فصل
nindex.php?page=treesubj&link=29411والشوق أثر من آثار المحبة ، وحكم من أحكامها . فإنه سفر القلب إلى المحبوب في كل حال .
وقيل : هو اهتياج القلوب إلى لقاء المحبوب .
وقيل : هو احتراق الأحشاء . ومنها يتهيج ويتولد ، ويلهب القلوب ويقطع الأكباد .
والمحبة أعلى منه . لأن الشوق عنها يتولد ، وعلى قدرها يقوى ويضعف .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=17335يحيى بن معاذ : علامة الشوق فطام الجوارح عن الشهوات .
وقال
أبو عثمان : علامته حب الموت مع الراحة والعافية ، كحال
يوسف لما ألقي في الجب لم يقل توفني ، ولما أدخل السجن لم يقل توفني ، ولما تم له الأمر والأمن والنعمة ، قال : " توفني مسلما " .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13121ابن خفيف : الشوق ارتياح القلوب بالوجد ، ومحبة اللقاء بالقرب .
وقيل : هو لهب ينشأ بين أثناء الحشا ، يسنح عن الفرقة . فإذا وقع اللقاء طفئ .
[ ص: 54 ] قلت : هذه مسألة نزاع بين المحبين . وهي : أن الشوق هل يزول باللقاء أم لا ؟
ولا يختلفون أن المحبة لا تزول باللقاء .
فمنهم من قال : يزول باللقاء . لأن الشوق هو سفر القلب إلى محبوبه . فإذا قدم عليه ، ووصل إليه ، صار مكان الشوق قرة عينه به . وهذه القرة تجامع المحبة ولا تنافيها .
قال هؤلاء : وإذا كان الغالب على القلب مشاهدة المحبوب ، لم يطرقه الشوق .
وقيل لبعضهم : هل تشتاق إليه ؟ فقال : لا . إنما الشوق إلى غائب ، وهو حاضر .
وقالت طائفة : بل يزيد الشوق بالقرب والوصول ، ولا يزول . لأنه كان قبل الوصول على الخبر والعلم ، وبعده : قد صار على العيان والشهود . ولهذا قيل :
وأبرح ما يكون الشوق يوما إذا دنت الخيام من الخيام
.
قال
الجنيد : سمعت
السري يقول : الشوق أجل مقام للعارف إذا تحقق فيه . وإذا تحقق في الشوق لها عن كل شيء يشغله عمن يشتاق إليه ، وعلى هذا : فأهل الجنة دائما في شوق إلى الله ، مع قربهم منه ، ورؤيتهم له .
قالوا : ومن الدليل على أن الشوق يكون حال اللقاء أعظم : أنا نرى المحب يبكي عند لقاء محبوبه . وذلك البكاء إنما هو من شدة شوقه إليه ، ووجده به ، ولذلك يجد عند لقائه نوعا من الشوق لم يجده في حال غيبته عنه .
فَصْلٌ
nindex.php?page=treesubj&link=29411وَالشَّوْقُ أَثَرٌ مِنْ آثَارِ الْمَحَبَّةِ ، وَحُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِهَا . فَإِنَّهُ سَفَرُ الْقَلْبِ إِلَى الْمَحْبُوبِ فِي كُلِّ حَالٍ .
وَقِيلَ : هُوَ اهْتِيَاجُ الْقُلُوبِ إِلَى لِقَاءِ الْمَحْبُوبِ .
وَقِيلَ : هُوَ احْتِرَاقُ الْأَحْشَاءِ . وَمِنْهَا يَتَهَيَّجُ وَيَتَوَلَّدُ ، وَيُلْهِبُ الْقُلُوبَ وَيُقَطِّعُ الْأَكْبَادَ .
وَالْمَحَبَّةُ أَعْلَى مِنْهُ . لِأَنَّ الشَّوْقَ عَنْهَا يَتَوَلَّدُ ، وَعَلَى قَدْرِهَا يَقْوَى وَيَضْعُفُ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=17335يَحْيَى بْنُ مُعَاذٍ : عَلَامَةُ الشَّوْقِ فِطَامُ الْجَوَارِحِ عَنِ الشَّهَوَاتِ .
وَقَالَ
أَبُو عُثْمَانَ : عَلَامَتُهُ حُبُّ الْمَوْتِ مَعَ الرَّاحَةِ وَالْعَافِيَةِ ، كَحَالِ
يُوسُفَ لَمَّا أُلْقِيَ فِي الْجُبِّ لَمْ يَقُلْ تَوَفَّنِي ، وَلَمَّا أُدْخِلَ السِّجْنَ لَمْ يَقُلْ تَوَفَّنِي ، وَلَمَّا تَمَّ لَهُ الْأَمْرُ وَالْأَمْنُ وَالنِّعْمَةُ ، قَالَ : " تَوَفَّنِي مُسْلِمًا " .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13121ابْنُ خَفِيفٍ : الشَّوْقُ ارْتِيَاحُ الْقُلُوبِ بِالْوَجْدِ ، وَمَحَبَّةُ اللِّقَاءِ بِالْقُرْبِ .
وَقِيلَ : هُوَ لَهَبٌ يَنْشَأُ بَيْنَ أَثْنَاءِ الْحَشَا ، يَسْنَحُ عَنِ الْفُرْقَةِ . فَإِذَا وَقَعَ اللِّقَاءُ طُفِئَ .
[ ص: 54 ] قُلْتُ : هَذِهِ مَسْأَلَةُ نِزَاعٍ بَيْنَ الْمُحِبِّينَ . وَهِيَ : أَنَّ الشَّوْقَ هَلْ يَزُولُ بِاللِّقَاءِ أَمْ لَا ؟
وَلَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّ الْمَحَبَّةَ لَا تَزُولُ بِاللِّقَاءِ .
فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : يَزُولُ بِاللِّقَاءِ . لِأَنَّ الشَّوْقَ هُوَ سَفَرُ الْقَلْبِ إِلَى مَحْبُوبِهِ . فَإِذَا قَدِمَ عَلَيْهِ ، وَوَصَلَ إِلَيْهِ ، صَارَ مَكَانَ الشَّوْقِ قُرَّةُ عَيْنِهِ بِهِ . وَهَذِهِ الْقُرَّةُ تُجَامِعُ الْمَحَبَّةَ وَلَا تُنَافِيهَا .
قَالَ هَؤُلَاءِ : وَإِذَا كَانَ الْغَالِبُ عَلَى الْقَلْبِ مُشَاهَدَةَ الْمَحْبُوبِ ، لَمْ يَطْرُقْهُ الشَّوْقُ .
وَقِيلَ لِبَعْضِهِمْ : هَلْ تَشْتَاقُ إِلَيْهِ ؟ فَقَالَ : لَا . إِنَّمَا الشَّوْقُ إِلَى غَائِبٍ ، وَهُوَ حَاضِرٌ .
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : بَلْ يَزِيدُ الشَّوْقُ بِالْقُرْبِ وَالْوُصُولِ ، وَلَا يَزُولُ . لِأَنَّهُ كَانَ قَبْلَ الْوُصُولِ عَلَى الْخَبَرِ وَالْعِلْمِ ، وَبَعْدَهُ : قَدْ صَارَ عَلَى الْعِيَانِ وَالشُّهُودِ . وَلِهَذَا قِيلَ :
وَأَبْرَحُ مَا يَكُونُ الشَّوْقُ يَوْمًا إِذَا دَنَتِ الْخِيَامُ مِنَ الْخِيَامِ
.
قَالَ
الْجُنَيْدُ : سَمِعْتُ
السَّرِيَّ يَقُولُ : الشَّوْقُ أَجَلُّ مَقَامٍ لِلْعَارِفِ إِذَا تَحَقَّقَ فِيهِ . وَإِذَا تَحَقَّقَ فِي الشَّوْقِ لَهَا عَنْ كُلِّ شَيْءٍ يَشْغَلُهُ عَمَّنْ يَشْتَاقُ إِلَيْهِ ، وَعَلَى هَذَا : فَأَهْلُ الْجَنَّةِ دَائِمًا فِي شَوْقٍ إِلَى اللَّهِ ، مَعَ قُرْبِهِمْ مِنْهُ ، وَرُؤْيَتِهِمْ لَهُ .
قَالُوا : وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الشَّوْقَ يَكُونُ حَالَ اللِّقَاءِ أَعْظَمَ : أَنَّا نَرَى الْمُحِبَّ يَبْكِي عِنْدَ لِقَاءِ مَحْبُوبِهِ . وَذَلِكَ الْبُكَاءُ إِنَّمَا هُوَ مِنْ شِدَّةِ شَوْقِهِ إِلَيْهِ ، وَوَجْدِهِ بِهِ ، وَلِذَلِكَ يَجِدُ عِنْدَ لِقَائِهِ نَوْعًا مِنَ الشَّوْقِ لَمْ يَجِدْهُ فِي حَالِ غَيْبَتِهِ عَنْهُ .