الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين

ابن القيم - أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية

صفحة جزء
فصل منزلة البسط

ومن منازل إياك نعبد وإياك نستعين منزلة البسط ، والتخلي عن القبض .

وهي منزلة شريفة لطيفة . وهي عنوان على الحال . وداعية لمحبة الخلق .

وقد غلط صاحب " المنازل " حيث صدرها بقوله تعالى ، حاكيا عن كليمه موسى عليه الصلاة والسلام : إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء . وكأنه فهم من هذا الخطاب : انبساطا بين موسى وبين الله تعالى . حمله على أن قال : إن هي إلا فتنتك .

وسمعت بعض الصوفية يقول لآخر - وهما في الطواف - لما قال : إن هي إلا فتنتك تدارك هذا الانبساط بالتذلل بقوله : أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين أو نحو من هذا الكلام .

وكل هذا وهم . وفهم خلاف المقصود . فالفتنة هاهنا : هي الامتحان . والاختبار . كقوله تعالى : وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا وقوله : ونبلوكم بالشر والخير فتنة .

[ ص: 337 ] والمعنى : أن هذه الفتنة اختبار منك لعبدك ، وامتحان . تضل بها من تشاء . وتهدي من تشاء . فأي تعلق لهذا بالانبساط ؟ وهل هذا إلا توحيد ، وشهود للحكمة ، وسؤال للعصمة ، والمغفرة ؟ وليس للعارف في هذه المنزلة حظ مع الله . وإنما هي متعلقة بالخلق .

و صاحب " المنازل " : جعلها ثلاث درجات . الأولى : مع الناس ، والثانية ، والثالثة : مع الله . وسنبين ما في كلامه بحول الله وقوته وتوفيقه .

قال : الانبساط : إرسال السجية ، والتحاشي من وحشة الحشمة .

السجية الطبع ، وجمعها سجايا ، يقال : سجية ، وخليقة ، وطبيعة ، وغريزة . وإرسالها : تركها في مجراها .

والتحاشي من وحشة الحشمة . التحاشي : هو تجنب الوحشة الواقعة بينك وبين من تحبه وتخدمه . فإن مرتبته تقتضي احتشامه ، والحياء منه ، وإجلاله عن انبساطك إليه . وذلك نوع وحشة ، فالانبساط : إزالة تلك الوحشة لا تسقطك من عينه . بل تزيدك حبا إليه . ولا سيما إذا وقع في موقعه .

قال : وهو السير مع الجبلة ، أي المشي مع ما جبل الله عليه العبد من الأخلاق من غير تكلف .

التالي السابق


الخدمات العلمية