فصل
قال الدرجة الثانية : . وتعرف عدله في حكمه . وتلحظ بره في منعه . أن تشهد نظر الله في وعده
أي تعرف الحكمة في الوعد والوعيد ، وتشهد حكمه في قوله : إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما . فتشهد عدله في وعيده ، وإحسانه في وعده ، وكل قائم بحكمته .
وكذلك تعرف عدله في أحكامه الشرعية ، والكونية الجارية على الخلائق ، فإنه لا ظلم فيها ، ولا حيف ولا جور . وإن أجراها على أيدي الظلمة . فهو أعدل العادلين . ومن جرت على يديه هو الظالم .
وكذلك تعرف بره في منعه .
فإنه سبحانه هو الجواد الذي لا ينقص خزائنه الإنفاق ، ولا يغيض ما في يمينه سعة عطائه . فما منع من منعه فضله إلا لحكمة كاملة في ذلك . فإنه الجواد الحكيم . وحكمته لا تناقض جوده . فهو سبحانه لا يضع بره وفضله إلا في موضعه ووقته . بقدر ما تقتضيه حكمته . ولو بسط الله الرزق لعباده لفسدوا وهلكوا . ولو علم في الكفار خيرا وقبولا لنعمة الإيمان ، وشكرا له عليها ، ومحبة له واعترافا بها ، لهداهم إلى الإيمان . ولهذا لما قالوا للمؤمنين أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أجابهم بقوله : أليس الله بأعلم بالشاكرين .
سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية - قدس الله روحه - يقول : هم الذين يعرفون قدر نعمة الإيمان ، ويشكرون الله عليها .
فهو سبحانه ما أعطى إلا بحكمته . ولا منع إلا بحكمته ، ولا أضل إلا بحكمته .
وإذا تأمل البصير أحوال العالم وما فيه من النقص : رآه عين الحكمة . وما عمرت الدنيا والآخرة والجنة والنار إلا بحكمته .
للناس . وفي الحكمة ثلاثة أقوال
[ ص: 451 ] أحدها : أنها مطابقة علمه لمعلومه ، وإرادته ومشيئته لمراده . هذا تفسير الجبرية . وهو في الحقيقة نفي حكمته . إذ مطابقة المعلوم والمراد : أعم من أن يكون حكمة أو خلافها ، فإن السفيه من العباد : يطابق علمه وإرادته لمعلومه ومراده . مع كونه سفيها .
الثاني : - مذهب القدرية النفاة - : أنها مصالح العباد ومنافعهم العائدة عليهم . وهو إنكار لوصفه تعالى بالحكمة . وردوها إلى مخلوق من مخلوقاته .
الثالث : - قول أهل الإثبات والسنة - : أنها الغايات المحمودة المطلوبة له سبحانه بخلقه وأمره ، التي أمر لأجلها ، وقدر وخلق لأجلها . وهي صفته القائمة به كسائر صفاته : من سمعه وبصره ، وقدرته وإرادته ، وعلمه وحياته وكلامه .
وللرد على طائفتي الجبرية والقدرية موضع غير هذا . والله أعلم .