الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                وأما تغميض الميت وغسله وحمل الجنازة وأكل ما مسته النار والكلام الفاحش فليس شيء من ذلك حدثا عند عامة العلماء وقال بعضهم : كل ذلك حدث ورووا في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال { من غمض ميتا فليتوضأ ، ومن غسل ميتا فليغتسل ، ومن حمل جنازة فليتوضأ } ، وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت للمتسابين إن بعض ما أنتما فيه لشر من الحدث فجددا الوضوء ، وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { توضئوا مما مسته النار } ، ومنهم من أوجب من لحم الإبل خاصة .

                                                                                                                                وروي { توضئوا من لحوم الإبل ، ولا تتوضئوا من لحوم الغنم } ( ولنا ) ما روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { إنما علينا الوضوء مما يخرج ليس مما يدخل } وقال ابن عباس رضي الله عنهما الوضوء مما يخرج ، يعني : الخارج النجس ، ولم يوجد ، والمعنى في المسألة أن الحدث هو خروج النجس حقيقة ، أو ما هو سبب الخروج ، ولم يوجد ، وإليه أشار ابن عباس رضي الله عنهما حين بلغه حديث حمل الجنازة فقال أنتوضأ من مس عيدان يابسة ، ولأن هذه الأشياء مما يغلب وجودها فلو جعل شيء من ذلك حدثا لوقع الناس في الحرج ، وما رووا أخبار آحاد وردت فيما تعم به البلوى ، ويغلب وجوده ، ولا يقبل خبر الواحد في مثله ، لأنه دليل عدم الثبوت إذ لو ثبت لاشتهر بخلاف خبر القهقهة فإنه من المشاهير مع أنه ما ورد فيما لا تعم به البلوى ، لأن القهقهة في الصلاة مما لا يغلب وجوده ، ولو ثبت ما رووا فالمراد من الوضوء بتغميض الميت غسل اليد لأن ذلك الموضع لا يخلو عن قذارة عادة ، وكذا بأكل ما مسته النار ، ولهذا خص لحم الإبل في رواية ; لأن له [ ص: 33 ] من اللزوجة ما ليس لغيره ، وهكذا روي { أنه أكل طعاما فغسل يديه وقال هكذا الوضوء مما مسته النار } ، والمراد من حديث الغسل فليغتسل إذا أصابته الغسالات النجسة وقوله فليتوضأ في حمل الجنازة للمحدث ليتمكن من الصلاة عليه ، وعائشة رضي الله عنها إنما ندبت المتسابين إلى تجديد الوضوء تكفيرا لذنب سبهما .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية