ومنها النصاب وجملة الكلام في النصاب في مواضع في بيان أنه شرط وجوب الزكاة ، وفي بيان كيفية اعتبار هذا الشرط وفي بيان مقدار النصاب ، وفي بيان صفته ، وفي بيان مقدار الواجب في النصاب ، وفي بيان صفته .
أما الأول فلا تجب الزكاة فيما دون النصاب ; لأنها لا تجب إلا على الغني والغنى لا يحصل إلا بالمال الفاضل عن الحاجة الأصلية وما دون النصاب لا يفضل عن الحاجة الأصلية فلا يصير الشخص غنيا به ; ولأنها وجبت شكر النعمة المال . فكمال النصاب شرط وجوب الزكاة
وما دون النصاب لا يكون نعمة موجبة للشكر للمال بل يكون شكره شكرا لنعمة البدن لكونه من توابع نعمة البدن على ما ذكرنا ، ولكن هذا الشرط يعتبر في أول الحول وفي آخره لا في خلاله حتى ثم كمل في آخره تجب الزكاة سواء كان من السوائم أو من الذهب والفضة أو مال التجارة ، وهذا قول لو انتقص النصاب في أثناء الحول أصحابنا الثلاثة .
وقال : كمال النصاب من أول الحول إلى آخره شرط وجوب الزكاة . زفر
وهو قول [ ص: 16 ] إلا في مال التجارة فإنه يعتبر كمال النصاب في آخر الحول ولا يعتبر في أول الحول ووسطه ، حتى أنه إذا كان قيمة مال التجارة في أول الحول مائة درهم فصارت قيمته في آخر الحول مائتين تجب الزكاة عنده . الشافعي
وجه قول أن حولان الحول على النصاب شرط وجوب الزكاة فيه ولا نصاب في وسط الحول فلا يتصور حولان الحول عليه ; ولهذا لو هلك النصاب في خلال الحول ينقطع حكم الحول . زفر
وكذا بطل الحول ، وبهذا يحتج لو كان النصاب سائمة فجعلها علوفة في وسط الحول أيضا إلا أنه يقول : تركت هذا القياس في مال التجارة للضرورة وهي أن نصاب التجارة يكمل بالقيمة والقيمة تزداد وتنتقص في كل ساعة لتغير السعر لكثرة رغبة الناس وقلتها وعزة السلعة وكثرتها ، فيشق عليه تقويم ماله في كل يوم ، فاعتبر الكمال عند وجوب الزكاة وهو آخر الحول لهذه الضرورة . الشافعي
وهذه الضرورة لا توجد في السائمة ; لأن نصابها لا يكمل باعتبار القيمة بل باعتبار العين .
ولنا أن كمال النصاب شرط وجوب الزكاة فيعتبر وجوده في أول الحول وآخره لا غير ; لأن أول الحول وقت انعقاد السبب وآخره وقت ثبوت الحكم فأما وسط الحول فليس بوقت انعقاد السبب ولا وقت ثبوت الحكم فلا معنى لاعتبار كمال النصاب فيه إلا أنه لا بد من بقاء شيء من النصاب الذي انعقد عليه الحول ليضم المستفاد إليه ، فإذا هلك كله لم يتصور الضم فيستأنف له الحول بخلاف ما إذا جعل السائمة علوفة في خلال الحول ; لأنه لما جعلها علوفة فقد أخرجها من أن تكون مال الزكاة فصار كما لو هلكت .
وما ذكر من اعتبار المشقة يصلح لإسقاط اعتبار كمال النصاب في خلال الحول لا في أوله ; لأنه لا يشق عليه تقويم ماله عند ابتداء الحول ليعرف به انعقاد الحول كما ، لا يشق عليه ذلك في آخر الحول ليعرف به وجوب الزكاة في ماله والله أعلم . الشافعي