[ ص: 48 ] فصل
قال صاحب المنازل : باب الغيرة قال الله تعالى - حاكيا عن نبيه
سليمان عليه السلام -
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=33ردوها علي فطفق مسحا بالسوق والأعناق .
ووجه استشهاده بالآية :
nindex.php?page=treesubj&link=31971أن سليمان عليه السلام كان يحب الخيل . فشغله استحسانها ، والنظر إليها - لما عرضت عليه - عن صلاة النهار ، حتى توارت الشمس بالحجاب . فلحقته الغيرة لله من الخيل ، إذ استغرقه استحسانها ، والنظر إليها عن خدمة مولاه وحقه . فقال : ردوها علي فطفق يضرب أعناقها وعراقيبها بالسيف غيرة لله .
قال : الغيرة : سقوط الاحتمال ضنا ، والضيق عن الصبر نفاسة .
أي عجز الغيور عن احتمال ما يشغله عن محبوبه ، ويحجبه عنه ضنا به - أي بخلا به - أن يعتاض عنه بغيره . وهذا البخل : هو محض الكرم عند المحبين الصادقين .
وأما الضيق عن الصبر نفاسة فهو أن يضيق ذرعه بالصبر عن محبوبه . وهذا هو الصبر الذي لا يذم من أنواع الصبر سواه ، أو ما كان من وسيلته . والحامل له على هذا الضيق : مغالاته بمحبوبه . وهي النفاسة . فإنه - لمنافسته ورغبته - لا يسامح نفسه بالصبر عنه .
والمنافسة هي كمال الرغبة في الشيء ، ومنع الغير منه : إن لم يمدح فيه المشاركة ، والمسابقة إليه إن مدحت فيه المشاركة . قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=26وفي ذلك فليتنافس المتنافسون وبين المنافسة والغبطة جمع وفرق ، وبينهما وبين الحسد أيضا جمع وفرق .
فالمنافسة تتضمن مسابقة واجتهادا وحرصا . والحسد : يدل على مهانة الحاسد وعجزه ، وإلا فنافس من حسدته . فذلك أنفع لك من حسده ، كما قيل :
إذا أعجبتك خلال امرئ فكنه يكن منك ما يعجبك فليس على الجود والمكرما
ت إذا جئتها حاجب يحجبك
والغبطة تتضمن نوع تعجب وفرح للمغبوط واستحسان لحاله .
[ ص: 48 ] فَصْلٌ
قَالَ صَاحِبُ الْمَنَازِلِ : بَابُ الْغَيْرَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى - حَاكِيًا عَنْ نَبِيِّهِ
سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ -
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=33رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ .
وَوَجْهُ اسْتِشْهَادِهِ بِالْآيَةِ :
nindex.php?page=treesubj&link=31971أَنَّ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يُحِبُّ الْخَيْلَ . فَشَغَلَهُ اسْتِحْسَانُهَا ، وَالنَّظَرُ إِلَيْهَا - لَمَّا عُرِضَتْ عَلَيْهِ - عَنْ صَلَاةِ النَّهَارِ ، حَتَّى تَوَارَتِ الشَّمْسُ بِالْحِجَابِ . فَلَحِقَتْهُ الْغَيْرَةُ لِلَّهِ مِنَ الْخَيْلِ ، إِذِ اسْتَغْرَقَهُ اسْتِحْسَانُهَا ، وَالنَّظَرُ إِلَيْهَا عَنْ خِدْمَةِ مَوْلَاهُ وَحَقِّهِ . فَقَالَ : رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ يَضْرِبُ أَعْنَاقَهَا وَعَرَاقِيبَهَا بِالسَّيْفِ غَيْرَةً لِلَّهِ .
قَالَ : الْغَيْرَةُ : سُقُوطُ الِاحْتِمَالِ ضَنًّا ، وَالضِّيقُ عَنِ الصَّبْرِ نَفَاسَةً .
أَيْ عَجْزُ الْغَيُورِ عَنِ احْتِمَالِ مَا يَشْغَلُهُ عَنْ مَحْبُوبِهِ ، وَيَحْجُبُهُ عَنْهُ ضَنًّا بِهِ - أَيْ بُخْلًا بِهِ - أَنْ يَعْتَاضَ عَنْهُ بِغَيْرِهِ . وَهَذَا الْبُخْلُ : هُوَ مَحْضُ الْكَرَمِ عِنْدَ الْمُحِبِّينَ الصَّادِقِينَ .
وَأَمَّا الضِّيقُ عَنِ الصَّبْرِ نَفَاسَةً فَهُوَ أَنْ يَضِيقَ ذَرْعُهُ بِالصَّبْرِ عَنْ مَحْبُوبِهِ . وَهَذَا هُوَ الصَّبْرُ الَّذِي لَا يُذَمُّ مِنْ أَنْوَاعِ الصَّبْرِ سِوَاهُ ، أَوْ مَا كَانَ مِنْ وَسِيلَتِهِ . وَالْحَامِلُ لَهُ عَلَى هَذَا الضِّيقِ : مُغَالَاتُهُ بِمَحْبُوبِهِ . وَهِيَ النَّفَاسَةُ . فَإِنَّهُ - لِمُنَافَسَتِهِ وَرَغْبَتِهِ - لَا يُسَامِحُ نَفْسَهُ بِالصَّبْرِ عَنْهُ .
وَالْمُنَافَسَةُ هِيَ كَمَالُ الرَّغْبَةِ فِي الشَّيْءِ ، وَمَنْعُ الْغَيْرِ مِنْهُ : إِنْ لَمْ يُمْدَحْ فِيهِ الْمُشَارَكَةُ ، وَالْمُسَابَقَةُ إِلَيْهِ إِنْ مُدِحَتْ فِيهِ الْمُشَارَكَةُ . قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=26وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ وَبَيْنَ الْمُنَافَسَةِ وَالْغِبْطَةِ جَمْعٌ وَفَرْقٌ ، وَبَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْحَسَدِ أَيْضًا جَمْعٌ وَفَرْقٌ .
فَالْمُنَافَسَةُ تَتَضَمَّنُ مُسَابَقَةً وَاجْتِهَادًا وَحِرْصًا . وَالْحَسَدُ : يَدُلُّ عَلَى مَهَانَةِ الْحَاسِدِ وَعَجْزِهِ ، وَإِلَّا فَنَافِسْ مَنْ حَسَدْتَهُ . فَذَلِكَ أَنْفَعُ لَكَ مِنْ حَسَدِهِ ، كَمَا قِيلَ :
إِذَا أَعْجَبَتْكَ خِلَالُ امْرِئٍ فَكُنْهُ يَكُنْ مِنْكَ مَا يُعْجِبُكْ فَلَيْسَ عَلَى الْجُودِ وَالْمَكْرُمَا
تِ إِذَا جِئْتَهَا حَاجِبٌ يَحْجُبُكْ
وَالْغِبْطَةُ تَتَضَمَّنُ نَوْعَ تَعَجُّبٍ وَفَرَحٍ لِلْمَغْبُوطِ وَاسْتِحْسَانٍ لِحَالِهِ .