فصل
سئل عن الفضيل بن عياض فقال : يخضع للحق ، وينقاد له . ويقبله ممن قاله . التواضع ؟
وقيل : التواضع أن لا ترى لنفسك قيمة . فمن رأى لنفسه قيمة فليس له في التواضع نصيب .
وهذا مذهب الفضيل وغيره .
وقال : هو خفض الجناح ، ولين الجانب . الجنيد بن محمد
وقال : هو أن لا يرى لنفسه مقاما ولا حالا . ولا يرى في الخلق شرا منه . أبو يزيد البسطامي
وقال ابن عطاء : هو قبول الحق ممن كان . والعز في التواضع . فمن طلبه في الكبر فهو كتطلب الماء من النار .
وقال : الشرف في التواضع . والعز في التقوى . والحرية في القناعة . إبراهيم بن شيبان
ويذكر عن رحمه الله ، أنه قال : أعز الخلق خمسة أنفس : عالم زاهد وفقيه صوفي . وغني متواضع . وفقير شاكر . وشريف سني . سفيان الثوري
[ ص: 315 ] وقال رضي الله عنهما : رأيت عروة بن الزبير رضي الله عنه على عاتقه قربة ماء ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، لا ينبغي لك هذا . فقال : لما أتاني الوفود سامعين مطيعين . دخلت نفسي نخوة . فأردت أن أكسرها . عمر بن الخطاب
وولي رضي الله عنه إمارة مرة . فكان يحمل حزمة الحطب على ظهره . ويقول : طرقوا للأمير . أبو هريرة
وركب مرة . فدنا زيد بن ثابت ليأخذ بركابه . فقال : مه يا ابن عم رسول الله ! فقال : هكذا أمرنا أن نفعل بكبرائنا . فقال : أرني يدك . فأخرجها إليه فقبلها . فقال : هكذا أمرنا نفعل بأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم . ابن عباس
وقسم رضي الله عنه بين الصحابة رضي الله عنهم حللا ، فبعث إلى عمر بن الخطاب معاذ حلة مثمنة . فباعها . واشترى بثمنها ستة أعبد وأعتقهم . فبلغ ذلك عمر . فبعث إليه بعد ذلك حلة دونها . فعاتبه معاذ ، فقال عمر : لأنك بعت الأولى . فقال معاذ : وما عليك ؟ ادفع لي نصيبي . وقد حلفت لأضربن بها رأسك فقال عمر رضي الله عنه : رأسي بين يديك . وقد يرفق الشاب بالشيخ .
ومر الحسن على صبيان معهم كسر خبز . فاستضافوه . فنزل فأكل معهم ، ثم حملهم إلى منزله . فأطعمهم وكساهم ، وقال : اليد لهم . لأنهم لا يجدون شيئا غير ما أطعموني ، ونحن نجد أكثر منه .
ويذكر أن أبا ذر رضي الله عنه عير بلالا رضي الله عنه بسواده ، ثم ندم . فألقى بنفسه . فحلف : لا رفعت رأسي حتى يطأ بلال خدي بقدمه . فلم يرفع رأسه حتى فعل بلال .
وقال . قومت ثياب رجاء بن حيوة رضي الله عنه - وهو يخطب - باثني عشر درهما . وكانت قباء وعمامة وقمصا وسراويل ورداء وخفين وقلنسوة . عمر بن عبد العزيز
ورأى ابنا له يمشي مشية منكرة . فقال : تدري بكم شريت أمك ؟ بثلاثمائة درهم ، وأبوك - لا كثر الله في المسلمين مثله - أنا . وأنت تمشي هذه المشية ؟ . محمد بن واسع
وقال : التواضع أن لا ترى لأحد إلى نفسك حاجة ، لا في الدين ولا في الدنيا . حمدون القصار
وقال : ما سررت في إسلامي إلا ثلاث مرات : كنت في سفينة ، وفيها رجل مضحاك . كان يقول : كنا في بلاد الترك فأخذ العلج هكذا - وكان يأخذ بشعر [ ص: 316 ] رأسي ويهزني - لأنه لم يكن في تلك السفينة أحد أحقر مني . والأخرى : كنت عليلا في مسجد . فدخل المؤذن ، وقال : اخرج . فلم أطق ، فأخذ برجلي وجرني إلى خارج . والأخرى : كنت إبراهيم بن أدهم بالشام وعلي فرو . فنظرت فيه فلم أميز بين شعره وبين القمل لكثرته . فسرني ذلك .
وفي رواية : كنت يوما جالسا . فجاء إنسان فبال علي .
وقال بعضهم : رأيت في الطواف رجلا بين يديه شاكرية يمنعون الناس لأجله عن الطواف ، ثم رأيته بعد ذلك بمدة على جسر بغداد يسأل شيئا . فتعجبت منه . فقال لي : إني تكبرت في موضع يتواضع الناس فيه ، فابتلاني الله بالذل في موضع يترفع الناس فيه .
وبلغ رضي الله عنه : أن ابنا له اشترى خاتما بألف درهم . فكتب إليه عمر بن عبد العزيز عمر : بلغني أنك اشتريت فصا بألف درهم . فإذا أتاك كتابي فبع الخاتم . وأشبع به ألف بطن . واتخذ خاتما بدرهمين . واجعل فصه حديدا صينيا . واكتب عليه : رحم الله امرءا عرف قدر نفسه . والله أعلم .