فصل
ولما كان
nindex.php?page=treesubj&link=28972طالب الصراط المستقيم طالب أمر أكثر الناس ناكبون عنه ، مريدا لسلوك طريق مرافقه فيها في غاية القلة والعزة ، والنفوس مجبولة على وحشة التفرد ، وعلى الأنس بالرفيق ، نبه الله سبحانه على الرفيق في هذه الطريق ، وأنهم هم الذين
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=69أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا فأضاف الصراط إلى الرفيق السالكين له ، وهم الذين أنعم الله عليهم ، ليزول عن الطالب للهداية وسلوك الصراط وحشة تفرده عن أهل زمانه وبني جنسه ، وليعلم أن رفيقه في هذا الصراط هم الذين أنعم الله عليهم ، فلا يكترث بمخالفة الناكبين عنه له ، فإنهم هم الأقلون قدرا ،
[ ص: 46 ] وإن كانوا الأكثرين عددا ، كما قال بعض السلف : " عليك بطريق الحق ، ولا تستوحش لقلة السالكين ، وإياك وطريق الباطل ، ولا تغتر بكثرة الهالكين " ، وكلما استوحشت في تفردك فانظر إلى الرفيق السابق ، واحرص على اللحاق بهم ، وغض الطرف عمن سواهم ، فإنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا ، وإذا صاحوا بك في طريق سيرك فلا تلتفت إليهم ، فإنك متى التفت إليهم أخذوك وعاقوك .
وقد ضربت لذلك مثلين ، فليكونا منك على بال :
المثل الأول : رجل خرج من بيته إلى الصلاة ، لا يريد غيرها ، فعرض له في طريقه شيطان من شياطين الإنس ، فألقى عليه كلاما يؤذيه ، فوقف ورد عليه ، وتماسكا ، فربما كان شيطان الإنس أقوى منه ، فقهره ، ومنعه عن الوصول إلى المسجد ، حتى فاتته الصلاة ، وربما كان الرجل أقوى من شيطان الإنس ، ولكن اشتغل بمهاوشته عن الصف الأول ، وكمال إدراك الجماعة ، فإن التفت إليه أطمعه في نفسه ، وربما فترت عزيمته ، فإن كان له معرفة وعلم زاد في السعي والجمز بقدر التفاته أو أكثر ، فإن أعرض عنه واشتغل لما هو بصدده ، وخاف فوت الصلاة أو الوقت لم يبلغ عدوه منه ما شاء .
المثل الثاني : الظبي أشد سعيا من الكلب ، ولكنه إذا أحس به التفت إليه فيضعف سعيه ، فيدركه الكلب فيأخذه .
والقصد : أن في ذكر هذا الرفيق ما يزيل وحشة التفرد ، ويحث على السير والتشمير للحاق بهم .
وهذه إحدى
nindex.php?page=treesubj&link=1846_19734الفوائد في دعاء القنوت "
nindex.php?page=hadith&LINKID=980105اللهم اهدني فيمن هديت " أي أدخلني في هذه الزمرة ، واجعلني رفيقا لهم ومعهم .
والفائدة الثانية : أنه توسل إلى الله بنعمه وإحسانه إلى من أنعم عليه بالهداية أي قد أنعمت بالهداية على من هديت ، وكان ذلك نعمة منك ، فاجعل لي نصيبا من هذه النعمة ، واجعلني واحدا من هؤلاء المنعم عليهم ، فهو
nindex.php?page=treesubj&link=26146_29440توسل إلى الله بإحسانه .
[ ص: 47 ] والفائدة الثالثة : كما يقول السائل للكريم : تصدق علي في جملة من تصدقت عليهم ، وعلمني في جملة من علمته ، وأحسن إلي في جملة من شملته بإحسانك .
فَصْلٌ
وَلَمَّا كَانَ
nindex.php?page=treesubj&link=28972طَالِبُ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ طَالِبَ أَمْرٍ أَكْثَرُ النَّاسِ نَاكِبُونَ عَنْهُ ، مُرِيدًا لِسُلُوكِ طَرِيقٍ مُرَافِقُهُ فِيهَا فِي غَايَةِ الْقِلَّةِ وَالْعِزَّةِ ، وَالنُّفُوسُ مَجْبُولَةٌ عَلَى وَحْشَةِ التَّفَرُّدِ ، وَعَلَى الْأُنْسِ بِالرَّفِيقِ ، نَبَّهَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَى الرَّفِيقِ فِي هَذِهِ الطَّرِيقِ ، وَأَنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=69أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا فَأَضَافَ الصِّرَاطَ إِلَى الرَّفِيقِ السَّالِكِينَ لَهُ ، وَهُمُ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ، لِيَزُولَ عَنِ الطَّالِبِ لِلْهِدَايَةِ وَسُلُوكِ الصِّرَاطِ وَحْشَةُ تَفَرُّدِهِ عَنْ أَهْلِ زَمَانِهِ وَبَنِي جِنْسِهِ ، وَلِيَعْلَمَ أَنَّ رَفِيقَهُ فِي هَذَا الصِّرَاطِ هُمُ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ، فَلَا يَكْتَرِثُ بِمُخَالَفَةِ النَّاكِبِينَ عَنْهُ لَهُ ، فَإِنَّهُمْ هُمُ الَأَقَلُّونَ قَدْرًا ،
[ ص: 46 ] وَإِنْ كَانُوا الْأَكْثَرِينَ عَدَدًا ، كَمَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ : " عَلَيْكَ بِطَرِيقِ الْحَقِّ ، وَلَا تَسْتَوْحِشْ لِقِلَّةِ السَّالِكِينَ ، وَإِيَّاكَ وَطَرِيقَ الْبَاطِلِ ، وَلَا تَغْتَرَّ بِكَثْرَةِ الْهَالِكِينَ " ، وَكُلَّمَا اسْتَوْحَشْتَ فِي تَفَرُّدِكَ فَانْظُرْ إِلَى الرَّفِيقِ السَّابِقِ ، وَاحْرِصْ عَلَى اللَّحَاقِ بِهِمْ ، وَغُضَّ الطَّرْفَ عَمَّنْ سِوَاهُمْ ، فَإِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ، وَإِذَا صَاحُوا بِكَ فِي طَرِيقِ سَيْرِكَ فَلَا تَلْتَفِتْ إِلَيْهِمْ ، فَإِنَّكَ مَتَى الْتَفَتَّ إِلَيْهِمْ أَخَذُوكَ وَعَاقُوكَ .
وَقَدْ ضَرَبْتُ لِذَلِكَ مَثَلَيْنِ ، فَلْيَكُونَا مِنْكَ عَلَى بَالٍ :
الْمَثَلُ الْأَوَّلُ : رَجُلٌ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ إِلَى الصَّلَاةِ ، لَا يُرِيدُ غَيْرَهَا ، فَعَرَضَ لَهُ فِي طَرِيقِهِ شَيْطَانٌ مِنْ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ ، فَأَلْقَى عَلَيْهِ كَلَامًا يُؤْذِيهِ ، فَوَقَفَ وَرَدَّ عَلَيْهِ ، وَتَمَاسَكَا ، فَرُبَّمَا كَانَ شَيْطَانُ الْإِنْسِ أَقْوَى مِنْهُ ، فَقَهَرَهُ ، وَمَنَعَهُ عَنِ الْوُصُولِ إِلَى الْمَسْجِدِ ، حَتَّى فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ ، وَرُبَّمَا كَانَ الرَّجُلُ أَقْوَى مِنْ شَيْطَانِ الْإِنْسِ ، وَلَكِنِ اشْتَغَلَ بِمُهَاوَشَتِهِ عَنِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ ، وَكَمَالِ إِدْرَاكِ الْجَمَاعَةِ ، فَإِنِ الْتَفَتَ إِلَيْهِ أَطْمَعَهُ فِي نَفْسِهِ ، وَرُبَّمَا فَتَرَتْ عَزِيمَتُهُ ، فَإِنْ كَانَ لَهُ مَعْرِفَةٌ وَعِلْمٌ زَادَ فِي السَّعْيِ وَالْجَمْزِ بِقَدْرِ الْتِفَاتِهِ أَوْ أَكْثَرَ ، فَإِنْ أَعْرَضَ عَنْهُ وَاشْتَغَلَ لِمَا هُوَ بِصَدَدِهِ ، وَخَافَ فَوْتَ الصَّلَاةِ أَوِ الْوَقْتِ لَمْ يَبْلُغْ عَدُوُّهُ مِنْهُ مَا شَاءَ .
الْمَثَلُ الثَّانِي : الظَّبْيُ أَشَدُّ سَعْيًا مِنَ الْكَلْبِ ، وَلَكِنَّهُ إِذَا أَحَسَّ بِهِ الْتَفَتَ إِلَيْهِ فَيَضْعُفُ سَعْيُهُ ، فَيُدْرِكُهُ الْكَلْبُ فَيَأْخُذُهُ .
وَالْقَصْدُ : أَنَّ فِي ذِكْرِ هَذَا الرَّفِيقِ مَا يُزِيلُ وَحْشَةَ التَّفَرُّدِ ، وَيَحُثُّ عَلَى السَّيْرِ وَالتَّشْمِيرِ لِلَّحَاقِ بِهِمْ .
وَهَذِهِ إِحْدَى
nindex.php?page=treesubj&link=1846_19734الْفَوَائِدِ فِي دُعَاءِ الْقُنُوتِ "
nindex.php?page=hadith&LINKID=980105اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ " أَيْ أَدْخِلْنِي فِي هَذِهِ الزُّمْرَةِ ، وَاجْعَلْنِي رَفِيقًا لَهُمْ وَمَعَهُمْ .
وَالْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ : أَنَّهُ تَوَسُّلٌ إِلَى اللَّهِ بِنِعَمِهِ وَإِحْسَانِهِ إِلَى مَنْ أَنْعَمَ عَلَيْهِ بِالْهِدَايَةِ أَيْ قَدْ أَنْعَمْتَ بِالْهِدَايَةِ عَلَى مَنْ هَدَيْتَ ، وَكَانَ ذَلِكَ نِعْمَةً مِنْكَ ، فَاجْعَلْ لِي نَصِيبًا مِنْ هَذِهِ النِّعْمَةِ ، وَاجْعَلْنِي وَاحِدًا مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُنْعَمِ عَلَيْهِمْ ، فَهُوَ
nindex.php?page=treesubj&link=26146_29440تَوَسُّلٌ إِلَى اللَّهِ بِإِحْسَانِهِ .
[ ص: 47 ] وَالْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ : كَمَا يَقُولُ السَّائِلُ لِلْكَرِيمِ : تَصَدَّقْ عَلَيَّ فِي جُمْلَةِ مَنْ تَصَدَّقْتَ عَلَيْهِمْ ، وَعَلِّمْنِي فِي جُمْلَةِ مَنْ عَلَّمْتَهُ ، وَأَحْسِنْ إِلَيَّ فِي جُمْلَةِ مَنْ شَمِلْتَهُ بِإِحْسَانِكَ .