[ ص: 29 ] وقال : : التورع عن كل داعية تدعو إلى شتات الوقت . والتعلق بالتفرق . وعارض يعارض حال الجمع . الدرجة الثالثة
الفرق بين شتات الوقت ، والتعلق بالتفرق : كالفرق بين السبب والمسبب ، والنفي والإثبات . فإنه يتشتت وقته . فلا يجد بدا من التعلق بما سوى مطلوبه الحق . إذ لا تعطيل في النفس ولا في الإرادة . فمن لم يكن الله مراده أراد ما سواه .
ومن لم يكن هو وحده معبوده عبد ما سواه . ومن لم يكن عمله لله فلا بد أن يعمل لغيره . وقد تقدم هذا .
فالمخلص يصونه الله بعبادته وحده ، وإرادة وجهه وخشيته وحده ، ورجائه وحده ، والطلب منه ، والذل له ، والافتقار إليه وحده .
وإنما كان هذا أعلى من الدرجة الثانية : لأن أربابها اشتغلوا بحفظ الصيانة من الكدر وملاحظتها . وذلك عند أهل الدرجة الثالثة : تفرق عن الحق . واشتغال عن مراقبته بحال نفوسهم . فأدب أهل هذه أدب حضور ، وأدب أولئك أدب غيبة .
وأما " الورع عن كل حال يعارض حال الجمع " .
فمعناه أن يستغرق العبد شهود فنائه في التوحيد ، وجمعيته على الله تعالى فيه عن كل حال يعارض هذا الفناء والجمعية .
وهذا عند الشيخ لما كان هو الغاية التي ليس بعدها مطلب جعل كل حال يعارضها ويقطع عنها ناقصا بالنسبة إليها . فالرغبة عنه غير ورع صاحبها . وقد عرفت ما فيه . وأن فوق هذا مقام أرفع منه وأعلى . وهو الورع عن كل حظ يزاحم مراده منك ، ولو كان الحظ فناء وجمعية ، أو كائنا ما كان . وبينا أن الفناء والجمعية حظ العبد . وأن حق الرب وراء ذلك . وهو البقاء بمراده فرقا وجمعا به وله .
وعلى هذا فالورع الخاص : الورع عن كل حال يعارض حال القيام بالأمر ، والبقاء به فرقا وجمعا . والله المستعان .