فصل
في ذكر هذه الأسماء بعد الحمد ، وإيقاع الحمد على مضمونها ومقتضاها ما يدل على أنه محمود في إلهيته ، محمود في ربوبيته ، محمود في رحمانيته ، محمود في ملكه ، وأنه إله محمود ، ورب محمود ، ورحمن محمود ، وملك محمود ، فله بذلك جميع أقسام الكمال : كمال من هذا الاسم بمفرده ، وكمال من الآخر بمفرده ، وكمال من اقتران أحدهما بالآخر .
[ ص: 59 ] مثال ذلك : قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=6والله غني حميد ،
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=26والله عليم حكيم ،
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=7والله قدير ،
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=218والله غفور رحيم فالغنى صفة كمال ، والحمد صفة كمال ، واقتران غناه بحمده كمال أيضا ، وعلمه كمال ، وحكمته كمال ، واقتران العلم بالحكمة كمال أيضا ، وقدرته كمال ومغفرته كمال ، واقتران القدرة بالمغفرة كمال ، وكذلك العفو بعد القدرة
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43إن الله كان عفوا غفورا واقتران العلم بالحلم
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=12والله عليم حليم .
nindex.php?page=treesubj&link=29657وحملة العرش أربعة : اثنان يقولان سبحانك اللهم وبحمدك ، لك الحمد على حلمك بعد علمك ، واثنان يقولان : سبحانك اللهم وبحمدك ، لك الحمد على عفوك بعد قدرتك ، فما كل من قدر عفا ، ولا كل من عفا يعفو عن قدرة ، ولا كل من علم يكون حليما ، ولا كل حليم عالم ، فما قرن شيء إلى شيء أزين من حلم إلى علم ، ومن عفو إلى قدرة ، ومن ملك إلى حمد ، ومن عزة إلى رحمة
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=9وإن ربك لهو العزيز الرحيم ومن هاهنا كان قول
المسيح عليه السلام
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=118إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم أحسن من أن يقول : وإن تغفر لهم فإنك أنت الغفور الرحيم ، أي إن غفرت لهم كان مصدر مغفرتك عن عزة ، وهي كمال القدرة ، وعن حكمة ، وهي كمال العلم ، فمن غفر عن عجز وجهل بجرم الجاني ، فأنت لا تغفر إلا عن قدرة تامة ، وعلم تام ، وحكمة تضع بها الأشياء مواضعها ، فهذا أحسن من ذكر الغفور الرحيم في هذا الموضع ، الدال ذكره على التعريض بطلب المغفرة في غير حينها ، وقد فاتت ، فإنه لو قال : وإن تغفر لهم فإنك أنت الغفور الرحيم ، كان في هذا من الاستعطاف والتعريض بطلب المغفرة لمن لا يستحقها ما ينزه عنه منصب
المسيح عليه السلام ، لا سيما والموقف موقف عظمة وجلال ، وموقف انتقام ممن جعل لله ولدا ، واتخذه إلها من دونه ، فذكر العزة والحكمة فيه أليق من ذكر الرحمة والمغفرة ، وهذا بخلاف قول
الخليل عليه السلام
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=35واجنبني وبني أن نعبد الأصنام رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم [ ص: 60 ] ولم يقل : فإنك عزيز حكيم ، لأن المقام مقام استعطاف وتعريض بالدعاء ، أي إن تغفر لهم وترحمهم ، بأن توفقهم للرجوع من الشرك إلى التوحيد ، ومن المعصية إلى الطاعة ، كما في الحديث
nindex.php?page=hadith&LINKID=980116اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون .
وفي هذا أظهر الدلالة على أن أسماء الرب تعالى مشتقة من أوصاف ومعان قامت به ، وأن كل اسم يناسب ما ذكر معه ، واقترن به ، من فعله وأمره ، والله الموفق للصواب .
فَصْلٌ
فِي ذِكْرِ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ بَعْدَ الْحَمْدِ ، وَإِيقَاعِ الْحَمْدِ عَلَى مَضْمُونِهَا وَمُقْتَضَاهَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَحْمُودٌ فِي إِلَهِيَّتِهِ ، مَحْمُودٌ فِي رُبُوبِيَّتِهِ ، مَحْمُودٌ فِي رَحْمَانِيَّتِهِ ، مَحْمُودٌ فِي مُلْكِهِ ، وَأَنَّهُ إِلَهٌ مَحْمُودٌ ، وَرَبٌّ مَحْمُودٌ ، وَرَحْمَنٌ مَحْمُودٌ ، وَمَلِكٌ مَحْمُودٌ ، فَلَهُ بِذَلِكَ جَمِيعُ أَقْسَامِ الْكَمَالِ : كَمَالٌ مِنْ هَذَا الِاسْمِ بِمُفْرَدِهِ ، وَكَمَالٌ مِنَ الْآخَرِ بِمُفْرَدِهِ ، وَكَمَالٌ مِنِ اقْتِرَانِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ .
[ ص: 59 ] مِثَالُ ذَلِكَ : قَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=6وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ،
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=26وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ،
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=7وَاللَّهُ قَدِيرٌ ،
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=218وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ فَالْغِنَى صِفَةُ كَمَالٍ ، وَالْحَمْدُ صِفَةُ كَمَالٍ ، وَاقْتِرَانُ غِنَاهُ بِحَمْدِهِ كَمَالٌ أَيْضًا ، وَعِلْمُهُ كَمَالٌ ، وَحِكْمَتُهُ كَمَالٌ ، وَاقْتِرَانُ الْعِلْمِ بِالْحِكْمَةِ كَمَالٌ أَيْضًا ، وَقُدْرَتُهُ كَمَالٌ وَمَغْفِرَتُهُ كَمَالٌ ، وَاقْتِرَانُ الْقُدْرَةِ بِالْمَغْفِرَةِ كَمَالٌ ، وَكَذَلِكَ الْعَفْوُ بَعْدَ الْقُدْرَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا وَاقْتِرَانُ الْعِلْمِ بِالْحِلْمِ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=12وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ .
nindex.php?page=treesubj&link=29657وَحَمَلَةُ الْعَرْشِ أَرْبَعَةٌ : اثْنَانِ يَقُولَانِ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، لَكَ الْحَمْدُ عَلَى حِلْمِكَ بَعْدَ عِلْمِكَ ، وَاثْنَانِ يَقُولَانِ : سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، لَكَ الْحَمْدُ عَلَى عَفْوِكَ بَعْدَ قُدْرَتِكَ ، فَمَا كُلُّ مَنْ قَدَرَ عَفَا ، وَلَا كُلُّ مَنْ عَفَا يَعْفُو عَنْ قُدْرَةٍ ، وَلَا كُلُّ مَنْ عَلِمَ يَكُونُ حَلِيمًا ، وَلَا كُلُّ حَلِيمٍ عَالِمٌ ، فَمَا قُرِنَ شَيْءٌ إِلَى شَيْءٍ أَزْيَنُ مِنْ حِلْمٍ إِلَى عِلْمٍ ، وَمِنْ عَفْوٍ إِلَى قُدْرَةٍ ، وَمِنْ مُلْكٍ إِلَى حَمْدٍ ، وَمِنْ عِزَّةٍ إِلَى رَحْمَةٍ
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=9وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ وَمِنْ هَاهُنَا كَانَ قَوْلُ
الْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَامُ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=118إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ أَحْسَنُ مِنْ أَنْ يَقُولَ : وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ، أَيْ إِنْ غَفَرْتَ لَهُمْ كَانَ مَصْدَرُ مَغْفِرَتِكَ عَنْ عِزَّةٍ ، وَهِيَ كَمَالُ الْقُدْرَةِ ، وَعَنْ حِكْمَةٍ ، وَهِيَ كَمَالُ الْعِلْمِ ، فَمَنْ غَفَرَ عَنْ عَجْزٍ وَجَهْلٍ بِجُرْمِ الْجَانِي ، فَأَنْتَ لَا تَغْفِرُ إِلَّا عَنْ قُدْرَةٍ تَامَّةٍ ، وَعِلْمٍ تَامٍّ ، وَحِكْمَةٍ تَضَعُ بِهَا الْأَشْيَاءَ مَوَاضِعَهَا ، فَهَذَا أَحْسَنُ مِنْ ذِكْرِ الْغَفُورِ الرَّحِيمِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ ، الدَّالِّ ذِكْرُهُ عَلَى التَّعْرِيضِ بِطَلَبِ الْمَغْفِرَةِ فِي غَيْرِ حِينِهَا ، وَقَدْ فَاتَتْ ، فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ : وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ، كَانَ فِي هَذَا مِنَ الِاسْتِعْطَافِ وَالتَّعْرِيضِ بِطَلَبِ الْمَغْفِرَةِ لِمَنْ لَا يَسْتَحِقُّهَا مَا يُنَزَّهُ عَنْهُ مَنْصِبُ
الْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، لَا سِيَّمَا وَالْمَوْقِفُ مَوْقِفُ عَظَمَةٍ وَجَلَالٍ ، وَمَوْقِفُ انْتِقَامٍ مِمَّنْ جَعَلَ لِلَّهِ وَلَدًا ، وَاتَّخَذَهُ إِلَهًا مِنْ دُونِهِ ، فَذِكْرُ الْعِزَّةِ وَالْحِكْمَةِ فِيهِ أَلْيَقُ مِنْ ذِكْرِ الرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ ، وَهَذَا بِخِلَافِ قَوْلِ
الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=35وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [ ص: 60 ] وَلَمْ يَقِلْ : فَإِنَّكَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ، لِأَنَّ الْمَقَامَ مَقَامُ اسْتِعْطَافٍ وَتَعْرِيضٍ بِالدُّعَاءِ ، أَيْ إِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ وَتَرْحَمْهُمْ ، بِأَنْ تُوَفِّقَهُمْ لِلرُّجُوعِ مِنَ الشِّرْكِ إِلَى التَّوْحِيدِ ، وَمِنَ الْمَعْصِيَةِ إِلَى الطَّاعَةِ ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=980116اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ .
وَفِي هَذَا أَظْهَرُ الدِّلَالَةِ عَلَى أَنَّ أَسْمَاءَ الرَّبِّ تَعَالَى مُشْتَقَّةٌ مِنْ أَوْصَافٍ وَمَعَانٍ قَامَتْ بِهِ ، وَأَنَّ كُلَّ اسْمٍ يُنَاسِبُ مَا ذُكِرَ مَعَهُ ، وَاقْتَرَنَ بِهِ ، مِنْ فِعْلِهِ وَأَمْرِهِ ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ .