الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( وأما ) بيان وقت النية فقد ذكر الطحاوي أنه يكبر تكبيرة الافتتاح مخالطا لنيته إياها ، أي مقارنا أشار إلى أن وقت النية وقت التكبير ، وهو عندنا محمول على الندب والاستحباب دون الحتم والإيجاب ، فإن تقديم النية على التحريمة جائز عندنا إذا لم يوجد بينهما عمل يقطع أحدهما عن الآخر ، والقران ليس بشرط ، وعند الشافعي القران شرط ( وجه ) قوله أن الحاجة إلى النية لتحقيق معنى الإخلاص ، وذلك عند الشروع لا قبله ، فكانت النية قبل التكبير هدرا ، وهذا هو القياس في باب الصوم ، إلا أنه سقط القران هناك لمكان الحرج ; لأن وقت الشروع في الصوم وقت غفلة ونوم ، ولا حرج في باب الصلاة فوجب اعتباره .

                                                                                                                                ( ولنا ) قول النبي صلى الله عليه وسلم : { الأعمال بالنيات } مطلقا عن شرط القران ، وقوله : { لكل امرئ ما نوى } مطلقا أيضا ، وعنده لو تقدمت النية لا يكون له ما نوى ، وهذا خلاف النص ; ولأن شرط القران لا يخلو عن الحرج فلا يشترط كما في باب الصوم ، فإذا قدم النية ولم يشتغل بعمل يقطع نيته يجزئه ، كذا روي عن أبي يوسف ومحمد ، فإن محمدا ذكر في كتاب المناسك أن من خرج من بيته يريد الحج فأحرم ولم تحضره نية الحج عند الإحرام يجزئه ، وذكر في كتاب التحري أن من أخرج زكاة ماله يريد أن يتصدق به على الفقراء فدفع ولم تحضره نية عند الدفع أجزأه ، وذكر محمد بن شجاع البلخي في نوادره عن محمد في رجل توضأ يريد الصلاة فلم يشتغل بعمل آخر وشرع في الصلاة - جازت صلاته وإن عريته النية وقت الشروع .

                                                                                                                                وروي عن أبي يوسف فيمن خرج من منزله يريد الفرض في الجماعة فلما انتهى إلى الإمام كبر ولم تحضره النية في تلك الساعة - أنه يجوز .

                                                                                                                                قال الكرخي : ولا أعلم أحدا من أصحابنا خالف أبا يوسف في ذلك ، وذلك لأنه لما عزم على تحقيق ما نوى فهو على عزمه ونيته إلى أن يوجد القاطع ولم يوجد وبه تبين أن معنى الإخلاص يحصل بنية متقدمة ; لأنها موجودة وقت الشروع تقديرا على ما مر ، وعن محمد بن سلمة أنه إذا كان بحال لو سئل عند الشروع : أي صلاة تصلي ؟ يمكنه الجواب على البديهة من غير تأمل يجزئه وإلا فلا وإن نوى بعد التكبير لا يجوز ، إلا ما روى الكرخي أنه إذا نوى وقت الثناء يجوز ; لأن الثناء من توابع التكبير ، وهذا فاسد ; لأن سقوط القران لمكان الحرج ، والحرج يندفع بتقديم النية فلا ضرورة إلى التأخير .

                                                                                                                                ولو نوى بعد قوله : " الله " قبل قوله : " أكبر " - لا يجوز ; لأن الشروع يصح بقوله : " الله " لما يذكر ، فكأنه نوى بعد التكبير وأما نية الكعبة فقد روى الحسن عن أبي حنيفة أنها شرط ; لأن التوجه إلى الكعبة هو الواجب في الأصل .

                                                                                                                                وقد عجز عنه بالبعد فينويها بقلبه ، والصحيح أنه ليس بشرط ; لأن قبلته حالة البعد جهة الكعبة وهي المحاريب لا عين الكعبة لما بينا فيما تقدم ، فلا حاجة إلى النية .

                                                                                                                                وقال بعضهم : إن أتى به فحسن ، وإن تركه لا يضره وإن نوى مقام إبراهيم عليه الصلاة والسلام أو المسجد الحرام ولم ينو الكعبة - لا يجوز ; لأنه ليس من الكعبة ، وعن الفقيه الجليل أبي أحمد العياضي أنه سئل عمن نوى مقام إبراهيم عليه السلام فقال : إن [ ص: 130 ] كان هذا الرجل لم يأت مكة أجزأه ; لأن عنده أن البيت والمقام واحد ، وإن كان قد أتى مكة لا يجوز ; لأنه عرف أن المقام غير البيت .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية