الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين

ابن القيم - أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية

صفحة جزء
قال : وهو على ثلاث درجات . الدرجة الأولى : غنى القلب . وهو سلامته من السبب . ومسالمته للحكم . وخلاصه من الخصومة .

حقيقة غنى القلب : تعلقه بالله وحده . وحقيقة فقره المذموم : تعلقه بغيره . فإذا تعلق بالله حصلت له هذه الثلاثة التي ذكرها .

سلامته من السبب أي من التعلق به . لا من القيام به . والغنى عند أهل الغفلة بالسبب . ولذلك قلوبهم معلقة به . وعند العارفين بالمسبب . وكذلك الصناعة والقوة . فهذه الثلاثة : هي جهات الغنى عند الناس . وهي التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : إن الصدقة لا تحل لغني . ولا لذي مرة سوي وفي رواية : ولا لقوي مكتسب وهو غنى بالشيء . فصاحبها غني بها إذا سكنت نفسه إليها . وإن كان سكونه إلى ربه : فهو غني به . وكل ما سكنت النفس إليه فهي فقيرة إليه .

وأما مسالمة الحكم فعلى نوعين .

أحدهما : مسالمة الحكم الديني الأمري . وهي معانقته وموافقته . ضد محاربته .

[ ص: 421 ] والثاني : مسالمة الحكم الكوني القدري . الذي يجري عليه بغير اختياره ، ولا قدرة له على دفعه ، وهو غير مأمور بدفعه .

وفي مسالمة الحكم نكتة لا بد منها . وهي تجريد إضافته ونسبته إلى من صدر عنه ، بحيث لا ينسبه إلى غيره .

وهذا يتضمن توحيد الربوبية في مسالمة الحكم الكوني . وتوحيد الإلهية في مسالمة الحكم الديني . وهما حقيقة إياك نعبد وإياك نستعين .

وأما الخلاص من الخصومة

فإنما يحمد منه : الخلاص من الخصومة بنفسه لنفسه . وأما إذا خاصم بالله ولله : فهذا من كمال العبودية . وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في استفتاحه : اللهم لك أسلمت . وبك آمنت . وعليك توكلت . وإليك أنبت . وبك خاصمت . وإليك حاكمت .

التالي السابق


الخدمات العلمية