ اللَّهِ ، وَأَحَبُّهُمْ إِلَيْهِ أَنْفَعُهُمْ لِعِيَالِهِ رَوَاهُ
أَبُو يَعْلَى .
وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ عَمَلَ الْعَابِدِ قَاصِرٌ عَلَى نَفْسِهِ ، وَعَمَلَ النَّفَّاعِ مُتَعَدٍّ إِلَى الْغَيْرِ ، وَأَيْنَ أَحَدُهُمَا مِنَ الْآخَرِ ؟ .
قَالُوا : وَلِهَذَا كَانَ
nindex.php?page=treesubj&link=18471فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ .
قَالُوا : وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
nindex.php?page=showalam&ids=8لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
nindex.php?page=hadith&LINKID=980133لَأَنْ يَهْدِي اللَّهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ وَهَذَا التَّفْضِيلُ إِنَّمَا هُوَ لِلنَّفْعِ الْمُتَعَدِّي ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=980134مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنِ اتَّبَعَهُ ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=980135إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِي [ ص: 109 ] النَّاسِ الْخَيْرَ وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=980136إِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ ، حَتَّى الْحِيتَانُ فِي الْبَحْرِ ، وَالنَّمْلَةُ فِي جُحْرِهَا .
وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ صَاحِبَ الْعِبَادَةِ إِذَا مَاتَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ ، وَصَاحِبَ النَّفْعِ لَا يَنْقَطِعُ عَمَلُهُ ، مَا دَامَ نَفْعُهُ الَّذِي نُسِبَ إِلَيْهِ .
وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ إِنَّمَا بُعِثُوا بِالْإِحْسَانِ إِلَى الْخَلْقِ وَهِدَايَتِهِمْ ، وَنَفْعِهِمْ فِي مَعَاشِهِمْ وَمَعَادِهِمْ ، لَمْ يُبْعَثُوا بِالْخُلْوَاتِ وَالِانْقِطَاعِ عَنِ النَّاسِ وَالتَّرَهُّبِ ، وَلِهَذَا أَنْكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُولَئِكَ النَّفَرِ الَّذِينَ هَمُّوا بِالِانْقِطَاعِ لِلتَّعَبُّدِ ، وَتَرْكِ مُخَالَطَةِ النَّاسِ ، وَرَأَى هَؤُلَاءِ التَّفَرُّقَ فِي أَمْرِ اللَّهِ ، وَنَفْعَ عِبَادِهِ ، وَالْإِحْسَانَ إِلَيْهِمْ ، أَفْضَلَ مِنَ الْجَمْعِيَّةِ عَلَيْهِ بِدُونِ ذَلِكَ .
الصِّنْفُ الرَّابِعُ ، قَالُوا : إِنَّ أَفْضَلَ الْعِبَادَةِ الْعَمَلُ عَلَى مَرْضَاةِ الرَّبِّ فِي كُلِّ وَقْتٍ بِمَا هُوَ مُقْتَضَى ذَلِكَ الْوَقْتِ وَوَظِيفَتُهُ ، فَأَفْضَلُ الْعِبَادَاتِ فِي وَقْتِ الْجِهَادِ : الْجِهَادُ ، وَإِنْ آَلَ إِلَى تَرْكِ الْأَوْرَادِ ، مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَصِيَامِ النَّهَارِ ، بَلْ وَمِنْ تَرْكِ إِتْمَامِ صَلَاةِ الْفَرْضِ ، كَمَا فِي حَالَةِ الْأَمْنِ .
وَالْأَفْضَلُ فِي وَقْتِ حُضُورِ الضَّيْفِ مَثَلًا الْقِيَامُ بِحَقِّهِ ، وَالِاشْتِغَالُ بِهِ عَنِ الْوِرْدِ الْمُسْتَحَبِّ ، وَكَذَلِكَ فِي أَدَاءِ حَقِّ الزَّوْجَةِ وَالْأَهْلِ .
[ ص: 110 ] وَالْأَفْضَلُ فِي أَوْقَاتِ السَّحَرِ الِاشْتِغَالُ بِالصَّلَاةِ وَالْقُرْآنِ ، وَالدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ وَالِاسْتِغْفَارِ .
وَالْأَفْضَلُ فِي وَقْتِ اسْتِرْشَادِ الطَّالِبِ ، وَتَعْلِيمِ الْجَاهِلِ الْإِقْبَالُ عَلَى تَعْلِيمِهِ وَالِاشْتِغَالِ بِهِ .
وَالْأَفْضَلُ فِي أَوْقَاتِ الْأَذَانِ تَرْكُ مَا هُوَ فِيهِ مِنْ وِرْدِهِ ، وَالِاشْتِغَالُ بِإِجَابَةِ الْمُؤَذِّنِ .
وَالْأَفْضَلُ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ الْجِدُّ وَالنُّصْحُ فِي إِيقَاعِهَا عَلَى أَكْمَلِ الْوُجُوهِ ، وَالْمُبَادَرَةُ إِلَيْهَا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ ، وَالْخُرُوجُ إِلَى الْجَامِعِ ، وَإِنْ بَعُدَ كَانَ أَفْضَلَ .
وَالْأَفْضَلُ فِي أَوْقَاتِ ضَرُورَةِ الْمُحْتَاجِ إِلَى الْمُسَاعَدَةِ بِالْجَاهِ ، أَوِ الْبَدَنِ ، أَوِ الْمَالِ الِاشْتِغَالُ بِمُسَاعَدَتِهِ ، وَإِغَاثَةُ لَهْفَتِهِ ، وَإِيثَارُ ذَلِكَ عَلَى أَوْرَادِكَ وَخَلْوَتِكَ .
وَالْأَفْضَلُ فِي وَقْتِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ جَمْعِيَّةُ الْقَلْبِ وَالْهِمَّةِ عَلَى تَدَبُّرِهِ وَتَفَهُّمِهِ ، حَتَّى كَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُخَاطِبُكَ بِهِ ، فَتَجْمَعُ قَلْبَكَ عَلَى فَهْمِهِ وَتَدَبُّرِهِ ، وَالْعَزْمُ عَلَى تَنْفِيذِ أَوَامِرِهِ أَعْظَمُ مِنْ جَمْعِيَّةِ قَلْبِ مَنْ جَاءَهُ كِتَابٌ مِنَ السُّلْطَانِ عَلَى ذَلِكَ .
وَالْأَفْضَلُ فِي وَقْتِ الْوُقُوفِ
بِعَرَفَةَ الِاجْتِهَادُ فِي التَّضَرُّعِ وَالْدُعَاءِ وَالْذِكْرِ دُونَ الصَّوْمِ الْمُضْعِفِ عَنْ ذَلِكَ .
وَالْأَفْضَلُ فِي أَيَّامِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ الْإِكْثَارُ مِنَ التَّعَبُّدِ ، لَاسِيَّمَا التَّكْبِيرُ وَالْتَهْلِيلُ وَالْتَحْمِيدُ ، فَهُوَ أَفْضَلُ مِنَ الْجِهَادِ غَيْرِ الْمُتَعَيَّنِ .
وَالْأَفْضَلُ فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ لُزُومُ الْمَسْجِدِ فِيهِ وَالْخَلْوَةِ وَالِاعْتِكَافِ دُونَ التَّصَدِّي لِمُخَالَطَةِ النَّاسِ وَالِاشْتِغَالِ بِهِمْ ، حَتَّى إِنَّهُ أَفْضَلُ مِنَ الْإِقْبَالِ عَلَى تَعْلِيمِهِمُ الْعِلْمَ ، وَإقْرَائِهِمُ الْقُرْآنَ ، عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ .
وَالْأَفْضَلُ فِي وَقْتِ مَرَضِ أَخِيكَ الْمُسْلِمِ أَوْ مَوْتِهِ عِيَادَتُهُ ، وَحُضُورُ جِنَازَتِهِ وَتَشْيِيعُهُ ، وَتَقْدِيمُ ذَلِكَ عَلَى خَلْوَتِكَ وَجَمْعِيَّتِكَ .
وَالْأَفْضَلُ فِي وَقْتِ نُزُولِ النَّوَازِلِ وَأَذَاةِ النَّاسِ لَكَ أَدَاءُ وَاجِبِ الصَّبْرِ مَعَ خُلْطَتِكَ بِهِمْ ، دُونَ الْهَرَبِ مِنْهُمْ ، فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ لِيَصْبِرَ عَلَى أَذَاهُمْ أَفْضَلُ مِنَ الَّذِي لَا يُخَالِطُهُمْ وَلَا يُؤْذُونَهُ .
وَالْأَفْضَلُ خُلْطَتُهُمْ فِي الْخَيْرِ ، فَهِيَ خَيْرٌ مِنَ اعْتِزَالِهِمْ فِيهِ ، وَاعْتِزَالُهُمْ فِي الشَّرِّ ، فَهُوَ
[ ص: 111 ] أَفْضَلُ مِنْ خُلْطَتِهِمْ فِيهِ ، فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ إِذَا خَالَطَهُمْ أَزَالَهُ أَوْ قَلَّلَهُ فَخُلْطَتُهُمْ حِينَئِذٍ أَفْضَلُ مِنِ اعْتِزَالِهِمْ .
فَالْأَفْضَلُ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَحَالٍ إِيثَارُ مَرْضَاةِ اللَّهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَالْحَالِ ، وَالِاشْتِغَالُ بِوَاجِبِ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَوَظِيفَتِهِ وَمُقْتَضَاهُ .
وَهَؤُلَاءِ هُمْ
nindex.php?page=treesubj&link=29529أَهْلُ التَّعَبُّدِ الْمُطْلَقِ ، وَالْأَصْنَافُ قِبَلَهُمْ أَهْلُ التَّعَبُّدِ الْمُقَيَّدِ ، فَمَتَى خَرَجَ أَحَدُهُمْ عَنِ النَّوْعِ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ مِنَ الْعِبَادَةِ وَفَارَقَهُ يَرَى نَفْسَهُ كَأَنَّهُ قَدْ نَقَصَ وَتَرَكَ عِبَادَتَهُ ، فَهُوَ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ ، وَصَاحِبُ التَّعَبُّدِ الْمُطْلَقِ لَيْسَ لَهُ غَرَضٌ فِي تَعَبُّدٍ بِعَيْنِهِ يُؤْثِرُهُ عَلَى غَيْرِهِ ، بَلْ غَرَضُهُ تَتَبُّعُ مَرْضَاةِ اللَّهِ تَعَالَى أَيْنَ كَانَتْ ، فَمَدَارُ تَعَبُّدِهِ عَلَيْهَا ، فَهُوَ لَا يَزَالُ مُتَنَقِّلًا فِي مَنَازِلِ الْعُبُودِيَّةِ ، كُلَّمَا رُفِعَتْ لَهُ مَنْزِلَةٌ عَمِلَ عَلَى سَيْرِهِ إِلَيْهَا ، وَاشْتَغَلَ بِهَا حَتَّى تَلُوحَ لَهُ مَنْزِلَةٌ أُخْرَى ، فَهَذَا دَأْبَهُ فِي السَّيْرِ حَتَّى يَنْتَهِيَ سَيْرُهُ ، فَإِنْ رَأَيْتَ الْعُلَمَاءَ رَأَيْتَهُ مَعَهُمْ ، وَإِنْ رَأَيْتَ الْعُبَّادَ رَأَيْتَهُ مَعَهُمْ ، وَإِنْ رَأَيْتَ الْمُجَاهِدِينَ رَأَيْتَهُ مَعَهُمْ ، وَإِنْ رَأَيْتَ الذَّاكِرِينَ رَأَيْتَهُ مَعَهُمْ ، وَإِنْ رَأَيْتَ الْمُتَصَدِّقِينَ الْمُحْسِنِينَ رَأَيْتَهُ مَعَهُمْ ، وَإِنْ رَأَيْتَ أَرْبَابَ الْجَمْعِيَّةِ وَعُكُوفِ الْقَلْبِ عَلَى اللَّهِ رَأَيْتَهُ مَعَهُمْ ، فَهَذَا هُوَ الْعَبْدُ الْمُطْلَقُ ، الَّذِي لَمْ تَمْلِكْهُ الرُّسُومُ ، وَلَمْ تُقَيِّدْهُ الْقُيُودُ ، وَلَمْ يَكُنْ عَمَلُهُ عَلَى مُرَادِ نَفْسِهِ وَمَا فِيهِ لَذَّتُهَا وَرَاحَتُهَا مِنَ الْعِبَادَاتِ ، بَلْ هُوَ عَلَى مُرَادِ رَبِّهِ ، وَلَوْ كَانَتْ رَاحَةُ نَفْسِهِ وَلَذَّتُهَا فِي سِوَاهُ ، فَهَذَا هُوَ الْمُتَحَقِّقُ بِ "
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ " حَقًّا ، الْقَائِمُ بِهِمَا صِدْقًا ، مَلْبَسُهُ مَا تَهَيَّأَ ، وَمَأْكَلُهُ مَا تَيَسَّرَ ، وَاشْتِغَالُهُ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ بِوَقْتِهِ ، وَمَجْلِسُهُ حَيْثُ انْتَهَى بِهِ الْمَكَانُ وَوَجَدَهُ خَالِيًا ، لَا تَمْلِكُهُ إِشَارَةٌ ، وَلَا يَتَعَبَّدُهُ قَيْدٌ ، وَلَا يَسْتَوْلِي عَلَيْهِ رَسْمٌ ، حُرٌّ مُجَرَّدٌ ، دَائِرٌ مَعَ الْأَمْرِ حَيْثُ دَارَ ، يَدِينُ بِدِينِ الْآمِرِ أَنَّى تَوَجَّهَتْ رَكَائِبُهُ ، وَيَدُورُ مَعَهُ حَيْثُ اسْتَقَلَّتْ مَضَارِبُهُ ، يَأْنَسُ بِهِ كُلُّ مُحِقٍّ ، وَيَسْتَوْحِشُ مِنْهُ كُلُّ مُبْطِلٍ ، كَالْغَيْثِ حَيْثُ وَقَعَ نَفَعَ ، وَكَالْنَخْلَةِ لَا يَسْقُطُ وَرَقُهَا وَكُلُّهَا مَنْفَعَةٌ حَتَّى شَوْكُهَا ، وَهُوَ مَوْضِعُ الْغِلْظَةِ مِنْهُ عَلَى الْمُخَالِفِينَ لِأَمْرِ اللَّهِ ، وَالْغَضَبِ إِذَا انْتُهِكَتْ مَحَارِمُ اللَّهِ ، فَهُوَ لِلَّهِ وَبِاللَّهِ وَمَعَ اللَّهِ ، قَدْ صَحِبَ اللَّهَ بِلَا خَلْقٍ ، وَصَحِبَ النَّاسَ بِلَا نَفْسٍ ، بَلْ إِذَا كَانَ مَعَ اللَّهِ عَزَلَ الْخَلَائِقَ عَنِ الْبَيْنِ ، وَتَخَلَّى عَنْهُمْ ، وَإِذَا كَانَ مَعَ خَلْقِهِ عَزَلَ نَفْسَهُ مِنَ الْوَسَطِ وَتَخَلَّى عَنْهَا ، فَوَاهًا لَهُ ! مَا أَغْرَبَهُ بَيْنَ النَّاسِ ! وَمَا أَشَدَّ وَحْشَتَهُ مِنْهُمْ ! وَمَا أَعْظَمَ أُنْسَهُ بِاللَّهِ وَفَرَحَهُ بِهِ ، وَطُمَأْنِينَتَهُ وَسُكُونَهُ إِلَيْهِ ! ! وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ ، وَعَلَيْهِ الْتُكْلَانُ .