الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين

ابن القيم - أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية

صفحة جزء
[ ص: 342 ] قال وهو على ثلاث درجات . الدرجة الأولى : إباء الحال على العلم ، لشيم برق الكشف ، واستدامة نور الأنس ، والإجابة لإماتة الهوى .

يريد ب " إباء الحال على العلم " : استعصاؤه عليه ، وأن صاحب الحال : تأبى عليه حاله أن ينزل منه إلى درجة العلم ، ويصعب عليه ذلك كل الصعوبة . وهو انحطاط في رتبته .

ولا يريد امتناع الحال عن طاعة العلم وتحكيمه . فإن هذا انحلال ، وانسلاخ من الطريق بالكلية . فكل حال لا يطيع العلم ولا يحكمه فهو حال فاسد ، مبعد عن الله . لكن من وصل إلى حال العلم يحجبه حاله أن ينزل إلى درجة العلم . وينحط إليها بلا حال .

فإن كان مراده هذا المعنى : فهو صحيح وإن كان مراده : امتناع الحال عن طاعة العلم ، لأن العلم يدعو إلى أحكام الغيبة والحجاب . والحال يدعو إلى أنس الكشف والحضور . فصاحب الحال لا يلتفت إلى العلم - فباطل . فإن العلم شرط في الحال تستحيل معرفة صحته بدونه .

نعم لا ينكر حصوله بدون العلم . لكن صاحبه على غير بصيرة ولا وثوق به .

وشيم برق الكشف ، هو النظر إليه على بعد . فإن صاحب الحال : عامل على شيم برق الكشف . لأن شيم برق الكشف : يوجب نورا يأنس به القلب . فعزيمة صاحبه : على استدامته وحفظه .

وأما الإجابة لإماتة الهوى .

فهو أن السالك إذا أشرف على الكشف : أحس بحالة شبيهة بالموت ، حتى إن منهم من يسقط إلى الأرض . ويظن ذلك موتا . وهذه الحال من مبادئ الفناء فتهوى نفسه العود إلى الحجاب ، خوفا من الانعدام ، لما جبلت عليه النفس البشرية من كراهة الموت . فإذا حصل العزم أميت هذا الهوى ، ولم يلتفت إليه ، رغبة فيما يطلبه من الفناء في الفردانية . فإن الحقيقة لا تبدأ إلا بعد فناء البشرية .

هذا الذي قاله حق . لا ينكره إلا من لم يذقه . وإنما الكلام في مرتبته ، وأنه غاية أو توسط أو لازم ، أو عارض ؟ .

[ ص: 343 ] فشيخنا - رحمه الله - كان يرى أنه عارض من عوارض الطريق لا يعرض للكل . ومن السالكين من لم يعرض له ألبتة .

ومن الناس من يراه لازما للطريق لا بد منه .

ومن الناس من يراه غاية لا شيء فوقه .

ومنهم من يراه توسطا . وفوقه ما هو أجل منه وأرفع . وهو حالة البقاء . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية