ومن أركان المحاسبة ما ذكره صاحب المنازل ، فقال :
الثالث : أن تعرف أن
nindex.php?page=treesubj&link=19684_19685_19688كل طاعة رضيتها منك فهي عليك ، وكل معصية عيرت بها أخاك فهي إليك .
رضاء العبد بطاعته دليل على حسن ظنه بنفسه ، وجهله بحقوق العبودية ، وعدم عمله بما يستحقه الرب جل جلاله ويليق أن يعامل به .
وحاصل ذلك أن جهله بنفسه وصفاتها وآفاتها وعيوب عمله ، وجهله بربه وحقوقه وما ينبغي أن يعامل به ، يتولد منهما رضاه بطاعته ، وإحسان ظنه بها ، ويتولد من ذلك من العجب والكبر والآفات ما هو أكبر من الكبائر الظاهرة من الزنا ، وشرب الخمر ، والفرار من الزحف ونحوها .
فالرضا بالطاعة من رعونات النفس وحماقتها .
nindex.php?page=treesubj&link=20009وأرباب العزائم والبصائر أشد ما يكونون استغفارا عقيب الطاعات ، لشهودهم تقصيرهم فيها ، وترك القيام لله بها كما يليق بجلاله وكبريائه ، وأنه لولا الأمر لما أقدم أحدهم على مثل هذه العبودية ، ولا رضيها لسيده .
وقد أمر الله تعالى وفده وحجاج بيته بأن يستغفروه عقيب إفاضتهم من
عرفات ، وهو أجل المواقف وأفضلها ، فقال
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=198فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=199ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم وقال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=17والمستغفرين بالأسحار قال
الحسن : مدوا الصلاة إلى السحر ، ثم جلسوا يستغفرون الله عز وجل ، وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=hadith&LINKID=980158كان إذا سلم من الصلاة استغفر ثلاثا ، ثم قال : اللهم أنت السلام ، ومنك السلام ، تباركت يا ذا الجلال والإكرام وأمره الله تعالى
[ ص: 193 ] بالاستغفار بعد أداء الرسالة ، والقيام بما عليه من أعبائها ، وقضاء فرض الحج ، واقتراب أجله ، فقال في آخر سورة أنزلت عليه
nindex.php?page=tafseer&surano=110&ayano=1إذا جاء نصر الله والفتح nindex.php?page=tafseer&surano=110&ayano=2ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا nindex.php?page=tafseer&surano=110&ayano=3فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا .
ومن هاهنا فهم
عمر ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس - رضي الله عنهم - أن هذا أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه به ، فأمره أن يستغفره عقيب أداء ما كان عليه ، فكأنه إعلام بأنك قد أديت ما عليك ، ولم يبق عليك شيء ، فاجعل خاتمته الاستغفار ، كما كان خاتمة الصلاة والحج وقيام الليل ، وخاتمة الوضوء أيضا أن يقول بعد فراغه "
سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت ، أستغفرك وأتوب إليك ، اللهم اجعلني من التوابين ، واجعلني من المتطهرين " .
فهذا شأن من عرف ما ينبغي لله ، ويليق بجلاله من حقوق العبودية وشرائطها ، لا جهل أصحاب الدعاوي وشطحاتهم .
وقال بعض العارفين : متى رضيت نفسك وعملك لله ، فاعلم أنه غير راض به ، ومن عرف أن نفسه مأوى كل عيب وشر ، وعمله عرضة لكل آفة ونقص ، كيف يرضى لله نفسه وعمله ؟ .
ولله در الشيخ
nindex.php?page=showalam&ids=12146أبي مدين حيث يقول : من تحقق بالعبودية نظر أفعاله بعين
[ ص: 194 ] الرياء ، وأحواله بعين الدعوى ، وأقواله بعين الافتراء ، وكلما عظم المطلوب في قلبك ، صغرت نفسك عندك ، وتضاءلت القيمة التي تبذلها في تحصيله ، وكلما شهدت حقيقة الربوبية وحقيقة العبودية ، وعرفت الله ، وعرفت النفس ، وتبين لك أن ما معك من البضاعة لا يصلح للملك الحق ، ولو جئت بعمل الثقلين خشيت عاقبته وإنما يقبله بكرمه وجوده وتفضله ، ويثيبك عليه أيضا بكرمه وجوده وتفضله .
وَمِنْ أَرْكَانِ الْمُحَاسَبَةِ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمَنَازِلِ ، فَقَالَ :
الثَّالِثُ : أَنْ تَعْرِفَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19684_19685_19688كُلَّ طَاعَةٍ رَضِيتَهَا مِنْكَ فَهِيَ عَلَيْكَ ، وَكُلَّ مَعْصِيَةٍ عَيَّرْتَ بِهَا أَخَاكَ فَهِيَ إِلَيْكَ .
رِضَاءُ الْعَبْدِ بِطَاعَتِهِ دَلِيلٌ عَلَى حُسْنِ ظَنِّهِ بِنَفْسِهِ ، وَجَهْلِهِ بِحُقُوقِ الْعُبُودِيَّةِ ، وَعَدَمِ عَمَلِهِ بِمَا يَسْتَحِقُّهُ الرَّبُّ جَلَّ جَلَالُهُ وَيَلِيقُ أَنْ يُعَامَلَ بِهِ .
وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّ جَهْلَهُ بِنَفْسِهِ وَصِفَاتِهَا وَآفَاتِهَا وَعُيُوبِ عَمَلِهِ ، وَجَهْلَهُ بِرَبِّهِ وَحُقُوقِهِ وَمَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَامَلَ بِهِ ، يَتَوَلَّدُ مِنْهُمَا رِضَاهُ بِطَاعَتِهِ ، وَإِحْسَانُ ظَنِّهِ بِهَا ، وَيَتَوَلَّدُ مِنْ ذَلِكَ مِنَ الْعَجَبِ وَالْكِبْرِ وَالْآفَاتِ مَا هُوَ أَكْبَرُ مِنَ الْكَبَائِرِ الظَّاهِرَةِ مِنَ الزِّنَا ، وَشُرْبِ الْخَمْرِ ، وَالْفِرَارِ مِنَ الزَّحْفِ وَنَحْوِهَا .
فَالرِّضَا بِالطَّاعَةِ مِنْ رَعُونَاتِ النَّفْسِ وَحَمَاقَتِهَا .
nindex.php?page=treesubj&link=20009وَأَرْبَابُ الْعَزَائِمِ وَالْبَصَائِرِ أَشَدُّ مَا يَكُونُونَ اسْتِغْفَارًا عُقَيْبَ الطَّاعَاتِ ، لِشُهُودِهِمْ تَقْصِيرَهُمْ فِيهَا ، وَتَرْكَ الْقِيَامِ لِلَّهِ بِهَا كَمَا يَلِيقُ بِجَلَالِهِ وَكِبْرِيَائِهِ ، وَأَنَّهُ لَوْلَا الْأَمْرُ لَمَا أَقْدَمَ أَحَدُهُمْ عَلَى مَثَلِ هَذِهِ الْعُبُودِيَّةِ ، وَلَا رَضِيَهَا لِسَيِّدِهِ .
وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى وَفْدَهُ وَحُجَّاجَ بَيْتِهِ بِأَنْ يَسْتَغْفِرُوهُ عُقَيْبَ إِفَاضَتِهِمْ مِنْ
عَرَفَاتٍ ، وَهُوَ أَجَلُّ الْمَوَاقِفِ وَأَفْضَلُهَا ، فَقَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=198فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=199ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَقَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=17وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ قَالَ
الْحَسَنُ : مَدُّوا الصَّلَاةَ إِلَى السَّحَرِ ، ثُمَّ جَلَسُوا يَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ، وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=980158كَانَ إِذَا سَلَّمَ مِنَ الصَّلَاةِ اسْتَغَفْرَ ثَلَاثًا ، ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ ، وَمِنْكَ السَّلَامُ ، تَبَارَكْتَ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ وَأَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى
[ ص: 193 ] بِالِاسْتِغْفَارِ بَعْدَ أَدَاءِ الرِّسَالَةِ ، وَالْقِيَامِ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ أَعْبَائِهَا ، وَقَضَاءِ فَرْضِ الْحَجِّ ، وَاقْتِرَابِ أَجَلِهِ ، فَقَالَ فِي آخِرِ سُورَةٍ أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=110&ayano=1إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ nindex.php?page=tafseer&surano=110&ayano=2وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا nindex.php?page=tafseer&surano=110&ayano=3فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا .
وَمِنْ هَاهُنَا فَهِمَ
عُمَرُ ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وَابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّ هَذَا أَجَلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمَهُ بِهِ ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَسْتَغْفِرَهُ عُقَيْبَ أَدَاءِ مَا كَانَ عَلَيْهِ ، فَكَأَنَّهُ إِعْلَامٌ بِأَنَّكَ قَدْ أَدَّيْتَ مَا عَلَيْكَ ، وَلَمْ يَبْقَ عَلَيْكَ شَيْءٌ ، فَاجْعَلْ خَاتِمَتَهُ الِاسْتِغْفَارَ ، كَمَا كَانَ خَاتِمَةَ الصَّلَاةِ وَالْحَجِّ وَقِيَامِ اللَّيْلِ ، وَخَاتِمَةُ الْوُضُوءِ أَيْضًا أَنْ يَقُولَ بَعْدَ فَرَاغِهِ "
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ التَّوَّابِينَ ، وَاجْعَلْنِي مِنَ الْمُتَطَهِّرِينَ " .
فَهَذَا شَأْنُ مَنْ عَرَفَ مَا يَنْبَغِي لِلَّهِ ، وَيَلِيقُ بِجَلَالِهِ مِنْ حُقُوقِ الْعُبُودِيَّةِ وَشَرَائِطِهَا ، لَا جَهْلَ أَصْحَابِ الدَّعَاوِي وَشَطَحَاتِهِمْ .
وَقَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ : مَتَى رَضِيتَ نَفْسَكَ وَعَمَلَكَ لِلَّهِ ، فَاعْلَمْ أَنَّهُ غَيْرُ رَاضٍ بِهِ ، وَمَنْ عَرَفَ أَنَّ نَفْسَهُ مَأْوَى كُلِّ عَيْبٍ وَشَرٍّ ، وَعَمَلَهُ عُرْضَةٌ لِكُلِّ آفَةٍ وَنَقْصٍ ، كَيْفَ يَرْضَى لِلَّهِ نَفْسَهُ وَعَمَلَهُ ؟ .
وَلِلَّهِ دَرُّ الشَّيْخِ
nindex.php?page=showalam&ids=12146أَبِي مَدْيَنَ حَيْثُ يَقُولُ : مَنْ تَحَقَّقَ بِالْعُبُودِيَّةِ نَظَرَ أَفْعَالَهُ بِعَيْنِ
[ ص: 194 ] الرِّيَاءِ ، وَأَحْوَالَهُ بِعَيْنِ الدَّعْوَى ، وَأَقْوَالَهُ بِعَيْنِ الِافْتِرَاءِ ، وَكُلَّمَا عَظُمَ الْمَطْلُوبُ فِي قَلْبِكَ ، صَغُرَتْ نَفْسُكَ عِنْدَكَ ، وَتَضَاءَلَتِ الْقِيمَةُ الَّتِي تَبْذُلُهَا فِي تَحْصِيلِهِ ، وَكُلَّمَا شَهِدْتَ حَقِيقَةَ الرُّبُوبِيَّةِ وَحَقِيقَةَ الْعُبُودِيَّةِ ، وَعَرَفْتَ اللَّهَ ، وَعَرَفْتَ النَّفْسَ ، وَتَبَيَّنَ لَكَ أَنَّ مَا مَعَكَ مِنَ الْبِضَاعَةِ لَا يَصْلُحُ لِلْمَلِكِ الْحَقِّ ، وَلَوْ جِئْتَ بِعَمَلِ الثَّقَلَيْنِ خَشِيتَ عَاقِبَتَهُ وَإِنَّمَا يَقْبَلُهُ بِكَرَمِهِ وَجُودِهِ وَتَفَضُّلِهِ ، وَيُثِيبُكَ عَلَيْهِ أَيْضًا بِكَرَمِهِ وَجُودِهِ وَتَفَضُّلِهِ .