الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين

ابن القيم - أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية

صفحة جزء
فصل

وهذا الإفراد - الذي أشار إليه الجنيد - نوعان ، أحدهما : إفراد في الاعتقاد والخبر ، وذلك نوعان أيضا ، أحدهما : إثبات مباينة الرب تعالى للمخلوقات ، وعلوه فوق عرشه من فوق سبع سماوات ، كما نطقت به الكتب الإلهية من أولها إلى آخرها ، وأخبرت به جميع الرسل من أولهم إلى آخرهم ، والثاني : إفراده سبحانه بصفات كماله ، وإثباتها له على وجه التفصيل ، كما أثبتها لنفسه ، وأثبتها له رسله ، منزهة عن التعطيل والتحريف والتمثيل ، والتكييف والتشبيه ، بل تثبت له سبحانه حقائق الأسماء والصفات ، وتنفي عنه فيها مماثلة المخلوقات ، إثباتا بلا تمثيل ، وتنزيها بلا تحريف ولا تعطيل ، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير .

وفي هذا النوع يكون إفراده سبحانه بعموم قضائه وقدره لجميع المخلوقات - أعيانها وصفاتها وأفعالها - وأنها كلها واقعة بمشيئته وقدرته ، وعلمه وحكمته ، فيباين [ ص: 414 ] صاحب هذا الإفراد سائر فرق أهل الباطل : من الاتحادية ، والحلولية ، والجهمية الفرعونية - الذين يقولون : ليس فوق السماوات رب يعبد ، ولا على العرش إله يصلى له ويسجد - والقدرية - الذين يقولون : إن الله لا يقدر على أفعال العباد ، من الملائكة والإنس والجن ، ولا على أفعال سائر الحيوانات - بل يقع في ملكه ما لا يريد ، ويريد ما لا يكون ، فيريد شيئا لا يكون ، ويكون شيء بغير إرادته ومشيئته ، والله سبحانه أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية