فصل
ورحى العبودية تدور على خمس عشرة قاعدة ، من كملها كمل
nindex.php?page=treesubj&link=29529مراتب العبودية .
وبيانها أن العبودية منقسمة على القلب ، واللسان ، والجوارح ، وعلى كل منها عبودية تخصه .
والأحكام التي للعبودية خمسة : واجب ، ومستحب ، وحرام ، ومكروه ، ومباح ، وهي لكل واحد من القلب ، واللسان ، والجوارح .
فواجب القلب منه متفق على وجوبه ، ومختلف فيه .
فالمتفق على وجوبه كالإخلاص ، والتوكل ، والمحبة ، والبر ، والإنابة ، والخوف ، والرجاء ، والتصديق الجازم ،
nindex.php?page=treesubj&link=28287والنية في العبادة ، وهذه قدر زائد على الإخلاص ، فإن الإخلاص هو إفراد المعبود عن غيره .
[ ص: 130 ] ونية العبادة لها مرتبتان :
إحداهما : تمييز العبادة عن العادة .
والثانية : تمييز مراتب العبادات بعضها عن بعض .
والأقسام الثلاثة واجبة .
وكذلك
nindex.php?page=treesubj&link=28276الصدق ، والفرق بينه وبين الإخلاص أن للعبد مطلوبا وطلبا ، فالإخلاص توحيد مطلوبه ، والصدق توحيد طلبه .
فالإخلاص : أن لا يكون المطلوب منقسما ، والصدق : أن لا يكون الطلب منقسما ، فالصدق بذل الجهد ، والإخلاص إفراد المطلوب .
واتفقت الأمة على وجوب هذه الأعمال على القلب من حيث الجملة .
وكذلك النصح في العبودية ، ومدار الدين عليه ، وهو بذل الجهد في إيقاع العبودية على الوجه المحبوب للرب المرضي له ، وأصل هذا واجب ، وكماله مرتبة المقربين .
وكذلك كل واحد من هذه الواجبات القلبية له طرفان ، واجب مستحق ، وهو مرتبة أصحاب اليمين ، وكمال مستحب ، وهو مرتبة المقربين .
وكذلك
nindex.php?page=treesubj&link=19571الصبر واجب باتفاق الأمة ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد : ذكر الله الصبر في تسعين موضعا من القرآن ، أو بضعا وتسعين ، وله طرفان أيضا : واجب مستحق ، وكمال مستحب .
وأما المختلف فيه فكالرضا ، فإن في وجوبه قولين للفقهاء والصوفية ، والقولان لأصحاب
أحمد ، فمن أوجبه قال : السخط حرام ، ولا خلاص عنه إلا بالرضا ، وما لا خلاص عن الحرام إلا به فهو واجب .
واحتجوا بأثر " من لم يصبر على بلائي ، ولم يرض بقضائي ، فليتخذ ربا سواي " .
[ ص: 131 ] ومن قال : هو مستحب ، قال : لم يجئ الأمر به في القرآن ولا في السنة ، بخلاف الصبر ، فإن الله أمر به في مواضع كثيرة من كتابه ، وكذلك التوكل ، قال
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=84إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين وأمر بالإنابة ، فقال
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=54وأنيبوا إلى ربكم وأمر بالإخلاص كقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=5وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين وكذلك الخوف كقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=175فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=150فلا تخشوهم واخشوني وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=40وإياي فارهبون وكذلك الصدق ، قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=119ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين وكذلك المحبة ، وهي أفرض الواجبات ، إذ هي قلب العبادة المأمور بها ، ومخها وروحها .
وأما
nindex.php?page=treesubj&link=19624الرضا فإنما جاء في القرآن مدح أهله ، والثناء عليهم ، لا الأمر به .
قالوا : وأما الأثر المذكور فإسرائيلي ، لا يحتج به .
قالوا : وفي الحديث المعروف عن النبي صلى الله عليه وسلم
إن استطعت أن تعمل الرضا مع اليقين فافعل ، فإن لم تستطع فإن في الصبر على ما تكره النفس خيرا كثيرا وهو في بعض السنن .
قالوا : وأما قولكم " لا خلاص عن السخط إلا به " فليس بلازم ، فإن
nindex.php?page=treesubj&link=19627مراتب الناس في المقدور ثلاثة : الرضا ، وهو أعلاها ، والسخط ، وهو أسفلها ، والصبر عليه بدون الرضا به ، وهو أوسطها ، فالأولى للمقربين السابقين ، والثالثة للمقتصدين ، والثانية
[ ص: 132 ] للظالمين ، وكثير من الناس يصبر على المقدور فلا يسخط ، وهو غير راض به ، فالرضا أمر آخر .
وقد أشكل على بعض الناس اجتماع الرضا مع التألم ، وظن أنهما متباينان ، وليس كما ظنه ، فالمريض الشارب للدواء الكريه متألم به راض به ، والصائم في شهر رمضان في شدة الحر متألم بصومه راض به ، والبخيل متألم بإخراج زكاة ماله راض بها ، فالتألم كما لا ينافي الصبر لا ينافي الرضا به .
وهذا الخلاف بينهم إنما هو في الرضا بقضائه الكوني ، وأما الرضا به ربا وإلها ، والرضا بأمره الديني فمتفق على فرضيته ، بل لا يصير العبد مسلما إلا بهذا الرضا أن يرضى بالله ربا ، وبالإسلام دينا ،
وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا .
ومن هذا أيضا اختلافهم في
nindex.php?page=treesubj&link=25353الخشوع في الصلاة ، وفيه قولان للفقهاء ، وهما في مذهب
أحمد وغيره .
وعلى القولين اختلافهم في وجوب
nindex.php?page=treesubj&link=27820_32733الإعادة على من غلب عليه الوسواس في صلاته ، فأوجبها
ابن حامد من أصحاب
أحمد ،
nindex.php?page=showalam&ids=14847وأبو حامد الغزالي في إحيائه ، ولم يوجبها أكثر الفقهاء .
واحتجوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من سها في صلاته بسجدتي السهو ولم يأمره بالإعادة مع قوله
nindex.php?page=hadith&LINKID=980146إن الشيطان يأتي أحدكم في صلاته ، فيقول : اذكر كذا ، اذكر كذا لما لم يكن يذكر حتى يضل الرجل أن يدري كم صلى ولكن لا نزاع أن هذه الصلاة لا يثاب على شيء منها إلا بقدر حضور قلبه وخضوعه ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=hadith&LINKID=980147إن العبد لينصرف من الصلاة ولم يكتب له إلا نصفها ، ثلثها ، ربعها حتى بلغ عشرها وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما : ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها ، فليست صحيحة باعتبار ترتب كمال مقصودها عليها ، وإن سميت صحيحة باعتبار أنا لا نأمره بالإعادة ولا ينبغي أن
[ ص: 133 ] يعلق لفظ الصحة عليها ، فيقال صلاة صحيحة مع أنه لا يثاب عليها فاعلها .
والقصد أن هذه الأعمال واجبها ومستحبها هي
nindex.php?page=treesubj&link=29530عبودية القلب ، فمن عطلها فقد عطل عبودية الملك ، وإن قام بعبودية رعيته من الجوارح .
والمقصود أن يكون ملك الأعضاء وهو القلب قائما بعبوديته لله سبحانه ، هو ورعيته .
وأما المحرمات التي عليه : فالكبر ، والرياء ، والعجب ، والحسد ، والغفلة ، والنفاق ، وهي نوعان : كفر ، ومعصية :
فالكفر : كالشك ، والنفاق ، والشرك ، وتوابعها .
والمعصية نوعان : كبائر ، وصغائر .
nindex.php?page=treesubj&link=27521فالكبائر : كالرياء ، والعجب ، والكبر ، والفخر ، والخيلاء ، والقنوط من رحمة الله ، واليأس من روح الله ، والأمن من مكر الله ، والفرح والسرور بأذى المسلمين ، والشماتة بمصيبتهم ، ومحبة أن تشيع الفاحشة فيهم ، وحسدهم على ما آتاهم الله من فضله ، وتمني زوال ذلك عنهم ، وتوابع هذه الأمور التي هي أشد تحريما من الزنا ، وشرب الخمر وغيرهما من الكبائر الظاهرة ، ولا صلاح للقلب ولا للجسد إلا باجتنابها ، والتوبة منها ، وإلا فهو قلب فاسد ، وإذا فسد القلب فسد البدن .
وهذه الآفات إنما تنشأ من الجهل بعبودية القلب ، وترك القيام بها .
فوظيفة "
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5إياك نعبد " على القلب قبل الجوارح ، فإذا جهلها وترك القيام بها امتلأ بأضدادها ولا بد ، وبحسب قيامه بها يتخلص من أضدادها .
وهذه الأمور ونحوها قد تكون صغائر في حقه ، وقد تكون كبائر ، بحسب قوتها وغلظها ، وخفتها ودقتها .
ومن الصغائر أيضا :
nindex.php?page=treesubj&link=30518شهوة المحرمات وتمنيها ، وتفاوت درجات الشهوة في الكبر والصغر بحسب تفاوت درجات المشتهى ، فشهوة الكفر والشرك كفر ، وشهوة البدعة فسق ، وشهوة الكبائر معصية ، فإن تركها لله مع قدرته عليها أثيب ، وإن تركها عجزا بعد بذله مقدوره في تحصيلها استحق عقوبة الفاعل ، لتنزيله منزلته في أحكام الثواب
[ ص: 134 ] والعقاب ، وإن لم ينزل منزلته في أحكام الشرع ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم "
nindex.php?page=hadith&LINKID=980148إذا تواجه المسلمان بسيفيهما ، فالقاتل والمقتول في النار ، قالوا : هذا القاتل يا رسول الله ، فما بال المقتول ؟ قال : إنه كان حريصا على قتل صاحبه " فنزله منزلة القاتل ، لحرصه على قتل صاحبه ، في الإثم دون الحكم ، وله نظائر كثيرة في الثواب والعقاب .
وقد علم بهذا مستحب القلب ومباحه .
فَصْلٌ
وَرَحَى الْعُبُودِيَّةِ تَدُورُ عَلَى خَمْسَ عَشْرَةَ قَاعِدَةً ، مَنْ كَمَّلَهَا كَمَّلَ
nindex.php?page=treesubj&link=29529مَرَاتِبَ الْعُبُودِيَّةِ .
وَبَيَانُهَا أَنَّ الْعُبُودِيَّةَ مُنْقَسِمَةٌ عَلَى الْقَلْبِ ، وَاللِّسَانِ ، وَالْجَوَارِحِ ، وَعَلَى كُلٍّ مِنْهَا عُبُودِيَّةٌ تَخُصُّهُ .
وَالْأَحْكَامُ الَّتِي لِلْعُبُودِيَّةِ خَمْسَةٌ : وَاجِبٌ ، وَمُسْتَحَبٌّ ، وَحَرَامٌ ، وَمَكْرُوهٌ ، وَمُبَاحٌ ، وَهِيَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْقَلْبِ ، وَاللِّسَانِ ، وَالْجَوَارِحِ .
فَوَاجِبُ الْقَلْبِ مِنْهُ مُتَّفَقٌ عَلَى وُجُوبِهِ ، وَمُخْتَلَفٌ فِيهِ .
فَالْمُتَّفَقُ عَلَى وُجُوبِهِ كَالْإِخْلَاصِ ، وَالتَّوَكُّلِ ، وَالْمَحَبَّةِ ، وَالْبِرِّ ، وَالْإِنَابَةِ ، وَالْخَوْفِ ، وَالرَّجَاءِ ، وَالتَّصْدِيقِ الْجَازِمِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=28287وَالنِّيَّةِ فِي الْعِبَادَةِ ، وَهَذِهِ قَدْرٌ زَائِدٌ عَلَى الْإِخْلَاصِ ، فَإِنَّ الْإِخْلَاصَ هُوَ إِفْرَادُ الْمَعْبُودِ عَنْ غَيْرِهِ .
[ ص: 130 ] وَنِيَّةُ الْعِبَادَةِ لَهَا مَرْتَبَتَانِ :
إِحْدَاهُمَا : تَمْيِيزُ الْعِبَادَةِ عَنِ الْعَادَةِ .
وَالثَّانِيَةُ : تَمْيِيزُ مَرَاتِبِ الْعِبَادَاتِ بَعْضِهَا عَنْ بَعْضٍ .
وَالْأَقْسَامُ الثَّلَاثَةُ وَاجِبَةٌ .
وَكَذَلِكَ
nindex.php?page=treesubj&link=28276الصِّدْقُ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِخْلَاصِ أَنَّ لِلْعَبْدِ مَطْلُوبًا وَطَلَبًا ، فَالْإِخْلَاصُ تَوْحِيدُ مَطْلُوبِهِ ، وَالصِّدْقُ تَوْحِيدُ طَلَبِهِ .
فَالْإِخْلَاصُ : أَنْ لَا يَكُونَ الْمَطْلُوبُ مُنْقَسِمًا ، وَالصِّدْقُ : أَنْ لَا يَكُونَ الطَّلَبُ مُنْقَسِمًا ، فَالصِّدْقُ بَذْلُ الْجُهْدِ ، وَالْإِخْلَاصُ إِفْرَادُ الْمَطْلُوبِ .
وَاتَّفَقَتِ الْأُمَّةُ عَلَى وُجُوبِ هَذِهِ الْأَعْمَالِ عَلَى الْقَلْبِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ .
وَكَذَلِكَ النُّصْحُ فِي الْعُبُودِيَّةِ ، وَمَدَارُ الدِّينِ عَلَيْهِ ، وَهُوَ بَذْلُ الْجُهْدِ فِي إِيقَاعِ الْعُبُودِيَّةِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَحْبُوبِ لِلرَّبِّ الْمَرْضِيِّ لَهُ ، وَأَصْلُ هَذَا وَاجِبٌ ، وَكَمَالُهُ مَرْتَبَةُ الْمُقَرَّبِينَ .
وَكَذَلِكَ كَلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْوَاجِبَاتِ الْقَلْبِيَّةِ لَهُ طَرَفَانِ ، وَاجِبٌ مُسْتَحَقٌّ ، وَهُوَ مَرْتَبَةُ أَصْحَابِ الْيَمِينِ ، وَكَمَالٌ مُسْتَحَبٌّ ، وَهُوَ مَرْتَبَةُ الْمُقَرَّبِينَ .
وَكَذَلِكَ
nindex.php?page=treesubj&link=19571الصَّبْرُ وَاجِبٌ بِاتِّفَاقِ الْأُمَّةِ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12251الْإِمَامُ أَحْمَدُ : ذَكَرَ اللَّهُ الصَّبْرَ فِي تِسْعِينَ مَوْضِعًا مِنَ الْقُرْآنِ ، أَوْ بِضْعًا وَتِسْعِينَ ، وَلَهُ طَرَفَانِ أَيْضًا : وَاجِبٌ مُسْتَحَقٌّ ، وَكَمَالٌ مُسْتَحَبٌّ .
وَأَمَّا الْمُخْتَلَفُ فِيهِ فَكَالرِّضَا ، فَإِنَّ فِي وُجُوبِهِ قَوْلَيْنِ لِلْفُقَهَاءِ وَالصُّوفِيَّةِ ، وَالْقَوْلَانِ لِأَصْحَابِ
أَحْمَدَ ، فَمَنْ أَوْجَبَهُ قَالَ : السُّخْطُ حَرَامٌ ، وَلَا خَلَاصَ عَنْهُ إِلَّا بِالرِّضَا ، وَمَا لَا خَلَاصَ عَنِ الْحَرَامِ إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ .
وَاحْتَجُّوا بِأَثَرِ " مَنْ لَمْ يَصْبِرْ عَلَى بَلَائِي ، وَلَمْ يَرْضَ بِقَضَائِي ، فَلْيَتَّخِذْ رَبًّا سِوَايَ " .
[ ص: 131 ] وَمَنْ قَالَ : هُوَ مُسْتَحَبٌّ ، قَالَ : لَمْ يَجِئِ الْأَمْرُ بِهِ فِي الْقُرْآنِ وَلَا فِي السُّنَّةِ ، بِخِلَافِ الصَّبْرِ ، فَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِهِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ كِتَابِهِ ، وَكَذَلِكَ التَّوَكُّلُ ، قَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=84إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ وَأَمَرَ بِالْإِنَابَةِ ، فَقَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=54وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَمَرَ بِالْإِخْلَاصِ كَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=5وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَكَذَلِكَ الْخَوْفُ كَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=175فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=150فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=40وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ وَكَذَلِكَ الصِّدْقُ ، قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=119يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ وَكَذَلِكَ الْمَحَبَّةُ ، وَهِيَ أَفْرَضُ الْوَاجِبَاتِ ، إِذْ هِيَ قَلْبُ الْعِبَادَةِ الْمَأْمُورِ بِهَا ، وَمُخُّهَا وَرُوحُهَا .
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=19624الرِّضَا فَإِنَّمَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ مَدْحُ أَهْلِهِ ، وَالثَّنَاءُ عَلَيْهِمْ ، لَا الْأَمْرُ بِهِ .
قَالُوا : وَأَمَّا الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ فَإِسْرَائِيلِيٌّ ، لَا يُحْتَجُّ بِهِ .
قَالُوا : وَفِي الْحَدِيثِ الْمَعْرُوفِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَعْمَلَ الرِّضَا مَعَ الْيَقِينِ فَافْعَلْ ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَإِنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ النَّفْسُ خَيْرًا كَثِيرًا وَهُوَ فِي بَعْضِ السُّنَنِ .
قَالُوا : وَأَمَّا قَوْلُكُمْ " لَا خَلَاصَ عَنِ السُّخْطِ إِلَّا بِهِ " فَلَيْسَ بِلَازِمٍ ، فَإِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19627مَرَاتِبَ النَّاسِ فِي الْمَقْدُورِ ثَلَاثَةٌ : الرِّضَا ، وَهُوَ أَعْلَاهَا ، وَالسُّخْطُ ، وَهُوَ أَسْفَلُهَا ، وَالصَّبْرُ عَلَيْهِ بِدُونِ الرِّضَا بِهِ ، وَهُوَ أَوْسَطُهَا ، فَالْأُولَى لِلْمُقَرَّبِينَ السَّابِقِينَ ، وَالثَّالِثَةُ لِلْمُقْتَصِدِينَ ، وَالثَّانِيَةُ
[ ص: 132 ] لِلظَّالِمِينَ ، وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَصْبِرُ عَلَى الْمَقْدُورِ فَلَا يَسْخَطُ ، وَهُوَ غَيْرُ رَاضٍ بِهِ ، فَالرِّضَا أَمْرٌ آخَرُ .
وَقَدْ أُشْكِلَ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ اجْتِمَاعُ الرِّضَا مَعَ التَّأَلُّمِ ، وَظَنَّ أَنَّهُمَا مُتَبَايِنَانِ ، وَلَيْسَ كَمَا ظَنَّهُ ، فَالْمَرِيضُ الشَّارِبُ لِلدَّوَاءِ الْكَرِيهِ مُتَأَلِّمٌ بِهِ رَاضٍ بِهِ ، وَالصَّائِمُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ مُتَأَلِّمٌ بِصَوْمِهِ رَاضٍ بِهِ ، وَالْبَخِيلُ مُتَأَلِّمٌ بِإِخْرَاجِ زَكَاةِ مَالِهِ رَاضٍ بِهَا ، فَالتَّأَلُّمُ كَمَا لَا يُنَافِي الصَّبْرَ لَا يُنَافِي الرِّضَا بِهِ .
وَهَذَا الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ إِنَّمَا هُوَ فِي الرِّضَا بِقَضَائِهِ الْكَوْنِيِّ ، وَأَمَّا الرِّضَا بِهِ رَبًّا وَإلَهًا ، وَالرِّضَا بِأَمْرِهِ الدِّينِيِّ فَمُتَّفَقٌ عَلَى فَرْضِيَّتِهِ ، بَلْ لَا يَصِيرُ الْعَبْدُ مُسْلِمًا إِلَّا بِهَذَا الرِّضَا أَنْ يَرْضَى بِاللَّهِ رَبًّا ، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا ،
وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَسُولًا .
وَمِنْ هَذَا أَيْضًا اخْتِلَافُهُمْ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=25353الْخُشُوعِ فِي الصَّلَاةِ ، وَفِيهِ قَوْلَانِ لِلْفُقَهَاءِ ، وَهُمَا فِي مَذْهَبِ
أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ .
وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ اخْتِلَافُهُمْ فِي وُجُوبِ
nindex.php?page=treesubj&link=27820_32733الْإِعَادَةِ عَلَى مَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الْوَسْوَاسُ فِي صَلَاتِهِ ، فَأَوْجَبَهَا
ابْنُ حَامِدٍ مِنْ أَصْحَابِ
أَحْمَدَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=14847وَأَبُو حَامِدٍ الْغَزَالِيُّ فِي إِحْيَائِهِ ، وَلَمْ يُوجِبْهَا أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ .
وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ مَنْ سَهَا فِي صَلَاتِهِ بِسَجْدَتَيِ السَّهْوِ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِعَادَةِ مَعَ قَوْلِهِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=980146إِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْتِي أَحَدَكُمْ فِي صِلَاتِهِ ، فَيَقُولُ : اذْكُرْ كَذَا ، اذْكُرْ كَذَا لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ حَتَّى يَضِلَّ الرَّجُلُ أَنْ يَدْرِيَ كَمْ صَلَّى وَلَكِنْ لَا نِزَاعَ أَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يُثَابُ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا إِلَّا بِقَدْرِ حُضُورِ قَلْبِهِ وَخُضُوعِهِ ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=980147إِنَّ الْعَبْدَ لِيَنْصَرِفُ مِنَ الصَّلَاةِ وَلَمْ يُكْتَبْ لَهُ إِلَّا نِصْفُهَا ، ثُلْثُهَا ، رُبْعُهَا حَتَّى بَلَغَ عُشْرَهَا وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : لَيْسَ لَكَ مِنْ صَلَاتِكَ إِلَّا مَا عَقَلْتَ مِنْهَا ، فَلَيْسَتْ صَحِيحَةً بِاعْتِبَارِ تَرَتُّبِ كَمَالِ مَقْصُودِهَا عَلَيْهَا ، وَإِنْ سُمِّيَتْ صَحِيحَةً بِاعْتِبَارِ أَنَّا لَا نَأْمُرُهُ بِالْإِعَادَةِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ
[ ص: 133 ] يُعَلَّقَ لَفْظُ الصِّحَّةِ عَلَيْهَا ، فَيُقَالُ صَلَاةٌ صَحِيحَةٌ مَعَ أَنَّهُ لَا يُثَابُ عَلَيْهَا فَاعِلُهَا .
وَالْقَصْدُ أَنَّ هَذِهِ الْأَعْمَالَ وَاجِبَهَا وَمُسْتَحَبَّهَا هِيَ
nindex.php?page=treesubj&link=29530عُبُودِيَّةُ الْقَلْبِ ، فَمَنْ عَطَّلَهَا فَقَدْ عَطَّلَ عُبُودِيَّةَ الْمَلِكِ ، وَإِنْ قَامَ بِعُبُودِيَّةِ رَعِيَّتِهِ مِنَ الْجَوَارِحِ .
وَالْمَقْصُودُ أَنْ يَكُونَ مَلِكُ الْأَعْضَاءِ وَهُوَ الْقَلْبُ قَائِمًا بِعُبُودِيَّتِهِ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ ، هُوَ وَرَعِيَّتُهُ .
وَأَمَّا الْمُحَرَّمَاتُ الَّتِي عَلَيْهِ : فَالْكِبْرُ ، وَالرِّيَاءُ ، وَالْعُجْبُ ، وَالْحَسَدُ ، وَالْغَفْلَةُ ، وَالنِّفَاقُ ، وَهِيَ نَوْعَانِ : كُفْرٌ ، وَمَعْصِيَةٌ :
فَالْكُفْرُ : كَالشَّكِّ ، وَالنِّفَاقِ ، وَالشِّرْكِ ، وَتَوَابِعِهَا .
وَالْمَعْصِيَةُ نَوْعَانِ : كَبَائِرُ ، وَصَغَائِرُ .
nindex.php?page=treesubj&link=27521فَالْكَبَائِرُ : كَالرِّيَاءِ ، وَالْعُجْبِ ، وَالْكِبْرِ ، وَالْفَخْرِ ، وَالْخُيَلَاءِ ، وَالْقُنُوطِ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ، وَالْيَأْسِ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ ، وَالْأَمْنِ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ ، وَالْفَرَحِ وَالسُّرُورِ بِأَذَى الْمُسْلِمِينَ ، وَالشَّمَاتَةِ بِمُصِيبَتِهِمْ ، وَمَحَبَّةِ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِيهِمْ ، وَحَسَدِهِمْ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ، وَتَمَنِّي زَوَالِ ذَلِكَ عَنْهُمْ ، وَتَوَابِعِ هَذِهِ الْأُمُورِ الَّتِي هِيَ أَشَدُّ تَحْرِيمًا مِنَ الزِّنَا ، وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْكَبَائِرِ الظَّاهِرَةِ ، وَلَا صَلَاحَ لِلْقَلْبِ وَلَا لِلْجَسَدِ إِلَّا بِاجْتِنَابِهَا ، وَالتَّوْبَةِ مِنْهَا ، وَإِلَّا فَهُوَ قَلْبٌ فَاسِدٌ ، وَإِذَا فَسَدَ الْقَلْبُ فَسَدَ الْبَدَنُ .
وَهَذِهِ الْآفَاتُ إِنَّمَا تَنْشَأُ مِنَ الْجَهْلِ بِعُبُودِيَّةِ الْقَلْبِ ، وَتَرْكِ الْقِيَامِ بِهَا .
فَوَظِيفَةُ "
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5إِيَّاكَ نَعْبُدُ " عَلَى الْقَلْبِ قَبْلَ الْجَوَارِحِ ، فَإِذَا جَهِلَهَا وَتَرَكَ الْقِيَامَ بِهَا امْتَلَأَ بِأَضْدَادِهَا وَلَا بُدَّ ، وَبِحَسَبِ قِيَامِهِ بِهَا يَتَخَلَّصُ مِنْ أَضْدَادِهَا .
وَهَذِهِ الْأُمُورُ وَنَحْوُهَا قَدْ تَكُونُ صَغَائِرَ فِي حَقِّهِ ، وَقَدْ تَكُونُ كَبَائِرَ ، بِحَسَبِ قُوَّتِهَا وَغِلَظِهَا ، وَخِفَّتِهَا وَدِقَّتِهَا .
وَمِنَ الصَّغَائِرِ أَيْضًا :
nindex.php?page=treesubj&link=30518شَهْوَةُ الْمُحَرَّمَاتِ وَتَمَنِّيهَا ، وَتَفَاوُتُ دَرَجَاتِ الشَّهْوَةِ فِي الْكِبَرِ وَالصِّغَرِ بِحَسَبِ تَفَاوُتِ دَرَجَاتِ الْمُشْتَهَى ، فَشَهْوَةُ الْكُفْرِ وَالشِّرْكِ كُفْرٌ ، وَشَهْوَةُ الْبِدْعَةِ فِسْقٌ ، وَشَهْوَةُ الْكَبَائِرِ مَعْصِيَةٌ ، فَإِنْ تَرَكَهَا لِلَّهِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهَا أُثِيبَ ، وَإِنْ تَرَكَهَا عَجْزًا بَعْدَ بَذْلِهِ مَقْدُورِهِ فِي تَحْصِيلِهَا اسْتَحَقَّ عُقُوبَةَ الْفَاعِلِ ، لِتَنْزِيلِهِ مَنْزِلَتَهُ فِي أَحْكَامِ الثَّوَابِ
[ ص: 134 ] وَالْعِقَابِ ، وَإِنْ لَمْ يَنْزِلْ مَنْزِلَتَهُ فِي أَحْكَامِ الشَّرْعِ ، وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "
nindex.php?page=hadith&LINKID=980148إِذَا تَوَاجَهَ الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا ، فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ ، قَالُوا : هَذَا الْقَاتِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ ؟ قَالَ : إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ " فَنَزَّلَهُ مَنْزِلَةَ الْقَاتِلِ ، لِحِرْصِهِ عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ ، فِي الْإِثْمِ دُونَ الْحُكْمِ ، وَلَهُ نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ فِي الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ .
وَقَدْ عُلِمَ بِهَذَا مُسْتَحَبُّ الْقَلْبِ وَمُبَاحُهُ .